انتخابات 2025: كيف تُحصد الأصوات وما قد تعنيه النتائج لاستقرار العراق الهش

الزبائنية والمال والهوية الطائفية تتحكم بالعملية الانتخابية.
الأحد 2025/10/26
الحماس العام غائب

يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع في الحادي عشر من نوفمبر. ولكن مع قلة عدد العراقيين المتوقع إدلائهم بأصواتهم، يكمن التنافس الحقيقي في كيفية توزيع السلطة بين النخب المهيمنة على النظام.

بغداد - من المقرر أن تُجرى الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 نوفمبر 2025، في وقت يشهد فيه النظام السياسي حالة من التوتر المصحوب بخيبة أمل واسعة لدى المواطنين من قدرة الانتخابات على تحقيق تغيير ملموس.

وعلى الرغم من الشوارع المزينة بملصقات الحملات الانتخابية، يغيب الحماس العام، ويتوقع أن يبقى كثير من العراقيين في منازلهم، بعد أكثر من عقدين من التجربة الديمقراطية منذ سقوط النظام السابق في 2003.

ويقول الباحث رينار منصور في تقرير نشره معهد تشاتم هاوس إن كثيرون أصبح ينظرون إلى الانتخابات على أنها عملية شكلية، تركز على توزيع السلطة بين النخب السياسية، أكثر من كونها وسيلة لإحداث تحسن في حياة المواطنين اليومية.

وهناك توافق واسع على النتائج المحتملة للانتخابات، إذ تُعد قائمة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الأكثر حظًا، ومن المتوقع أن يحافظ التحالف الحاكم للأحزاب الشيعية ضمن إطار التنسيق الشيعي على موقعه، عبر حكومة توافقية تشمل الكتل الكردية والسنية الكبرى.

ومع ذلك، يبدو من غير المرجح أن يبقى السوداني نفسه رئيسًا للوزراء، إذ تُحدد هذه المناصب عادةً خلال مفاوضات تشكيل الحكومة المعقدة بعد الانتخابات، كما حدث في كل انتخابات سابقة منذ 2005، حيث لم يصل الفائز في الانتخابات بالضرورة إلى رئاسة الحكومة.

حالة من التوتر السياسي المصحوب بخيبة أمل واسعة لدى المواطنين من قدرة الانتخابات على تحقيق تغيير ملموس

وشهدت البنية التحالفية في العراق تطورًا ملحوظًا منذ أول انتخابات بعد عام 2003، حين كانت المنافسة محصورة في عدد محدود من التحالفات الكبرى، مثل التحالف العراقي الموحد الذي ضم جميع المجموعات الشيعية وحظي بدعم المرجع الشيعي أيات الله علي السيستاني، والتحالف الكردي الموحد، وقائمة توافق التي مثلت بعض العرب السنة، إضافة إلى قائمة العراق العلمانية بقيادة إياد علاوي.

واليوم، تفرقت هذه الكتل إلى ما يشبه “المجرة السياسية”، إذ تتنافس عشرات القوائم والأحزاب المستقلة، حيث تشمل انتخابات 2025 نحو 31 تحالفًا و38 حزبًا و75 مرشحًا مستقلًا.

ومن التحالف العراقي الموحد خرجت فصائل شيعية متنافسة، أبرزها ائتلاف إعادة الإعمار والتنمية بقيادة السوداني، ودولة القانون برئاسة نوري المالكي، إضافة إلى الصادقون بقيادة قيس الخزعلي، وكتائب بدر بقيادة هادي العامري، وتحالف القوى الوطنية بقيادة عمار الحكيم، وبعض هذه الفصائل لها روابط تاريخية وسياسية مع إيران.

وتشكل هذه الأحزاب معًا إطار التنسيق الشيعي الذي يدعم تشكيل الحكومة ويحدد المواقع التنفيذية، على الرغم من خوضها الانتخابات منفصلة، في حين يقود مقتدى الصدر حركة مقاطعة الانتخابات، مما يقلل من احتمالية مشاركة جزء كبير من الناخبين الشيعة الذين يشكلون قاعدة واسعة للانتخابات.

وأما الأكراد فقد انقسموا إلى أحزاب منفصلة، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فيما ظهرت أحزاب سنية جديدة من رحم التفرّق في قوائم توافق وقائمة العراق، مثل تقدم لمحمد الحلبوسي، والسيادة لخميس الخنجر، وتحالف عزم لمثنى السامرائي.

انتخابات 2025 تشكل اختبارًا لمستقبل الديمقراطية والاستقرار في العراق

ويظهر النظام الانتخابي العراقي بعد 2003 تعقيدًا كبيرًا، فهو من الناحية النظرية يتيح للمواطنين اختيار 329 عضوًا في مجلس النواب، الذي يقوم بترشيح رئيس الجمهورية ومن ثم رئيس الوزراء، لكن الواقع العملي يشير إلى أن تشكيل الحكومة يعتمد على مفاوضات طويلة بين الأحزاب، حيث تتحول المقاعد المكتسبة إلى أوراق ضغط لتحديد المناصب الوزارية والمراكز التنفيذية الأخرى.

كما أن الواقع السياسي لا يزال مرتبطًا بالهوية الطائفية والإثنية، فالشيعة يصوتون عادةً لأحزابهم، والسنة لأحزابهم، والأكراد لأحزابهم، فيما يحافظ الاتفاق غير الرسمي منذ 2005 على التوازن بين المناصب العليا بحيث يكون رئيس الوزراء شيعيًا، ورئيس الجمهورية كرديًا، ورئيس البرلمان سنيًا.

ورغم أن العراقيين من الناحية النظرية أحرار في اختيار ممثليهم، إلا أن الواقع يشير إلى أن الكثيرين يصوتون بناءً على شبكات الزبائنية، والمكاسب المالية، والاعتماد على الدولة.

ويقر السياسيون بأن الانتخابات اليوم ليست مسألة شعبية بالدرجة الأولى، بل تعتمد على إنفاق الأموال وشراء الأصوات.

وتتعدد أدوات التأثير الانتخابي من السيطرة على الوظائف الحكومية إلى تقديم الخدمات المحلية التي تكسب ولاء الناخبين، مرورًا باستخدام العسكريين وموظفي الوزارات وذوي النفوذ في الحشد الشعبي والبيشمركة، وصولًا إلى الأسواق السوداء لبطاقات الناخبين والوسائل الرقمية الحديثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد وصف بعض الخبراء الانتخابات الحالية بأنها “انتخابات المليارديرات”، إذ تُعتبر أداة لاستثمار النفوذ السياسي وتحويل النتائج إلى قدرة تفاوضية بعد الانتخابات، حيث تُترجم النتائج القوية إلى نفوذ أكبر في مفاوضات تشكيل الحكومة.

السياسيون يقرون بأن الانتخابات اليوم ليست مسألة شعبية بالدرجة الأولى، بل تعتمد على إنفاق الأموال وشراء الأصوات

ومنذ عام 2005، انخفضت معدلات المشاركة تدريجيًا بسبب فقدان الثقة في قدرة الانتخابات على التغيير، وفي 2025 من المتوقع أن يشارك نحو ثلثي الناخبين المسجلين فقط، أي حوالي 21 مليون ناخب من أصل 30 مليون مؤهل، ويُضاف إلى ذلك تأثير مقاطعة الصدريين، التي ستؤدي إلى تراجع نسبة المشاركة، لا سيما بعد انسحابهم من البرلمان في 2022 عقب فشلهم في تشكيل حكومة أغلبية.

وتبدأ مفاوضات تشكيل الحكومة بعد تصديق المحكمة العليا على نتائج الانتخابات، وتشمل انتخاب رئاسة البرلمان، ثم رئيس الجمهورية الذي يقوم بترشيح رئيس الوزراء، لكن كل خطوة تتحول إلى ساحة تفاوض، حيث تُوزع الحقائب الوزارية والمناصب الكبرى على أساس قوة التفاوض لكل كتلة.

ويستمر هذا النظام في تعزيز نفوذ النخب، بحيث تصبح الانتخابات مجرد وسيلة لإعادة ترتيب السلطة ضمن الإطار السياسي القائم، لا لتمكين المواطن أو مساءلة الحكومة. وغالبًا ما يتضمن ذلك استخدام الشارع والقوة، فقد شهدت انتخابات سابقة تحركات مسلحة داخل المنطقة الخضراء احتجاجًا على نتائج ضعيفة لبعض الفصائل، وأصبحت هذه العمليات وسيلة لإعادة فرض التوازن بين الفصائل بعد الانتخابات، بدلاً من كونها صراعًا على برامج إصلاحية.

وتواجه الديمقراطية العراقية تحديات جوهرية، إذ يعزز النظام الانتخابي الحالي سيطرة النخب على السلطة، بينما تتضاءل مؤسسات الرقابة والمساءلة، ويزداد ضعف تأثير الاحتجاجات الشعبية، وتظل الانتخابات شكليًا فرصة لإعادة توزيع السلطة بين النخب دون تحقيق محاسبة حقيقية أو تحسين ملموس للخدمات العامة.

ومع ذلك، تظل الانتخابات أداة محتملة لإعادة توازن النظام إذا جرت وفق قواعد واضحة وشفافة، مع توفير مشاركة أوسع للناخبين وتعزيز دور البرلمان والمجتمع المدني في الرقابة، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية من النخب وقدرة المجتمع المدني على ممارسة الضغط لتحقيق إصلاحات حقيقية، لضمان تحول الانتخابات من مجرد صفقات بين النخب إلى آلية فعلية لمساءلة السلطة.

وتشكل انتخابات 2025 اختبارًا لمستقبل الديمقراطية والاستقرار في العراق، فالبلاد تدخلها في فترة هدوء نسبي يعتمد على توازن هش بين النخب، ويهدد أي انحراف عن هذا التوازن بزعزعة الاستقرار.

وبينما يواصل إطار التنسيق الشيعي قيادة تشكيل الحكومة، يبقى الصدريون على هامش النظام، في حين تسعى الأحزاب الكردية والسنية الكبرى لاستعادة نفوذها.

ولتحقيق أهداف الانتخابات المعلنة منذ 2003، يجب التركيز على الإصلاح الهيكلي للنظام الانتخابي، ووضع آليات شفافة لتوزيع المقاعد، وتعزيز استقلالية مفوضية الانتخابات، ومساءلة النخب عبر البرلمان والمجتمع المدني، فبدون هذه الإصلاحات ستظل الانتخابات مجرد ساحة للتنافس بين النخب، مع ظهور مظهر الديمقراطية دون جوهرها، ولن تتحقق الثقة إلا بالإصلاح الحقيقي والشامل، الذي يمكنه أن يعيد للعراقيين أملهم في الديمقراطية ويحول الانتخابات إلى آلية للتغيير وليس مجرد إعادة ترتيب للسلطة بين النخب.