ليبيا تبدأ في إشهار مستندات السنوسية بـ1750 وثيقة تاريخية

رئيس مجلس إدارة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية يؤكد أن الليبيين لن يستطيعوا وضع إستراتيجيتهم المستقبلية الجامعة دون معرفة أحداث ماضيهم الذي لم يقوموا بتوثيقه.
الجمعة 2025/10/24
البروفيسور الطاهر الجراري: الأرشيف يصنع هوية ليبية جامعة لنا جميعا

شهد المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بطرابلس، الاثنين الماضي، حفل إشهار وثائق السنوسية، من خلال كشف النقاب عن نحو 1750 وثيقة أصلية تُنشر لأول مرة، وذلك بمشاركة عدد من المؤسسات العلمية والبحثية، وهي جامعة محمد بن علي السنوسي، ومركز إيقاظ للدراسات السنوسية، ومركز البحوث والدراسات الإسلامية – البيضاء، وجامعة فزان، وبحضور نخبة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الليبية، والمثقفين والباحثين والمهتمين بالتراث الوطني، وكان من أبرز الحاضرين الشيخ راشد الزبير السنوسي، حفيد المجاهد والزعيم الوطني أحمد الشريف السنوسي.

وفي كلمة بالمناسبة التي أقيمت بقاعة المجاهد، أشاد البروفيسور الطاهر الجراري رئيس مجلس إدارة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بحالة التوافق الوطني، مشيرا إلى أنه لا خير في قوم يملأ قلوبهم الحقد، والحسد وتشحنهم العداوة والبغضاء. وأضاف «نحن في المركز اعتمدنا المأسسة، لا الشخصنة، أي أن المركز مؤسسة لخدمة ليبيا، لا نظامها فقط، ولا حكومتها فقط، ولكن كل ليبيا، وهذا ما أعطانا شرعية البقاء حتى الآن.”

◄ الخطوة تعد الأولى على طريق الاعتراف بأهمية السنوسية كتجربة روحية وثقافية واجتماعية وسياسية كان ولا يزال لها أثرها البالغ في حياة المجتمع الليبي

وتابع الجراري «هذا لأننا نؤمن بأن البقاء لليبيا التراث والتاريخ لا لزوائل السلطة. ونقول لمن لا يعرف ليبيا بأنها قد تنقلب رأسا على عقب في ليلة واحدة كما حدث ويحدث، لكنها لن تنقلب على رواسيها المثبتة من مئات السنين، المضمخة والمحصنة بالتراث، والتاريخ الذي يجب العمل على جمعه وحفظه وإتاحته للدراسة لفائدة المستقبل.”

وأكد «نحن حتى الآن لا نعرف ما هو أفضل نظام لليبيا، ونحن في الواقع والحقيقة لا زلنا أجنة في بطون التاريخ،  لأننا لم نجمع تراثنا ونغربله ونضع إستراتيجيتنا المستقبلية على أساس التاريخ والتراث المفترض جمعه في الأرشيف الذي يعد المرجعية الثابتة التي يقيس المجتمع عليها ما يعترضه من مواضيع ومشاكل، وهو البديل لأهل الحل والعقد عندما كان المجتمع الليبي قرى وقبائل ومجاميع متباعدة.” مردفا بالقول إن «ليبيا مجموعة هويات قبلية، لا يمكن التغلب عليها، إلا بجمعها في مكان واحد، وهو الأرشيف الذي نستطيع عن طريق دراسته وغربلته، صناعة هوية ليبية جامعة لنا جميعاً.”

وأوضح الجراري أنه يستغرب كيف يتكلم البعض عن مستقبل ليبيا وهي لا تملك مخزنا أي أرشيفا يعود إليه الباحث والصحافي والمؤرخ والسياسي والإستراتيجي لوضع خارطة للمستقبل. مشددا على أن الأرشيف هو الذاكرة التي يتغذى عليها ويعيش بها الإنسان السوي، إذ أن من لا ذاكرة له هو إنسان بلا جذور، وويل لمن لا جذور له لأنه كالشجرة المقتلعة لا تنبث ورقا ولا ثمرا.

وأبرز الجراري أن «الهويات المختلفة بداخلها ثوابت دينية وثقافية واجتماعية تجمعنا جميعاً. وهي كاللؤلؤة داخل المحار، فيها جماع هوياتنا المرتبطة بخيط الدين والتراث، ومن مصلحتنا الأولى جمع هذه الهويات المختلفة داخل مؤسسة الأرشيف ودراستها لاستخراج الثوابت منها وحذف الزائد والمتغير،” وأوضح «لا أعرف ولا أتصور كيف يمكن لقائل أن يتحدث عن مستقبل ليبيا وهو لا يعرف ماضيها بدقه وحرفية وإمعان طويل للنظر في السيرة الماضوية لهذه البلاد. وهذا ما تقوم به مراكز البحوث التي منها تستقى الدولة العميقة في المجتمعات الأخرى المعطيات وتصرف جهدها لوضع إستراتيجيات المستقبل على أساسه،” مردفا « لهذا نقول الأرشيف، المهمل عندنا الآن، هو الذي يعرَّف الباحث على معالم الحياة الجامعة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الماضية لتحديد رؤية المستقبل .”

◄ الأرشيف ماض يؤسس للمستقبل

وشدد البروفيسور الجراري على أن الليبيين لن يستطيعوا وضع إستراتيجيتهم المستقبلية الجامعة دون معرفة أحداث ماضيهم الذي لم يقوموا حتى الآن بتوثيقه وإتاحته كما فعلت مصر وتونس وغيرهما من الدول، محذرا «نحن لا يجب أن نكتفي بلعن بعضنا دون دراسة واعية وموضوعية من مصدر محايد أي الأرشيف الذي يجمع تراث الجميع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لفرز الغث من السمين بما يجعلنا نحكم على بعضنا أحكاماً موضوعية هدفها ليس تجريم بعضنا بعضا، وإنما خدمة ليبيا وكينونتها الواحدة الصحيحة، فلقد طال بنا السباب والشقاق واللعان ولم نصل إلى مطلبنا الرئيسي وهو وحدة بلادنا ووضع قواعد متينة نبنى عليها مستقبلاً لأبنائنا في بلد متآلف مشرئب لصناعة الغد الأفضل لا الأكثر تمزقا وفرقه.”

تداول على المنبر يوسف عبدالهادي مدير مكتبة إدريس الأول بدرنة، ومفتاح ميلود بنّان ممثل جامعة محمد بن علي السنوسي، اللذين أكدا على الدور الريادي للمركز في حفظ وصون التراث والوثائق الوطنية الليبية، وعلى أهمية التعاون بين المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث في هذا المجال.

كما تضمّن الحفل عرضا توثيقيًا مصورا وشرحًا وافيًا حول قسم الوثائق بالمركز، ومعلومات تفصيلية عن وثائق السنوسية المعروضة، إلى جانب عرض بصري لعدد كبير من الحوافظ التي تضم هذه الوثائق الأصلية تناول ماهية هذه الوثائق وقيمتها التاريخية، قدّمه إبراهيم الشريف، ونصرالدين الجراري.

وتم تتويج الحفل بافتتاح معرضٍ للوثائق شارك فيه مركز إيقاظ للدراسات السنوسية، وجامعة محمد بن علي السنوسي، ومركز البحوث والدراسات الإسلامية – البيضاء، بتقديم وثائق مصوّرة عن الأصول، فيما تميّز المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بعرض وثائق أصلية نادرة.

وفي ختام الحفل، تم الاتفاق على عقد مؤتمر علمي العام القادم في مثل هذا الموعد، مخصص لدراسة وثائق السنوسية، ويُفتح المجال فيه أمام الباحثين للمشاركة، ونشر مجموعة من الكتب التوثيقية تضم هذه الوثائق، من إعداد المركز، وإتاحة الأرشيف الرقمي الكامل للوثائق بعد شهر ونصف الشهر من تاريخ اليوم، ليكون متاحًا أمام الباحثين والمهتمين بالاطلاع والدراسة.

وبحسب مراقبين، فإن هذه الخطوة تعد الأولى على طريق الاعتراف بأهمية السنوسية كتجربة روحية وثقافية واجتماعية وسياسية كان ولا يزال لها أثرها البالغ في حياة المجتمع الليبي والمنطقة ككل، وبضرورة توجيه إرادة الباحثين لإعطائها ما تستحق من بحث وتمحيص وقراءة وتحليل وجمع وتوثيق على أسس علمية متطورة، وبنظرة وطنية شاملة تعترف بعطاءات السابقين وتسلط عليها الضوء بما يخدم الأجيال القادمة ويساعد الأجيال الحالية على استنباط الحلول الملائمة للقضايا والملفات السياسية والاجتماعية والثقافية المعقدة والشائكة.

3