هل بإمكان الفلسطينيين أن يثقوا بدونالد ترامب

نتنياهو يميّز بين القضايا التي تستحق المواجهة وتلك التي يمكن تقديم التنازلات فيها.
الاثنين 2025/10/13
تاريخ من التقلب

واشنطن - يأتي الاختراق الذي تحقق في مصر بالتوصل هذا الأسبوع إلى وقف لإطلاق النار بعد عامين من إراقة الدماء الغزيرة في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي بلغ مستوى وحشيّا من القسوة والعنف هزّ الضمير العالمي هزا عميقا.

ولئن ظلّت شروط الاتفاق غامضة إلى حد كبير، فإن المقترحات المطروحة وما استُدل عليه من السياق المحيط يثيران مخاوف بشأن ما إذا كان الإطار المبهم في “خطة السلام” الأميركية المكونة من 20 نقطة سيُبلور ويُطبّق بالكامل.

ويرى عمر حسن عبدالرحمن، زميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” أن القلق الرئيسي لا يكمن فقط في الخلافات الكبيرة بين مواقف الجانبين أو في تفاوت قوتهما، بل يكمن أيضا في حقيقة أن كل شيء تقريبا يتوقف على ضمانة فرد واحد هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

التجربة تشير إلى أن ضغط ترامب وحده يستطيع إجبار نتنياهو على الامتثال. وليس هذا الضغط مضمونا على الإطلاق

وظلت إسرائيل وحماس، خلال محاولات وقف إطلاق النار السابقة، على خلاف بشأن قضايا رئيسية مثل توقيت الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة ومداه، ونزع سلاح حماس، وكيفية هيكلة الحكم المستقبلي في القطاع.

وفي مفاوضات سابقة، بما فيها تلك التي عُقدت في يناير، اقترح الوسطاء عملية تدريجية تُؤجّل النقاط الأكثر إثارة للجدل إلى مراحل لاحقة، بينما يتبادل الطرفان الأسرى تدريجيا ويسمحان بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

إلا أن هذا الهيكل صبّ في مصلحة إسرائيل التي تمكّنت من خرق وقف إطلاق النار بنهاية المرحلة الأولى بعد استعادة عدد كبير من الرهائن، دون الوفاء بالتزاماتها بإنهاء الحرب أو سحب قواتها.

ويبدو أن هذه الديناميكية نفسها تعود إلى الظهور. فرغم الاقتراح الأوسع الذي قدّمه الرئيس الأميركي، اختار المفاوضون في مصر مجددا ترتيبا تدريجيا، مع العلم أن جميع الأسرى الإسرائيليين المتبقين سوف يُطلق سراحهم دفعة واحدة هذه المرة.

ولا تزال القضايا الأكثر تحديا في خطة ترامب، بما في ذلك التناقضات بين النسخة التي اتفقت عليها ثماني دول عربية وإسلامية خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، والنسخة التي راجعها ووافق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاحقا في واشنطن، دون حلّ.

وهذا يعني أن الإفراج النهائي عن الأسرى الإسرائيليين قد يكون دون أية ضمانات باتفاقات أخرى.

ومع أن عدم اضطرار سكان غزة إلى خوض مفاوضات مطولة قبل أن ينالوا قدرا من الراحة يُعد تطورا إيجابيا، فإن استمرار وقف إطلاق النار على المدى الطويل لا يزال غير مؤكد.

همسات مريبة
همسات مريبة

وحتى لو أمكن التوصل في النهاية إلى اتفاق أوسع نطاقا، فقد يقرر نتنياهو في منتصف العملية أن التخلي عن الاتفاق يخدم مصالحه بشكل أفضل، سواء باستئناف العمليات العسكرية أو السعي إلى اتفاق آخر أكثر فائدة له.

ويكمن خلل كبير في جوهر هذه القضية: فكل تنازل تقدمه حماس لا رجعة فيه، بينما يمكن التراجع عن التنازلات التي تقدمها إسرائيل.

وعلى سبيل المثال، قد تنسحب إسرائيل من غزة يوما وتعود إليها في اليوم التالي، وقد تُفرج عن ألف سجين فلسطيني الآن ثم تعيد اعتقالهم لاحقا.

وفي المقابل، لن يكون متاحا لحماس أن تسترجع الرهائن الإسرائيليين بمجرد الإفراج عنهم. وإذا سلمت أسلحتها، فسيكون من شبه المستحيل تنفيذ أي آلية لاستعادتها في حال أي خرق إسرائيلي.

وهذا ما يجعل دور الضامن بالغ الأهمية بالنسبة إلى حماس، والضامن في هذه الحالة هو ترامب الذي تحوم الشكوك حول موثوقيته.

ورغم إعراب مسؤولي حماس مؤخرا عن ثقتهم بدعم الرئيس للاتفاق، إلا أن هذا التأكيد يفتقر إلى أساس متين. فعندما انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار المُبرم في يناير خلال شهر مارس، فعلت ذلك بموافقة ترامب.

وكان الرئيس قد قوّض الاتفاق بالفعل بالإشارة إلى إمكانية تحويل غزة إلى “ريفييرا” خاضعة للسيطرة الأميركية وخالية من الفلسطينيين، وهي فكرة دفعت الكثيرين إلى التشكيك في التزامه بالشرعية والعدالة والأخلاق.

ووفّر هذا التصريح لنتنياهو مبررا سياسيا للتخلي عن المراحل اللاحقة من وقف إطلاق النار والسعي علنا إلى ما يرقى إلى تطهير عرقي لقطاع غزة. وطوال هذه العملية، دأب نتنياهو ووزراؤه على تصوير أفعالهم على أنها تتماشى مع خطة ترامب.

وتراجعت مصداقية ترامب منذ ذلك الحين. ففي يونيو سمح لإسرائيل بضرب إيران خلال المحادثات النووية الأميركية – الإيرانية الجارية، ثم تفاخر لاحقا بأن المحادثات نفسها كانت بمثابة تشتيت للانتباه. وبحلول سبتمبر تورط في هجوم إسرائيل على قطر إما بالسماح به أو بالتقصير في منعه.

اتفاق حذر

ومن المفارقات أن هذه الخطوة الخاطئة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ربما مهّدت الطريق لوقف إطلاق النار الحالي.

وشعرت دول الخليج وحلفاء الولايات المتحدة الآخرون بالقلق إزاء الهجوم وتداعياته على أمنهم، فاتحدوا خلف قطر وضغطوا بشكل جماعي على ترامب لكبح جماح إسرائيل ومتابعة خطة لإنهاء المعاناة والمجاعة في غزة.

وبدا أن اجتماع ترامب مع ممثلي ثمان من هذه الدول في نيويورك، وهو الذي أسفر عن أحدث نسخة من اقتراحه، يعكس هذا الضغط. ويبدو الرئيس هذه المرة أكثر انخراطا بشكل مباشر، حيث أصبحت مصداقيته بين شركائه الإقليميين على المحك. كما بدأ النفوذ المشترك لهذه الدول العربية، إلى جانب تركيا وأوروبا، يُوازن النفوذ الإسرائيلي على واشنطن، ما قد يُمكّن ترامب من ممارسة الضغط اللازم على نتنياهو لإحراز تقدم.

ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الديناميكية ستصمد، لكن التنسيق الناشئ بين هذه الدول زاد من ثقل جهودها الدبلوماسية.

ومع استمرار المفاوضات، تواجه حماس قرارات صعبة تُهدد هويتها. ومن المرجح أن قيادتها تُدرك أن أية قوة خارجية لن تتدخل لوقف الهجوم الإسرائيلي.

ورغم تنامي الزخم الدولي لإغاثة غزة، يبقى من غير الواقعي انتظار تسليط عقوبات فورية أو فرض حظر على الأسلحة إلى درجة كافية لوقف حملة نتنياهو في ظل استمرار الدعم الأميركي.

وتزداد عزلة حماس. فحتى الدول المتعاطفة معها مثل قطر وتركيا أيدت الموقف الداعي إلى نزع سلاحها.

وباستثناء الرهائن المتوقعة إعادتهم إلى إسرائيل قريبا، لم يتبقّ للحركة سوى نفوذ ضئيل. وعليها الآن أن تقرر إلى أي مدى ستُضحي ببقائها من أجل ضمان بقاء الشعب الفلسطيني في غزة، وإلى أي مدى ستتنازل عن مبادئها الأساسية، كحق مقاومة الاحتلال حتى تُحل القضية الفلسطينية.

إن مسألة تحديد مسار سياسي أوسع نحو تقرير مصير الشعب الفلسطيني تلوح في الأفق، وهذه القضية الرئيسية ليست فلسطينية فحسب، بل هي أيضا مسألة أساسية بالنسبة إلى الدول التي يُحتمل أن تُشارك في إدارة غزة مستقبلا.

هل انتهت الحرب

ولم تُعالج خطة نتنياهو المُعدّلة هذا الأمر بوضوح، ولا ترغب أي دولة في أن تُعلق إلى أجل غير مسمى في إدارة غزة بينما تُواصل إسرائيل ضمّ أجزاء من الضفة الغربية.

وأحيت هذه المخاوف الاهتمام الدبلوماسي بين الدول العربية والأوروبية بالسعي إلى حل الدولتين، وعززت رغبتها في ضمان أن يتضمن أي اتفاق يُبرم حلا سياسيا مستداما. ويدعو العديد منها إلى إعادة دور السلطة الفلسطينية في غزة، جزئيا لإعفاء نفسها من المسؤولية المباشرة في القطاع على الرغم من أن إسرائيل لا تزال تعارض ذلك بشدة.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ترغب حقا في اتفاق سلام أوسع نطاقا، فالبلاد تزداد عزلة وتفقد حلفاءها بسرعة. والسؤال الأهم هو ما قد يحدث إذا قرر نتنياهو الانسحاب من الاتفاق بمجرد تحقيق أهدافه.

ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان ترامب سيستخدم نفوذه لإجبار إسرائيل على الامتثال.

وأظهر نتنياهو مهارة في إدارة علاقته مع ترامب، فهو يميّز بين القضايا التي تستحق المواجهة، وتلك التي يمكن تقديم التنازلات فيها.

وحتى عندما يضطر إلى الرضوخ للضغوط، فإنه يجد طرقا ذكية وطويلة الأمد لتحقيق مبتغاه في النهاية.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 وجد أن الصراع الدائم مفيد سياسيا، وهو يتعامل مع الحرب كوسيلة للسيطرة والمناورة، كرجل في مصعد زجاجي يضغط على الزر الذي يناسبه.

وإذا انسحب نتنياهو من الاتفاق علنا، فمن المرجح أن يكون ردّ فعل العالم شديدا، وقد تتجه دول أخرى نحو اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل.

ومع ذلك، تشير التجربة إلى أن ضغط ترامب وحده يستطيع إجباره على الامتثال. وليس هذا الضغط مضمونا على الإطلاق.