جواد العقاد في خيمة تشبه وطنا من قماش

شاعر يكتب وصية فلسطينيي غزة.
الاثنين 2025/09/15
حين أكتب أطلب مواجهة الذات

ما يميزّ تجربة الكاتب والشاعر الأكاديمي الشاب الفلسطيني جواد العقاد أنّه يكتب من داخل الجرح والوجع وموطن النزيف لا من خارج عذابات شعبه، فهو وإخوته الفلسطينيين هم الجرح والدم المسفوح.

وإذا كان كل شاعر يفتّش عن فكرة أو صورة شعرية حديثة لم يسبقه إليها أحد؛ ففي قطاع غزّة يختلف الحال، من يكتب عن الجرحى هو الجريح نفسه ومن يكتب عن الجوعى والعطشى هو نفسه جائع ومن يكتب عن الفقراء والمعوّزين يتلوى من ضيق اليد ومن يكتب عن الشهداء هو من أهل الشهيد وربما يكون الشهيد المقبل، وخير آية على ما تقدم الشهيد الشاعر الدكتور رفعت العرعير.

الشعر ليس متحفا

بين سيف القصف ونطع الجوع؛ يكتب الشاعر جواد العقاد رسالته إلى العالم كوصيّة للشعب الفلسطيني
بين سيف القصف ونطع الجوع؛ يكتب الشاعر جواد العقاد رسالته إلى العالم كوصيّة للشعب الفلسطيني

في تصريح خاص لـ”العرب” يرفض جواد العقاد مقايضة الشعر بالشكل، بل يترك للنص أن يختار هيئته، فلا يعنيه تصنيف القصيدة بقدر ما يعنيه أن تُشعل القلب وتُنير المعنى. فهو يكتب التفعيلة حين يستدعيها النبض، ويمضي إلى النثر حين يختنق الوزن بالفكرة. يضيف “القصيدة كائن حيّ يتنفس، يئنّ، ويثور. أنا مع الشعر حين يكون اشتعالا، لا تمرينا في العَروض”.

القصيدة الجيدة بالنسبة إلى الشاعر الغزّي لا تُقاس بالمقاطع ولا القوافي، بل بما تتركه في القارئ من أثر، بما تحدثه في الوعي من خلخلة، بما تفتحه من أسئلة. لذلك، لا يقفل جواد القصيدة على شكلٍ مسبق، بقدر ما يصغي لصوتها وهي تُولد: “أحياناً تأتي كبركان موزون، وأحيانًا كصرخة بلا وزن. في كلتا الحالتين، هي صادقة. القصيدة عندي فعل حرية قبل أن تكون فعلاً فنياً”.

ويتابع، “أرفض أن أُقيّد النص بقواعد بائدة أو بمفاهيم نقدية جاهزة، لأن الشعر ليس حارساً لمتحف اللغة، بل هو فوضى خلاّقة، طاقة خرق، وخلق مستمر”. إذن الهوية الشعرية بالنسبة إلى العقاد لا تُبنى على الصوت الخاص، بل على البصمة الداخلية، على موقف الشاعر من العالم ومن اللغة. فهو يكتب من موقعه ككائن يئنّ في هذا العالم الجارح، ومن هذا الجرح تتشكل لغته، مزيجاً من الانتماء والتمرد، من الحبّ والسخط، من الغضب والحنين. “كل قصيدة حقيقية يجب أن تُقلقك، أن تُربكك، أن تفتح فيك ثغرة أو تحفر فيك بئرا. لذلك، حين أكتب، أطلب مواجهة الذات. والذات لا تُكتب إلا على نار التجربة، على رماد الأسئلة، على وهج المعاناة. هكذا أُؤمن بالشعر”.

وبالنسبة إلى الشعراء الذين تأثّر بهم، يقول العقاد في تصريح خاص لـ”العرب”: “كل شاعر في جوهره امتدادٌ لمن سبق، وها أنا في هذا المسار لم أكن استثناءً؛ إذ أنني، في كل مرحلةٍ من تطوّري الشعري والوجداني، كنت أجد نفسي مشدوداً إلى أصواتٍ بعينها، أصواتٍ حفرت في اللغة والذاكرة والهوية”.

غني عن البيان، تأثّر جواد العقاد بشعراء الأرض المحتلة، أولئك الذين جعلوا من القصيدة متراساً وصرخة: محمود درويش، سميح القاسم، راشد حسين، سالم جبران، وعز الدين المناصرة الذي ظلَّ يحفر في جدار اللغة والوعي. لكن الأقرب، والأكثر التصاقاً بروحه، هو أنور الخطيب؛ في نصوصه وجد جواد نفسه، كأنّه يكتب بقلقه ودموعه وشظاياه، متجدّداً كالصباحات التي تأتي رغم الدمار.

يحبّ الشاعر الشاب التجارب الشعرية الكبيرة، تلك التي نبتت من جراح الأرض، مثل تجربة المتوكّل طه، بما فيها من عُمق واشتباكٍ مع الوجدان الجمعي. كما أنّه يحبّ شعر زاهي وهبي؛ في رقّته انسياب موجع وعمقه لا يتكلّف الفلسفة بل يُصيبُ القلب برصاصةٍ من بلاغة.

كثيرةٌ هي الأسماء التي أحبّها، وقد لا يتّسع هذا الحيّز لاحتوائها. لكنّه في المحصّلة أحبّ الشعر الحقيقي، ذاك الذي لا يُشبه إلا نفسه، الشعر الذي يُحدث ارتجاجاً في الروح، الشعر الذي يُعلّقك ما بين الحياة والموت ويجعلك تكتب كما لو أنك تصرخ. فالعقاد كما يصف نفسه “أنا ابن الشعراء الذين شقّوا الطريق، وحين أكتب، أُصغي إلى أصواتهم في داخلي… وأمضي”.

ولد جواد العقاد عام 1998 في خان يونس/ قطاع، وهو رئيس تحرير صحيفة اليمامة، باحث في الفكر والنقد، حاصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها/ جامعة الأزهر 2020، وماجستير في الأدب السياسي بجامعة القدس المفتوحة. من أعماله الشّعرية  “على ذمة عشتار” 2017، “غزّة/ فلسطين”،  “مقام البياض” 2023 الإمارات العربية المتحدة، “أقود الطيور من المذابح”، مختارات مقام، لندن 2024.  مقالات ويوميات: “أكتب موتي واقفاً.. هوامشُ الحرب والكتابة” عمّان/ الأردن. وللشاعر تحت الطبع والإعداد “قداسة الأنا” مقاربات في الفكر والأدب العربي. “عذوبة الشّقاء” قراءات في شعر هاني نديم. والعديد من المقالات في اللغة والأدب.

إذا كان كل شاعر يفتّش عن فكرة أو صورة شعرية حديثة لم يسبقه إليها أحد؛ ففي قطاع غزّة يختلف الحال
إذا كان كل شاعر يفتّش عن فكرة أو صورة شعرية حديثة لم يسبقه إليها أحد؛ ففي قطاع غزّة يختلف الحال

“صوت الجوع أعلى من صوت المدافع” هكذا يعبّر جواد العقاد عن الحالة الكارثية في قطاع غزّة، ويضيف “تصوّر أن تنجو من الحرب والقصف والنزوح، ثم تموت جائعاً بصمت”. ويتابع بكل وجع وجوع وألمٍ ممض “غزة تموت جائعة. لا طعام، لا خبز، لا ممر آمن للحياة. الموت يُوزَّع على الأطفال بالملاعق الفارغة. إبادة بالتجويع”.

وفي مقطوعة شعرية جميلة ومؤلمة في آنٍ معا: يكتب “أركضُ / والجهاتُ حربٌ / أطلقَ الجنودُ النارَ على خُطى قلبي نحو البحر/ وعلى طيوري التي درّبتُها على اتّساعِ الأغنيات. أركضُ/ وقد قطعَ الجنودُ طُرقاتِ الحبّ/ الإسفلتُ دمٌ/ جثثٌ في ممرّاتِ الروح/ ولا كلابَ ضالّة/ الوردُ معي/ كثيرٌ من جراحي/ والشهداءُ – جميعهم أصدقائي/ وردٌ ذَهبت رائحتُه في الجنازات/ كثيرٌ بعدد الشهداء/ قليلٌ كالأملِ في مدينةِ الرُعب/ أركضُ/ ولا أصل إليك/ ولا إلى ذاتي/ ولا إلى المدينة المدمّاة فوق رماد الهزيمة/ لا طاقة لي/ أنا جائعٌ وليس في حقيبتي خبزٌ يابس/ ولا سجائر مهرّبة تخدّر تعبي.

فالشاعر جائع ومتعب وخائف، حاله كحال شعبه المسالم الذي تفترسه ذئاب الصهيونية في بث مباشر؛ والعالم بأسره يتابع ويختلف على انتقاء المصطلحات المناسبة، وتشتعل السجالات بين “قد” يتعرّض مليونا إنسان في غزّة للتجويع بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر، أو “يتعرّض مليونا إنسان في غزّة للتجويع بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر”. تدور هذه النقاشات التافهة، بعدما أسفرت سياسة التجويع التي ترتكبها إسرائيل في القطاع عن استشهاد 86 فلسطينيا منهم 76 طفلا بريئا وفي هذي الأيام اليائسة البائسة يموت يوميا ما يقارب 20 فلسطينيا بسبب الجوع.

ومنذ 2 مارس 2025، تُغلق إسرائيل جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع. وعليهِ فإن تجويع الشعب الفلسطيني الكسير الأسير هو أداة قتل صهيونية أخرى، حالها كحال الدبابات والطائرات والمدافع والقناصة والألغام والمجنزرات والمفخخات والطائرات بلا طيار…إلخ.

تُظهر كتابات العقاد مقدرةً إبداعية وحيوية في تجسيد المعاناة والتعب في القصيدة، فهي كضمادة يضعها الغزّي على جراحه، وكمعقم يحرق الجراثيم في القروح ويشفيها، لها أنين ظاهر ومخدّر خفي. ومما لا ريب فيه، سيدوّن تاريخ الأدب العربي وبالأخص الغزّي هذه التجربة القاسية عن شاعر شاب عاش أهوال حرب الإبادة من الرصاصة الأولى وخطّ القصائد في الخيمة، فلا يجب أن تبقى هذه الكتابات التي تقصم القلب وتدمي الفؤاد وتدمع عين القارئ أسيرة الثقافة العربية، بل يجب ترجمتها لأهم اللغات العالمية ليعرف العالم بكلّيته ما عانى وقاسى الشعب الفلسطيني المُسالم التوّاق للحرية بعد السابع من أكتوبر.

مسؤولية تاريخية

الإنسان في غزة لم يَعد يطلب الحرية، بل النجاة (لوحة للفنان احمد مهنا)
الإنسان في غزة لم يَعد يطلب الحرية، بل النجاة (لوحة للفنان احمد مهنا)

لجواد نشاطه الثقافي المعروف الممتد إلى خارج فلسطين، ولهذا حصل على الإقامة الذهبية من وزارة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما عمل كمستشار ثقافي لمؤسسة هوب الهولندية ضمن مشروعها لترجمة الأدب الفلسطيني للعام 2023. ومقرر لهيئة الشباب والتنمية في المعهد العالمي للتجديد العربي وعضو هيئة تحرير مجلة التجديد العربي التابعة للمعهد، منسق هيئة الشباب في المجلة. كما أنه عضو في الاتحاد الدولي للغة العربية – بيروت. وعضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين منذ عام 2018.

حصد جواد العقاد جائزة عبدالكريم الكرمي للشعر من ملتقى أدباء فلسطين عام 2017. وجائزة حسن الأسمر من ملتقى شواطئ الأدب في غزة في ذات العام. كما تم تكريمه من كلية الآداب في جامعة الأزهر عام 2018، ومن وزارة الثقافة واتحاد الكتاب في يوم الثقافة الوطنية عام 2019، كما تمّ تكريمه والاحتفاء بشعره من اتحاد الكتاب وجمعية الفكر الحر في اليوم العالمي للشعر في ذات العام.

ويكتب الشاعر المقالات السياسية بشكل دوري، ومن يتابع مقالاته يعلم أنّه كاتب سياسي واضح وصريح، ولا يبحث عن مواقف رمادية. فهو يحب فلسطين التي تنزف لا تلك التي في المؤتمرات. يحبها كما هي: جريحة، منفية، محاصَرة، مصلوبة على شاشات العالم. ويقف مع كل من ناصرها بصدق، لا من تاجر بها، أو جعلها سُلّماً لمجد شخصي أو فئوي.

بين سيف القصف ونطع الجوع؛ يكتب الشاعر جواد العقاد رسالته إلى العالم كوصيّة للشعب الفلسطيني
بين سيف القصف ونطع الجوع؛ يكتب الشاعر جواد العقاد رسالته إلى العالم كوصيّة للشعب الفلسطيني

بالنسبة إلى العقاد، فإن أكتوبر كان كارثة ولحظة سقوط لكل الأقنعة في آن معا. لحظة الحقيقة العارية، حيث ارتفع صوت الدم فوق كل الشعارات، وانكشفت الأكاذيب التي عاش هو وأهله في قطاع غزّة تحتها طويلاً. رأى شعبه يُباد تحت صمت العالم وتخاذل الداخل. رأى غزة تُحرق، وأطفالها يتساقطون جوعاً، بينما يُدار المشهد السياسي من فوق الركام دون خجل. في هذه اللحظة، لا يجوز أن يكون الحديث عن فلسطين مؤجَّلاً أو مؤطَّراً بشروط المصالح. فالقضية اليوم ليست فقط العدوان، بل الانقسام الذي طال أمده حتى صار شريكاً في الجريمة. وما من خلاص للشعب الفلسطيني إلا بترميم المشروع الوطني الفلسطيني على أساس الوحدة، لا الوهم، على أساس النضال الوطني.

وفي ذات السياق، يعتبر العقاد منظمة التحرير الفلسطينية، رغم ما أصابها من ترهّل، الإطار الجامع والشرعي الوحيد. ومن يُقصيها أو يُشوّهها إنما يُقصي فلسطين ذاتها. ويتوجب على الفلسطينيين أن يُعيدوا بناءها من داخلها، لا أن يغادروها بحثاً عن كيانات بديلة لا تؤمن سوى بالتجزئة والتبعية. “فالوطنية ليست موقفاً عاطفياً، بقدر ما هي مسؤولية تاريخية” يقول العقاد. واليوم نحن أمام لحظة مفصلية: “إما أن نرتقي إلى مستوى تضحيات غزة، أو نستمر في وهم ‘الشرعيات’ المتعددة حتى نضيّع كل فلسطين… وحدة القوى الوطنية، تحت برنامج تحرري واضح، هي الخطوة الأولى نحو الخلاص من هذا العبث. فلا تحرير مع الانقسام، ولا كرامة في ظل استبداد المصالح”.

وفي تعبير جميل يقول العقاد “غزة بوصلة الوطن، ومرآتنا الأخيرة. من ينظر في عيون الأطفال الجوعى ويظل يتحدث عن ‘التمكين‘ و‘الشرعية‘، لا يختلف كثيراً عن الذي أطلق النار أو قطع الإمدادات. الصمت جريمة، والتبرير خيانة، أما الوحدة فهي الجواب الوحيد، مهما تأخرنا في نطقه. فلسطين تريد فعلاً وطنيّاً يعيد الكلمة إلى موقعها المقاوم، والدم إلى مكانه في المعركة، والإنسان الفلسطيني إلى قلب القرار”.

وصية فلسطينيي غزة

فوضى خلاّقة
فوضى خلاّقة

بين سيف القصف ونطع الجوع؛ يكتب الشاعر جواد العقاد رسالته إلى العالم كوصيّة للشعب الفلسطيني الذي يحيط به الموت من كل جانب، فغزّة أضحت أرضا مسوّرة بالموت، يأتيها الردى من بين يديها ومن خلفها ومن جنوبها وشمالها وشرقها وغربها ومن الطائرات فوق السحاب ومن الألغام البريّة والبحرية تحت التراب وتحت الماء. وبدوري أشعر بالعجز أمام الكتابات الصادرة عن الشعراء والشاعرات في قطاع غزّة، فلا أجد أني أفلح بأن آتي بأي جديد في حضرة سطورهم الدامية ودموع حروفهم الحامية.

القصيدة الجيدة بالنسبة إلى الشاعر الغزّي لا تُقاس بالمقاطع ولا القوافي، بل بما تتركه في القارئ من أثر، بما تحدثه في الوعي من خلخلة، بما تفتحه من أسئلة
القصيدة الجيدة بالنسبة إلى الشاعر الغزّي لا تُقاس بالمقاطع ولا القوافي، بل بما تتركه في القارئ من أثر، بما تحدثه في الوعي من خلخلة، بما تفتحه من أسئلة

جواد العقاد الكاتب الشاب الطموح الجموح والوسيم، يوجّه سهام الغضب والعتب إلى العالم الخارجي لصمته الواضح والفاضح، حتى أن المناضلين صاروا يحلمون بالرحيل بعدما أجبرتهم الظروف اللاإنسانية على تغيير أفكارهم. يصرخ جواد بملء حنجرته وبملء الوجع وبملء التّعب وبملء السّغب: “من غزّة، من بركان الموت، من قلب الخيام التي أصبحت أوطاناً من قماش ممزّق… أكتب إليكم، لا لأروي تفاصيل مأساة، بل لأصرخ في وجوهكم: افعلوا شيئا. هذه مقبرة مفتوحة على مدى الزمان والمكان، أكثر من عام ونصف ونحن نحترق على مهل، نخسر أبناءنا وأحلامنا وذاكرتنا، والدم لا يزال ساخناً مستمراً يسقي تراباً اختنق من كثرة الشهداء. التهجير واقع يومي، زحف صامت يلتهم المدينة حجراً حجراً، وروحاً روحاً. “

ويتابع “المفارقة القاتلة أن كثيرين منّا، حتى من ناضلوا بالكلمة والفكرة، صاروا يحلمون بالرحيل… بالهرب من وطن لا يترك لك إلا الموت. لم نعد نبحث عن دولة أو راية أو حتى حلم… نحن نبحث عن رغيف خبز، فقط رغيف واحد لا يُغمَّس بدم طفل، لا يُنتزع من بين أصابع شهيد. قضيتنا لم تعد سياسية، إنها فضيحة أخلاقية للعالم كله.”

ويواصل “الإنسان في غزة لم يَعد يطلب الحرية، بل فقط أن ينجو، أن يبقى حياً ليومٍ آخر. يا عالم، غزة ليست ‘ملفاً‘ ولا ‘مفاوضات‘، غزة جمرة مشتعلة في قشّ هذا الشرق البارد الجبان. غزة لعنة على كل الصامتين. إلى من يملكون القرار والصوت والمنبر: لا تتحدثوا إلينا عن السلام وأنتم تُغذُّون الوحش. لا تخبرونا عن الإنسانية وأنتم تدفنونها في رمال رفح، وخان يونس، وبيت حانون… لا تنصحونا بالصبر، فقد تجاوزنا حدود الاحتمال. افعلوا شيئاً، افتحوا ممرا آمناً للأطفال، أوقفوا الموت، أعيدوا للناس كرامتهم، أعطونا يوماً واحداً بلا طائرات، أو حلماً واحداً لا ينفجر فوق رؤوسنا.”

ويختم رسالته “هذه الرسالة وصيّة شعب محاصر، وصيّة كاتب لم يعد يؤمن بجدوى الكتابة، وصيّة وطن يُغتال على الهواء مباشرة… وأنتم تشاهدون”.

12