انتهت حرب غزة ولم ينتهِ الانقسام

من انتشار قوات حماس الأمنية في شوارع غزة وتصفيتها لخصومها السياسيين يتضح أن الانقسام الفلسطيني لم ينتهِ حتى بعد الحرب بل ما زال يخدم إسرائيل ويكرّس واقع الانقسام الداخلي.
الخميس 2025/10/16
الانقسام الفلسطيني

يتجه سير الأحداث في قطاع غزّة نحو فصل جديد من كابوس الانقسام الذي يريد أن يبقى جاثمًا على صدور الفلسطينيين ويخدم إسرائيل فقط. من انتشار قوات حماس الأمنية في الشوارع وتصفيتها لخصومها السياسيين والتهجم على العشائر المعروفة بمناوئتها لحكم حماس، وإظهار أنها ما زالت المتحكمة بكل شيء، حتى بالدمار والحطام والركام في قطاع غزة، يؤكد أمرًا وحيدًا ألا وهو أن الانقسام لم ينتهِ حتى لو انتهت الحرب ووضعت أوزارها.

حماس اليوم تعيد إنتاج نفسها؛ وتلعب دورها القديم المتجدد بمنع قيام الدولة الفلسطينية الواحدة والموحّدة. أي أن الفلسطينيين – وأقولها ببالغ الأسف – سيشهدون في قادم الأيام أحداثًا تشابه ما حصل في العام 2007. وستكتفي السلطة الوطنية الفلسطينية بالاستنكار والإدانة والتفرج على كلاكيت الانقسام للمرة الثانية دون أن تحرّك ساكنًا.

الصادم في ما يحدث في قطاع غزّة بعد وقف إطلاق النار، أنه في الوقت الذي يجب أن توجّه أسئلة صعبة لحركة حماس، وتقييم وتقدير ما قامت به بعملية حسابية بسيطة وبموازين الربح والخسارة، وطرح أسئلة أقلّ من عادية مثل: ماذا استفاد الشعب الفلسطيني من هجوم السابع من أكتوبر؟ كم شبرًا حررنا من فلسطين؟ وما هي النتائج؟

اليوم، نجد أن حماس هي من تحاسب الشعب الذي ظل صامدًا تحت آلة المجازر والقصف والنيران والجوع والعطش والحر والقرّ والأوبئة، وتوزّع صكوك الوطنية والخيانة بدل أن يحدث العكس.

"عادت حليمة لعادتها القديمة" حيث تكرّس حماس الانقسام بتقاطع مع أهداف إسرائيل التي لا تمانع حكمًا منقوصًا في قطاع غزة لكنها تمنع قيام سلطة وطنية فلسطينية موحّدة

تندلع الاشتباكات في شوارع غزّة، ويحلّق طائر الحرب الأهلية بعدما حطّ طائر حرب الإبادة الشاملة. يتراقص جنود الاحتلال في مواقعهم داخل القطاع احتفالًا بعيد العرش اليهودي، ويؤمّ مهرجان نوفا الموسيقي الكثير من المشاركين، وأهلنا في القطاع الكسير الأسير ينتقلون من حربٍ إلى حرب ومن عدوانٍ إلى آخر.

“عادت حليمة لعادتها القديمة”، وعادت حماس لتكرّس الانقسام بتقاطع واضح مع أهداف إسرائيل العليا. فالأخيرة لن تمانع أن تحكم حماس منزوعة الأظافر قطاع غزّة، أي أن تكون حركة لا تشكّل أي تهديد أمني كبير أو صغير على إسرائيل، ولكنّها في الوقت نفسه ستمانع وتمنع أن تكون هناك سلطة وطنية موحّدة تمدّ ظلالها على الضفة الغربية وغزّة.

بعد تدجين حماس، لن تجد إسرائيل أكثر منفعة لها من حماس الصامتة المكتفية بأسلحة شرطية خفيفة. فهي حركة مصنّفة إرهابية في غالبية دول العالم، ومجرد ذكر اسمها سيبرر للاحتلال القيام بالمزيد من الضربات العسكرية للمدنيين الأبرياء، وسيجعل المستثمرين يفكرون ألف مرة قبل الموافقة على الدخول في مشاريع إعادة الإعمار.

من نافل القول إن حماس فشلت فشلًا ذريعا عسكريًا وسياسيًا. ومن يتذرّع بتحرير الأسرى الفلسطينيين، نجد أن إسرائيل أفرغت هذه القضية من مضمونها، ورفضت الإفراج عن كبار قيادات الحركة الأسيرة داخل معتقلاتها. ولم تفرج عن كافة الأسرى الذين اعتقلتهم بعد السابع من أكتوبر، أي أن غلّة إسرائيل من الأسرى الفلسطينيين زادت أضعافًا بعد هجوم حماس الكارثي.

يتوجب على حماس، كأي حركة أو حزب في العالم، أن تجري مراجعات معمّقة وحقيقية لنهجها الملتقي مع مصالح الاحتلال، وأن تدع أهل غزّة وشأنهم بعد فشل تجربتها الذريع في الحكم. كما يتوجب على السلطة الوطنية أن تتنبه جيدًا لما يحدث في قطاع غزة من إعدامات تعيد للذاكرة انقلاب حماس الأسود، وأن تأخذ الأمر على محمل الجد، وتقوم بلقاءات سريعة مع الدول العربية وتركيا، للحؤول دون بث الروح من جديد في جسد الانقسام الجاثم على صدور الفلسطينيين الذي اعتقد البعض أنه مات بموت غزّة.

6