محمد مفتاح فنان متعدد فتح آفاق العالمية أمام الممثلين المغاربة

فنان مغربي يُعتبر من أبرز الممثلين المغاربة الذين راكموا تجربة طويلة وممتدة بين المسرح والسينما والتلفزيون.
الأحد 2025/09/14
نجم الدراما التاريخية العربية

بدأ الفنان المغربي المتعدد محمد مفتاح شغفه بالفن منذ أيام المدرسة الابتدائية، حينما التحق بالمدرسة التي كانت تقدم مناهج متنوعة من مصر ولبنان، وقرأ كتبًا عربية غنية بالمعرفة والثقافة، وهذا زرع في نفسه حب اللغة العربية والتلاوة، وأثرى قدراته التعبيرية منذ الصغر.

واستفاد من المسرح المدرسي ودار الشباب في حي المحمدية، وشارك في فرق تمثيل غير احترافية مثل فرقة “الموهوبين” التي أسسها الطيب الصديقي، اكتسب فيها أولى خبراته في التمثيل بشكل ارتجالي، متأثرًا بالسينما المصرية وأعمال عمالقة مثل يوسف شاهين وصلاح أبوسيف.

بداية المسيرة

توسعت اهتمامات محمد مفتاح الفنية لاحقًا لتشمل المسرح البلدي في الدار البيضاء، وشارك في مسرحيات أكثر تنظيمًا واحترافية، كما تعرف على جمعيات ثقافية تضم كتابًا وشعراء، ساعدوه على صقل موهبته وتطوير شخصيته الفنية، بينما تأثر بالأعمال التاريخية والدرامية منذ بداياته، إذ أتاح له الاهتمام باللغة العربية والقراءة المكثفة أن يتقن أداء الأدوار المعقدة، خصوصًا في الأعمال التي تطلبت معرفة بالثقافة العربية والتاريخية، وهذا جعله من أبرز الفنانين المغاربة في السينما والتلفزيون العربي.

~ الاهتمام باللغة العربية والقراءة المكثفة أتاح له إتقان أداء الأدوار المعقدة، خصوصًا في الأعمال التاريخية العربية

وتقدم مفتاح للمشاركة في مسابقة نظمتها إدارة المسرح البلدي بالدار البيضاء لاختيار ممثلين شباب، ونجح مع زميلين آخرين من حي المحمدية، ليبدأ العمل المسرحي بشكل رسمي ويضع أولى خطواته في عالم الفن. وركز نشاطه في البداية على المسرح، إذ كان المسرح يمثل الأهمية الكبرى بالنسبة للممثل قبل ظهور التلفزيون المباشر في المغرب، حينها شارك في مسرحيات مباشرة مثل “التضحية” الذي كان يقدم أسبوعيًا دون تسجيل مسبق.

بدأ العمل السينمائي المغربي في الستينات بشكل غير احترافي، عندما كان إنتاج الأفلام محدودًا جدًا، وكان الفيلم الأول الطويل الذي شارك فيه محمد مفتاح هو “الحياة كفاح” عام 1968، ثم تتابعت مشاركاته مع مخرجين مغاربة في أفلام قصيرة، قبل أن ينتقل إلى العمل الاحترافي الكامل في السينما.

 وشارك في أوائل السبعينات في إنتاجات مغربية وأجنبية، منها أفلام إيطالية وفرنسية تم تصوير بعضها في المغرب وتونس، ومن بين هذه الأعمال دوره الرئيسي في الفيلم الإيطالي “Artiaco Doi“، الذي صور في إيطاليا وحاز على جائزة أفضل ممثل أجنبي في مهرجان فينيسيا.

ورافق محمد مفتاح الفنانين عبدالله غيث وحمدي غيث في لقاءات مع المخرج السوري مصطفى العقاد أثناء مهرجان المسرح العربي في الرباط، عندما لعب دور المرافق لهم مع الوفد المصري، وهذا أتاح له التعرف على كبار الفنانين والفرق المسرحية العربية المرموقة.

وتعامل مع العقاد خلال ذلك المهرجان بتواضع واحترافية، وحرص على متابعة الفرق الوطنية المصرية والفرق المسرحية الأخرى، وساعده ذلك على فهم أبعاد العمل الفني الكبير وكيفية تنظيم الفرق المسرحية والتعامل مع الإنتاج الضخم.

استفاد مفتاح من هذه التجربة المبكرة لتطوير شخصيته المهنية والفنية، وتوسيع آفاقه نحو الأعمال السينمائية والتلفزيونية الكبرى، ليمهد له الطريق لاحقًا للمشاركة في أعمال تاريخية ودرامية بارزة على المستوى العربي.

وقام محمد مفتاح، بمرافقة عبدالله وحمدي غيث لمقابلة المخرج مصطفى العقاد، عندما كان لكل منهما دور محدد في الفيلم؛ عبدالله غيث لدور حمزة، وحمدي غيث لدور أبي سفيان، بينما حصل محمد مفتاح على الدور الأول لشخصية سهيب الرومي، الحارس والمدرب للخيول والجمال. وتفاعل مع العقاد بصورة مباشرة، وقرأ النص أمامه ليتأكد من قدرته على الأداء باللغة العربية الفصحى، فأُعجب بعربيته الرشيقة ورقّته، وتم تعيينه رسميًا للعمل في الفيلم، ليكون هذا الدور نقطة تحول في مسيرته السينمائية.

وصور أول مشهد له في سوق بمدينة مراكش، حيث كان دوره مقتصرًا على مرحلة كونه عبدًا قبل أن يشارك في النشاط الدعوي الذي يؤديه مع الدعوة الإسلامية، رغم أن بعض المشاهد لم تُستكمل بسبب قيود السفر بين المغرب وليبيا في ذلك الوقت. وتعرف من خلال العمل على عدد كبير من الفنانين العرب البارزين، خصوصًا المصريين والسوريين، وهذا أتاح له الاطلاع على أساليب المسرح الحديث والتقنيات الفنية المتقدمة في الإنتاج المسرحي والسينمائي.

تجربة فنية

يعود تاريخ المسرح المغربي حسب محمد مفتاح إلى عام 1907 مع تأسيس مسرح سيرفانتس في طنجة، لكن الإنتاج ظل محدودًا حتى وصول الفرق المشرقية من مصر في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لتتأسس أول فرقة مسرحية مغربية لاحقًا في فاس، بينما بدأ الإنتاج السينمائي المغربي منتصف الأربعينيات مع تأسيس المركز السينمائي المغربي.

وظل الإنتاج السينمائي محدودًا بسبب الميزانية المتواضعة، ولم يحقق المغرب إنتاجًا كبيرًا إلا بعد الاستقلال، حينما اقتصرت الأعمال على الأفلام الوثائقية والمجلات السينمائية، وظلت المسرحيات والأفلام المحلية معزولة عن جمهور العالم العربي، وهذا أدى إلى صعوبة انتشارها خارج الحدود المغربية، في حين كسر عدد من الفنانين المغاربة هذا الحاجز عبر مشاركتهم في أعمال عربية مشتركة، وأصبح محمد مفتاح من أبرزهم، إذ برز في أعمال مشتركة مع المشرق العربي، ليكسبه شهرة واسعة وساهم في تعريف الجمهور العربي بالممثل المغربي.

وأوضح مفتاح أن العائق الرئيسي أمام وصول السينما المغربية للشرق العربي لم يكن اللهجة فقط، وإنما الإنتاج نفسه، إذ إن معظم الأفلام كانت ممولة من الدولة ولا يسمح لها بالتسويق خارج المغرب، ولم يكن هناك منتجون مستقلون لديهم القدرة على تمويل أعمال سينمائية ذات طموح عالمي، إذ شهد المغرب تحسنًا في الإنتاج السينمائي مع زيادة الدعم من الدولة، عندما انتقل من إنتاج فيلم واحد كل خمس سنوات إلى إنتاج أكثر من 20 فيلمًا سنويًا، ليفتح المجال لمهرجانات وطنية وعالمية ويعزز من الحرية الإبداعية للمخرجين والممثلين المغاربة، بما في ذلك محمد مفتاح، الذي أصبح رمزًا للسينما المغربية المتمكنة.

~اهتمامات محمد مفتاح الفنية توسعت لاحقًا لتشمل المسرح البلدي في الدار البيضاء، وشارك في مسرحيات أكثر تنظيمًا واحترافية

ورصد مفتاح النهضة الدرامية التي قادها حاتم علي، مؤكدًا أن كتابته للمشهد كانت مرئية وليست حرفية كما يفعل البعض، وهو ما منح الممثل حرية أكبر في الأداء والتعبير عن الشخصية.

وأوضح الفنان المغربي أن وفاة حاتم علي أدت إلى تراجع هذه النهضة الدرامية، رغم وجود مخرجين آخرين يجتهدون، لكن لم تصل أعمالهم لما كانت عليه خلال فترة النشاط الفني لحاتم علي، خاصة في الدراما التاريخية مثل “الفصول الأربعة”، التي لمست حنين المتفرج العربي للأندلس المفقودة.

وأكد مفتاح أن الدراما السورية كانت دائمًا نموذجًا للجودة في الكتابة والإخراج والتشخيص والإنتاج، وأن ما تلاها من دراما خليجية ومصرية جاء متنوعًا لكنه لم يصل إلى نفس المستوى في العمق الفني والأدبي، كما شارك في أعمال مع مخرجين مصريين شباب، مثل رامي إمام، ابن عادل إمام، مؤكدًا أن هؤلاء المخرجين يمتلكون رؤية متميزة وتقنيات حديثة، ويشكلون جيلًا متجددًا قادرًا على تطوير الدراما المصرية.

وجسد أهم دور في مسيرته الفنية عبر شخصية عبدالرحمن الداخل في مسلسل بدر بدر، حيث تعاون مع الدكتور وليد سيف لإعداد الدور، متابعًا حركاته وطريقته في التعبير، وهذا جعله يقدم أداءً استثنائيًا يبرز الضبط النفسي والسياسي للشخصية.

وأدى محمد مفتاح الدور بمهارة فائقة، مجسّدًا تقلبات الشخصية بين الحزن والسخرية من السلطة والمال، وهو دور جمع بين الطابع الدرامي التاريخي والبعد الإنساني القوي، ليترك أثرًا كبيرًا لدى المشاهد العربي.

وتعرض خلال التصوير لبعض الخلافات على المشهد الأخير بين حاتم علي وجمال سليمان، لكنه حافظ على تركيزه وأدائه، مؤكدًا أن التحديات الفنية جزء من العمل الدرامي وتزيد من قيمة الإنجاز النهائي، وأكد أن مسيرته الطويلة والمتنوعة في الدراما التاريخية والسينمائية تركت بصمة كبيرة على المسرح والدراما العربية، وأن تجربته مع كبار المخرجين السوريين والمصريين شكلت مرحلة أساسية في صقل موهبته الفنية وإبراز قدراته على المستوى العربي.

المسرح والسينما والدراما

◄ مسيرته الطويلة تركت بصمة على المسرح والدراما العربيين
مسيرته الطويلة تركت بصمة على المسرح والدراما العربيين

ولد الفنان المغربي محمد مفتاح في حي المحمدية العريق بمدينة الدار البيضاء، في أسرة فقيرة عرفت بالبساطة والتقوى، بينما فقد والدته وهو طفل في الخامسة من عمره، عندما قتلت برصاص الفرنسيين خلال مظاهرة كانت تطالب بعودة الملك المنفي محمد الخامس، وحفظ في ذاكرته كل لحظة من تلك الواقعة التي شكلت نقطة تحول في حياته المبكرة، وبدأ مسيرته الفنية في الستينيات عبر فرقة “الموهوبين” التي أسسها المخرج المغربي الطيب الصديقي، ومن خلال المسرح المدرسي ومسارح المدينة، وهذا غرس فيه أساسيات الفن المتنوع والرصين، المرتبط بالالتزام والإيمان برقي الفن ورسالة الفن العظمى.

وانطلقت مسيرته السينمائية في السبعينيات من خلال أعمال مغربية وإيطالية وفرنسية وإنجليزية، وتلقى فرصة أولى عبر دور صغير لصهيب الرومي في فيلم “الرسالة”، وهذا أعطاه بعدًا واسعًا وانتقل به من المحلية إلى العالمية، بينما اكتشف المخرج الراحل حاتم علي موهبة محمد مفتاح مجددًا من خلال مسلسل “الفصول الأربعة”، ومن ثم في سلسلة الأعمال التاريخية والدرامية مثل “صقر قريش” و”صلاح الدين الأيوبي” وثلاثية الأندلس، ليترك بصمة واضحة في عالم التلفزيون والسينما العربية.

~ شارك في أوائل السبعينات في إنتاجات مغربية وأجنبية، منها أفلام إيطالية وفرنسية تم تصوير بعضها في المغرب وتونس

وتعلم محمد مفتاح في صغره القرآن والعلوم الدينية على يد والده الفقيه وفقيه آخر في دور الكُتاب، ليتعلم الانضباط الروحي والأخلاقي، وعلمه الوضوء والصلاة وكيفية أداء الطقوس الدينية منذ الطفولة، حينما عاش لحظات مأساوية في طفولته، حينما حملته والدته معها في المظاهرة الشعبية التي تعرضت فيها لإطلاق النار، فاستشهدت أمام عينيه، لكنه نجا وهو صغير، وما زالت تلك الحادثة مطبوعة في ذاكرته، مؤثرة على شخصيته ورؤيته للحياة والفن.

 يُعتبر محمد مفتاح من أبرز الممثلين المغاربة الذين راكموا تجربة طويلة وممتدة بين المسرح والسينما والتلفزيون. بدأ مسيرته من الخشبة مقدماً أعمالاً لافتة مثل “مومو بوخرصة” و”المغرب واحد” سنة 1965، ثم “ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب” و”مدينة النحاس” سنة 1966، قبل أن يعزز حضوره المسرحي بعمل “مقامات بديع الزمان الهمذاني” سنة 1972، ليؤكد مكانته كأحد أعمدة المسرح المغربي.

انطلق في السينما بفيلم “الشيء المستحيل” (1973)، وشارك في الفيلم العالمي “الرسالة” (1976)، لتتوالى أعماله البارزة في “القنفوذي” (1978)، “بامو” (1982)، “طبول النار” (1990)، “مكتوب” (1997)، و”جارات أبي موسى” (2002). وأثبت من خلال هذه الأدوار قدرة كبيرة على التلون الفني والانفتاح على تجارب محلية ودولية متجددة.

برز في التلفزيون عبر مسلسلات مغربية وعربية رسخت اسمه لدى جمهور واسع، حيث شارك في “بوعزة الحكيم” (1988)، “بيت المغتني” (1995)، و”عيش نهار تسمع خبار” (1998). وأبدع في أدواره التاريخية بالدراما العربية مثل “صلاح الدين الأيوبي” (2001) بدور أسد الدين شيركوه، “صقر قريش” (2002) بدور الخادم بدر، “ربيع قرطبة” (2003) بدور إبراهيم الحداد، و”ملوك الطوائف” (2005) بدور أبي بكر بن عمار. وواصل حضوره المتميز في “عنترة بن شداد” (2007)، “صراع على الرمال” (2008)، و”عمر” (2012) مجسداً شخصية حمزة بن عبد المطلب، فضلاً عن أعمال مغربية مثل “دار الضمانة” (2016).

◄ فنان انطلق من المحلية إلى العالمية
فنان انطلق من المحلية إلى العالمية

 

8