كيف تحولت إسرائيل إلى مختبر للهيمنة الغربية

إسرائيل ليست مشروعا قوميا فحسب بل استثمار غربي مربح يمرر مصالح اقتصادية ضخمة ويحول المنطقة إلى سوق استهلاكية خاضعة تعتمد على الخارج وتظل تحت تأثير النفوذ الغربي.
الخميس 2025/10/09
مشروع استثماري لا قومي

ما حدث خلال القرن الماضي، وما تشهده المنطقة خلال العامين الماضيين، يقودنا إلى خلاصة مفادها أن إسرائيل ليست سوى أداة غربية أميركية تم إنشاؤها وزرعها في قلب الشرق الأوسط لتثبيت المصالح الغربية، وضمان وجود دائم للنفوذ الأميركي الأوروبي، ولتبقى كفة موازين القوى تميل دوما لصالحهم.

هذه المنطقة – الشرق الأوسط – تمثل مفترق طرق حيويا للطاقة العالمية، حيث تمر عبرها خطوط النفط والغاز، وتحتوي على أكبر احتياطيات في العالم. إسرائيل تمثل الحصن المتقدم للغرب في مواجهة النفوذ السوفييتي سابقا، والآن النفوذ الروسي والإيراني. وجود جيش متقدم تكنولوجيًا مع قدرة نووية غير معلنة يجعلها نقطة ردع قوية تجاه أي مشروع إقليمي لا يتوافق مع مصالح الغرب. كما تحولت إسرائيل إلى مختبر لاختبار تكنولوجيا الحرب الحديثة، والتجسس الإلكتروني، وأدوات السيطرة على الحشود، وهذه التكنولوجيا يتم تصديرها لاحقًا إلى الدول الغربية، مما يخلق دورة ربحية طويلة الأمد.

لذا، إسرائيل لم تكن مشروعًا قوميًا فحسب، بل هي مشروع استثماري يعود بالنفع على الغرب بشكل مباشر وغير مباشر. من ناحية، تسمح بتمرير مصالح اقتصادية ضخمة على حساب المنطقة وشعوبها. إذ تتحكم هذه الدول الغربية من خلال إسرائيل، ومن خلفها تحالفات مع دول أخرى، في الاستحواذ على موارد النفط والغاز، واستباحة أراضي المنطقة وأجوائها وباطن أرضها. الأمر لا يتوقف عند حد الاستنزاف المادي، بل إن إسرائيل تعمل كنموذج متقدم على كيفية إدارة الصراع وإدارة أزمات المجاعة والتدمير، مع تحقيق أرباح من صناعات الأسلحة وعمليات إعادة الإعمار التي تلي الحروب. كما أن إسرائيل ووجودها في المنطقة يخلق سوقًا ضخمة للمنتجات الغربية من الأسلحة إلى التكنولوجيا إلى الثقافة والترفيه وحتى الغذاء. هذا يجعل دول المنطقة مستهلكة، تعتمد على الخارج في كل شيء، وبالتالي تظل تحت تأثير النفوذ الغربي.

نعيش في عالم ميكافيلي تحكمه المصالح فقط بلا عدالة ولا إنسانية، حيث يتم التخلص من الأعداء بلا رحمة. نظام قاس في إبادة كل من يقف في طريق تحقيق أهدافه

ثم أحد أبرز الأدوار التي تلعبها إسرائيل هو استدامة حالة التفتيت والتشرذم في المنطقة. من خلال سياسة “فرق تسد”، تستغل الانقسامات الطائفية والعرقية والسياسية داخل الدول العربية والإسلامية لتفتيتها إلى كيانات هشة ضعيفة غير قادرة على مواجهة التحديات الكبرى. إسرائيل، بدعم مباشر وغير مباشر من الغرب، ساهمت بشكل كبير في تفتيت دول مثل لبنان وسوريا والعراق، وخلق حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي الذي يمنع قيام مشروع سياسي عربي جامع.

هذه الفوضى لا تقتصر على تفتيت الدول الكبرى فحسب، بل تصل إلى دعم الحركات الانفصالية للطوائف والمجموعات الصغيرة، مثل الأكراد الذين يسعون لإقامة دولتهم الخاصة، والدروز في السويداء الذين يخشون من التهديدات المحيطة بهم. كل هذا يضمن أن تبقى المنطقة مفككة، ضعيفة، وتحت السيطرة الغربية غير المباشرة. ثم كان خلق كيانات إرهابية كداعش وغيرها من التنظيمات عبر الاستخبارات الأميركية والبريطانية وبمساعدة المخابرات الباكستانية – بحسب اعترافات مسؤولين أميركيين كهيلاري كلينتون، دونالد ترامب، باراك أوباما وغيرهم الكثير – أداة مهمة لتفتيت المنطقة وتدميرها ونهشها ثقافيًا وفكريًا وبنيتها الإنسانية قبل المادية والاقتصادية.

التنظيمات الإرهابية لم تكن فقط تهديدًا أمنيًا، بل كانت جزءًا من مخطط أكبر لضرب أي قوة أو مقاومة يمكن أن تهدد الهيمنة الغربية أو مشروع إسرائيل. هذه التنظيمات تؤدي إلى هجرة جماعية، تدمير المدن والقرى، إضعاف الاقتصاد الوطني، وتحويل الأنظار عن القضايا الحقيقية إلى صراعات جانبية مدروسة.

وهكذا فقدت المنطقة هويتها ومشروعها، وتشرذمت راياتها إلى ألف راية وراية.. لا مشروع ولا هدف واضح. لذا، أي دول غربية تلك التي تنتظر المنطقة منها اعترافًا بدولة فلسطينية أو إدانة لاستباحة سيادة دول المشرق أجمع.

هذه دول لا تكترث لأمن المنطقة وسلام أهلها واستقرارهم. دول جلّ ما تكترث له هو الدمار والتدمير والمساهمة في خلق فوضى لا مخرج منها أبدا. وإسرائيل بوجودها تفعل كل ما يحقق لهم مصالحهم، فلماذا يخونون عهدهم لها؟ ولماذا يحدثون تغييرا وتحولا في سياستهم تجاهها؟

مشروع دولة فلسطينية على أرض الواقع لا يحقق أي نفع أو فائدة للأطراف الدولية كافة. حتى الصين وروسيا والهند، التي تنأى بنفسها عادة عن الصراع لا ترى في القضية الفلسطينية مكاسب توازي المخاطر

مشروع دولة فلسطينية على الورق كان ورقة مراوغة دولية على مدى عقود، ساهم في تحقيق المراد وتجلي الأهداف الاستعمارية الغربية الأميركية.. خطوة خطوة، حجرة حجرة.

القضية الفلسطينية، على الرغم من أهميتها التاريخية والإنسانية، تم استخدامها كأداة سياسية على مدى أكثر من سبعة عقود. كانت هناك مراوغة متعمدة بين “نعم” و”لا”، بين “سلام” و”حرب”، بين المواقف المختلفة التي توحي بالاهتمام في العلن، بينما في الخفاء يتم تكريس الوضع القائم. هذا التناغم السياسي يسمح باستمرار الوضع دون حل حقيقي، مما يحول القضية الفلسطينية إلى ورقة سياسية تُستخدم في حسابات دولية معقدة.

إذاً، مشروع دولة فلسطينية على أرض الواقع لا يحقق أي نفع أو فائدة للأطراف الدولية كافة. حتى الصين وروسيا والهند، التي تنأى بنفسها عادة عن الصراع، ولا نجد منها سوى صمت ثقيل أو بيانات خجولة… لا ترى في القضية الفلسطينية أو في استقرار المنطقة مكاسب توازي المخاطر أو التكاليف.

أما مشروع “إسرائيل الكبرى”، المسيطرة تكنولوجيا وسبرانيا وعسكريا على المنطقة، وتساهم في استمرار خلق كيانات هشة مشلولة منهارة، ومصادرة حق أهالي المنطقة في تحقيق مصيرهم، في احترام كيانهم، وحرمانهم من أي فرصة للاستفادة من مواردهم، في رسم أحلامهم والعيش في استقرار وتطوير بلادهم… كل ذلك يعود بالفائدة على الغرب وواشنطن. لذا، سيستمر هذا النظام في دعم مشروع “إسرائيل الكبرى” في العلن والخفاء.

الخلاصة: نعيش في عالم ميكافيلي تحكمه المصالح فقط بلا عدالة ولا إنسانية، حيث يتم التخلص من الأعداء بلا رحمة. نظام قاس في إبادة كل من يقف في طريق تحقيق أهدافه. قاس حيث تُمارس السياسات بلا اعتبار للحقوق الإنسانية أو العدالة أو الاستقرار.

7