أسباب استمرار هزائم إيران وتكاثرها

الأخطاء التي يرتكبها الحوثي يرتكبها حزب الله وحماس، لكن مصدر الخطأ وموزعه يظل في طهران التي لم تتعلم من هزيمتها العسكرية الأخيرة وعدم قدرتها على مجابهة إسرائيل منفردة.
الخميس 2025/09/04
نمر من ورق

عهد التمدد الميليشياوي الإيراني في الشرق الأوسط يسير إلى نهايته المحتومة، بسبب عنجهية وغطرسة القيادة الإيرانية. ورغم أن إيران دفعت فاتورة باهظة لفشل مشروعها المذهبي المتسربل بالكفاح المسلح، فقد اضطرت إلى خوض معاركها على أرضها، وهي التي كانت تدفع الآخرين لارتكاب الحماقات الكارثية بعيدًا عنها، ثم تدير ظهرها مكتفية بالتنديد في أفضل الأحوال.

المشروع الإيراني التوسعي بدأ بالظهور بشكل واضح بعد سقوط نظام البعث في العراق عام 2003، بصمت أميركي وبريطاني مريب يماثل صمتهم حين احتلت إيران الجزر الإماراتية في عهد الشاه رضا بهلوي؛ تفكك الجيش العراقي وانهار حائط الصد العربي الأول في وجه التمدد الفارسي.

حصلت إيران على العراق، وتغلغلت في مؤسساته مستفيدة من الغطاء المذهبي، وارتكبت مجازر طائفية، وأعطت الأوامر بسحب كافة الامتيازات التي حصل عليها الفلسطينيون في عهد البعث، واستهدفت مناطقهم، وبالأخص حي البلديات في بغداد.

◄ كما تبدو إيران عاجزة عن سد الثغرات الأمنية داخل نظامها، لضعفها الأمني الواضح، فإيران دولة مفككة ونظامها هش، وانكشافها العسكري والأمني يدل على أنها نمر من ورق

وبعد توسيع نفوذها الإقليمي وتأمين حديقتها الخلفية، توجهت المطامع الإيرانية نحو بلاد الشام لمد نفوذها. ولعل أسوأ ما قامت به هو دعمها لانقلاب حماس في غزة في تموز/يوليو 2006. ورغم قداسة ورمزية القضية الفلسطينية وأبعادها الدينية والثقافية لدى العرب والمسلمين، لم تمتنع إيران وحليفها الدكتاتور في دمشق عن العبث بالفلسطينيين.

ثم جاء اجتياح حزب الله لبيروت ومناطق من جبل لبنان عسكريًا في أيار/مايو 2008. وبعد انطلاق الثورة السورية من درعا عام 2011، دعمت إيران نظام الأسد عسكريًا وماليًا، وكان هذا الدعم مباشرًا عبر الجنود والخبراء الإيرانيين، الذين يُسمَّون في النقاط العسكرية “الحجي” اشتقاقًا من كلمة “حاج” لإضفاء البعد الديني والقداسة على القائد العسكري، أو دعمًا غير مباشر عبر الأفغان والعراقيين وحزب الله. وفي كل موقع عسكري سوري كان القائد من حزب الله أو من إيران، ما أثار غضب الكثير من الضباط السوريين، وكان من الأسباب الرئيسية لانشقاقهم عن الجيش العربي السوري.

ثم جاء انقلاب الحوثي في أيلول/أغسطس 2014. انتهزت إيران ضعف هذه الدول ومشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، وتغلغلت في مفاصلها بعد شق صف الوحدة الوطنية المهلهل أصلًا.

وسمّت إيران كل الميليشيات التي تدعمها بنفس وسمها، وانتقل الوباء الإيراني من مركزه في طهران إلى غزة وبيروت وصنعاء وبغداد ودمشق. وما انطبق على سكان طهران من معاناة تشمل التدهور الاقتصادي وسوء الأوضاع المعيشية، انطبق على سكان المناطق العربية المذكورة آنفًا. وينظر الشعب الإيراني بعين الحسد إلى الرفاه الذي يحظى به جيرانه في الخليج العربي، ورغم غنى إيران بالنفط والغاز والثروات الباطنية، لا ينعم شعبها بها، إذ تذهب ضحية مغامرات عبثية.

لو أمعنا النظر في علّة نظام آيات الله، لوجدنا أنها تكمن في عدم قدرة النظام على التأقلم مع مقدراته العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والمالية، أي أنه يحمّل دولته فوق ما تتحمّل. هذه السياسة الاستعلائية والمنفصلة عن الواقع تُضعف الدولة وتضر بالشعب كثيرًا.

تنسحب علّة التضخيم وتقزيم الخصم على حماس وحزب الله والحوثي. ولو قدّر لقادة حماس أن يعود بهم التاريخ إلى ما قبل السابع من أكتوبر، لما كرروا ما فعلوه. لكنهم، وللأسف، يصرّحون بتصريحات واهمة ويجرون مقارنات غير واقعية، كمقارنة القيادي طاهر النونو في لقاء تلفزيوني بين ما جرى في السابع من أكتوبر وإنزال النورماندي الذي غيّر وجه الحرب العالمية الثانية.

هذه التصريحات الفارغة تزيد الهوة بين الحركة والشارع. فشعبيتها التي تفاخرت بها مرارًا وتعتبرها رأسمالها الرابح، أضحت في الحضيض، بسبب الخطاب المتعالي وما عاناه الشعب الفلسطيني من أهوال وكوارث بعد هجوم السابع من أكتوبر.

◄ المشروع الإيراني التوسعي بدأ بالظهور بشكل واضح بعد سقوط نظام البعث في العراق عام 2003، بصمت أميركي وبريطاني مريب

حزب الله خسر قياداته التاريخية وتأثرت حاضنته سلبًا بشكل واضح، وهو يهدد اليوم السلم الأهلي لرفضه تسليم السلاح للدولة اللبنانية، إذ يرى نفسه فوق الوطن والدولة، ولا يقبل أن يكون حزبًا سياسيًا كباقي الأحزاب اللبنانية.

وفي اليمن يبدو أن الحوثي يغرق ويجر اليمنيين للغرق معه بلا أدنى شعور بالمسؤولية. الضربات الإسرائيلية المتكررة تستهدف البنية التحتية وتدمرها بالكامل، مع استهداف مباشر للقادة الحوثيين، مما ولّد شعورًا لدى البعض بأن مهمة الحوثي تكمن في تدمير اليمن وإعادته إلى العصور القديمة، وحين تستكمل هذه المهمة ينتهي دوره كما انتهت حماس وأنهت معها غزة.

الأخطاء التي يرتكبها الحوثي يرتكبها حزب الله وحماس، لكن مصدر الخطأ وموزعه يظل في طهران، التي لم تتعلم من هزيمتها العسكرية الأخيرة وعدم قدرتها على مجابهة إسرائيل منفردة. وتتكاثر الهزيمة بتدخل الولايات المتحدة على خط المواجهة، كما فعلت مؤخرًا بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وقامت بما لم تستطع إسرائيل القيام به عسكريًا.

القضية تتجاوز الانتصار العسكري على تل أبيب، وهو انتصار لم يتحقق حتى اليوم بسبب اختلال موازين القوى، بل تتطلب الانتصار عسكريًا على واشنطن، وهو حسب المعطيات بعيد المنال ومن أحلام اليقظة.

كما تبدو إيران عاجزة عن سد الثغرات الأمنية داخل نظامها، لضعفها الأمني الواضح، فإيران دولة مفككة ونظامها هش، وانكشافها العسكري والأمني يدل على أنها نمر من ورق، والضربات القادمة ربما تطال قيادات سياسية، وخامنئي من ضمنها.

العنجهية الإيرانية دفعت الأوروبيين لتفعيل نظام العقوبات المعروف بـ”سناب باك”. العقوبات هي الطريقة الأمثل للتعامل مع الإيرانيين من وجهة النظر الأوروبية؛ حيث قال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول إن آلية فرض العقوبات على إيران خيار وارد دائمًا. وهناك حديث عن احتمال القيام بضربة عسكرية ضد طهران، أي عود على بدء، وبالتالي سنشهد هزيمة إيرانية مرتقبة.

9