أي خارطة طريق لإنهاء النفوذ المسلح غير الشرعي في لبنان

رغم استعداد لبنان لاتخاذ خطوات شجاعة، إلا أن تنفيذ عملية نزع السلاح لم يتجاوز ما هو موافق عليه طواعية من قبل الحزب.
الاثنين 2025/10/27
لحظة لبنان لم تُفقد بعد

بيروت- يمثل تحقيق لبنان ذي سيادة بعد تراجع حزب الله وانهيار نظام بشار الأسد في سوريا فرصة فريدة من نوعها. ومع ذلك، فإن مستقبل لبنان مرتبط بقدرته على معالجة جوهر خلله: استعادة احتكار الدولة للقوة وسلطتها الحصرية لتحديد مسألة الحرب والسلام.

وساهم ظهور قيادة وحكومة جديدة ملتزمة باستعادة سلطة الدولة في إعادة تأهيل شرعيتها داخلياً وخارجياً، لكن مستقبل لبنان يبقى هشا.

ويقول الباحث فادي نيكولاس نصّار في تقرير نشره معهد واشنطن إن أحد العقبات الرئيسية هو حزب الله، الذي خرج من مواجهته المسلحة مع إسرائيل لمدة عام تقريبا متضررا لكنه لم يُهزم بالكامل.

وبالرغم من تراجع ترسانته العسكرية وفقدان قيادته العسكرية المؤسسة وقطع خطوط إمداده البرية عبر سوريا، يرفض حزب الله التخلي عن أي من أسلحته المنتشرة أو المخزنة شمال نهر الليطاني.ويأتي التحدي الثاني من إسرائيل، التي تواصل السيطرة على سلّم التصعيد وتستمر في ضربات عسكرية ضد حزب الله، بينما لا تزال تحتل خمسة تلال في لبنان.

يمكن لواشنطن تحديد نقطة انطلاق جديدة، من خلال عملية منسقة للجيش اللبناني لاستهداف مستودع أسلحة رئيسي لحزب الله خارج نطاق المنطقة التقليدية جنوب الليطاني

وعلى الرغم من استعداد الدولة اللبنانية لاتخاذ خطوات شجاعة لمواجهة شرعية أسلحة حزب الله، إلا أن تنفيذ عملية نزع السلاح لم يتجاوز ما هو موافق عليه طواعية من قبل الحزب.

وهذا الوضع غير المستقر نفد صبره وزمنه. فقد اقتصر استعداد حزب الله للتفكيك على مناطقه بين نهر الليطاني والخط الأزرق، مكرراً استراتيجيته بعد حرب 2006 المتمثلة في امتصاص الخسائر الجزئية، مع الاحتفاظ بالوقت لإعادة التنظيم وتقويض الثقة المحلية والدولية بالدولة اللبنانية.

ومع ذلك، لم يأخذ هذا السيناريو في الاعتبار العقيدة الأمنية الإسرائيلية الجديدة بعد 7 أكتوبر 2023. فقد أظهرت إسرائيل استعدادها للعمل أولاً ضد أي تهديد لم يُحل، سواء خلال دمار حزب الله في حرب 2023-2024، أو حملتها ضد محور المقاومة بقيادة طهران، أو الضربات المباشرة ضد برنامج إيران النووي.

وفي ظل هذه الحالة من عدم اليقين، طرحت الولايات المتحدة، عبر مبعوثها السفير توم باراك، خارطة طريق لربط الانسحاب التدريجي لإسرائيل مع نزع سلاح حزب الله بشكل مرحلي وحل القضايا الأوسع في الصراع الإسرائيلي-اللبناني.

ورغم تعثر هذه المبادرة الدبلوماسية في بدايتها، إلا أن جولة جديدة من التصعيد العسكري ليست حتمية.

وأتاح تراجع حزب الله بعد حرب 2023-2024 مع إسرائيل وانهيار نظام الأسد في سوريا للبنان أفضل فرصة لاستعادة سيادته منذ أكثر من نصف قرن.

وتولت قيادة جديدة رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة لأول مرة منذ عقود خارج تأثير سوريا أو حزب الله أو إيران.

وبدأت الدولة، عبر الجيش اللبناني، بسرعة بإعادة السيطرة على المطار، وتأمين أجزاء واسعة من الحدود اللبنانية-السورية، وتعزيز حضورها بين نهر الليطاني والخط الأزرق، بينما اضطر حزب الله، في ظل الضربات الإسرائيلية المستمرة، إلى التخلي التدريجي عن معظم مواقعه العسكرية في هذه المنطقة.

لكن التقدم توقف سريعاً، إذ اقتصر امتثال حزب الله على نزع السلاح جزئياً في المنطقة الواقعة جنوب الليطاني.

وعندما بلغ هذا الجهد حدّه، صعدت إسرائيل من عملياتها العسكرية، مما وضع القيادة اللبنانية الجديدة في موقف صعب.

وتركز خطة باراك على معالجة تحديين: نزع سلاح حزب الله وضمان الانسحاب الكامل لإسرائيل، من خلال أربع مراحل، مع دعم دولي لإعادة الإعمار بعد الحرب وإطار لحل النزاعات الطويلة الأمد، بما في ذلك تبادل الأسرى وتحديد الحدود اللبنانية مع إسرائيل وسوريا.

وتُقدّم الخطة لحزب الله مخرجاً محترماً بعد هزيمته العسكرية، ربط نزع سلاحه بمطالب طالما رفعها: إطلاق أسرى، إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، حل النزاعات الحدودية، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية.

رغم تراجع ترسانته العسكرية وفقدان قيادته العسكرية المؤسسة وقطع خطوط إمداده البرية عبر سوريا، يرفض حزب الله التخلي عن أي من أسلحته المنتشرة أو المخزنة شمال نهر الليطاني

والأهم من ذلك، تضع الخطة الدولة اللبنانية كفاعل وحيد قادر على تحقيق ما لم يتمكن حزب الله من تحقيقه: حل دائم ومواتي للصراع مع إسرائيل.

وفي سبتمبر، قدّم الجيش اللبناني خطته لنزع السلاح للحكومة، مع معلومات محدودة حول المعايير الزمنية والتنفيذية. التسريبات التي أشارت إلى تركيز محدود جنوب الليطاني، بالإضافة إلى الضربات الإسرائيلية المستمرة، أضرت بالتفاؤل بخارطة الطريق المدعومة أميركياً. كما أضر تحدي حزب الله للقيود الرسمية خلال حدث رمزي في صخرة الروشة بمصداقية بيروت، وكشف عن انقسامات داخلية في الحكومة والقيادة.

ورغم هذه العقبات، لا يعني ذلك أن فكرة الخطة خطوة بخطوة فشلت بالكامل. الدرس المهم هو أهمية تنفيذ الخطوة الأولى بشكل صحيح وتأمين الالتزامات الموثوقة لضمان نجاح العملية.

ويمكن لواشنطن تحديد نقطة انطلاق جديدة، من خلال عملية منسقة للجيش اللبناني لاستهداف مستودع أسلحة رئيسي لحزب الله خارج نطاق المنطقة التقليدية جنوب الليطاني، وفق آلية وقف النار في نوفمبر.

وسيكسر نجاح هذه العملية، خاصة إذا تبعته وقفة فورية للضربات الإسرائيلية، السابقة ويمنح الجيش والدولة اللبنانية الثقة لمواجهة تعنت حزب الله.

ويجب أن يربط الهدف الأكبر هذه الخطوة بكل من إسرائيل ولبنان، ويكون متسلسلاً استراتيجياً لتحقيق نجاحات حقيقية تحفز الأطراف على الاستمرار.

وسيعزز تحقيق إنجازات أولية مثل نزع سلاح حزب الله خارج المنطقة جنوب الليطاني أو وقف الضربات الإسرائيلية مصداقية خارطة الطريق، ويمهد الطريق لربط نزع السلاح بانسحاب إسرائيل تدريجياً.

ويمكن للولايات المتحدة، مستفيدة من دورها المزدوج كضامن لوقف النار ومرشد للجيش اللبناني، تقديم الدعم الاستراتيجي لبيروت للقيام بما لا تستطيع إلا هي تحقيقه، مع توفير إطار موثوق لإسرائيل للثقة في العملية خطوة بخطوة بدلاً من اللجوء للعمل العسكري الأحادي.

وإذا استُغلت هذه الفرصة ونجحت في التنفيذ، فإنها لن تنتهي بنزع سلاح حزب الله فحسب، بل ستشهد ولادة دولة لبنانية ذات سيادة قادرة أخيراً على تقرير مصيرها في مسألة الحرب والسلام.

3