حصر السلاح شرط أساسي لحصول لبنان على دعم دولي
 
بين رماد الحرب وجراح الاقتصاد يقف لبنان على مفترق طرق حاسم، مترقبا دعما دوليا مشروطا يربط بين إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد وتعزيز مؤسسات الدولة. فبعد سنوات من الشلل السياسي والانهيار المالي، تسعى الحكومة اللبنانية إلى تثبيت دعائم الدولة من خلال ثلاثة مؤتمرات دولية قيد الإعداد.
بيروت - يترقب لبنان ثلاثة مؤتمرات دولية للحصول على دعم من أجل تدارك الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وإعادة إعمار ما دمّره الجيش الإسرائيلي خلال حربه الأخيرة وانتهاكاته المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار. لكن خبراء قالوا إن الدعم الدولي المحتمل خلال تلك المؤتمرات ليس “سهل المنال”، وليس “شيكا على بياض”، بل يبقى مشروطا بإصلاحات جوهرية، والتزام واضح بمبدأ حصر السلاح بيد الدولة.
وتشمل تلك المؤتمرات التي لم تبصر النور، ولم تتضح ماهيتها الزمانية، دعم الجيش اللبناني، وإعادة الإعمار، وتشجيع الاستثمار.
والخميس، أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، أن “مسار حصرية السلاح بيد الدولة أصبح خيارا وطنيا لا عودة عنه.”
لا دعم ماليا أو اقتصاديا دون التزام فعلي بحصر السلاح، وعودة لبنان إلى علاقات طبيعية مع محيطه العربي والمجتمع الدولي
كما عرض سلام أولويات عمل الحكومة في المرحلة المقبلة، محدِّداً ثلاث محطات أساسية تشكّل ركائز أساسية في هذا المسار: أولا: مؤتمر إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، لتعبئة الموارد اللازمة للبنى التحتية، وتحريك عجلة الاقتصاد.
وأما الثاني فهو مؤتمر دعم الجيش اللبناني، لتأمين التمويل والقدرات اللوجستية والعتاد، بما يمكّنه من تعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة. فيما يأتي مؤتمر “بيروت 1” للاستثمار، ثالث تلك الخطوات، لفتح آفاق جديدة أمام الاستثمارات وترسيخ ثقة المجتمع الدولي بلبنان.
وشدد سلام، على أنّ “هذه المحطات مترابطة ويكمل بعضها بعضا، إذ لا يمكن تحقيق النهوض الاقتصادي من دون الاستقرار الأمني، ولا ترسيخ للاستقرار من دون مؤسسات قوية وبيئة استثمارية جاذبة.”
وقال مصدر في الحكومة اللبنانية إن “هناك ثلاثة مؤتمرات قيد التحضير: الأول لدعم الجيش اللبناني، والثاني لإعادة الإعمار، والثالث للاستثمار،” موضحًا أن دعم الإعمار والاستثمار مرتبطان بإصلاحات داخلية والتزام باتفاقيات دولية.
وأضاف المصدر، مفضلا عدم الكشف عن هويته، أن “أيا من المؤتمرات الثلاثة لم يُحدد موعده حتى الآن، إلا أن انعقاد مؤتمر دعم الجيش يُعد الأقرب زمنيًا، مع احتمال تنظيمه خلال فصل الخريف.”
دعم مشروط
 
قال المحلل السياسي ألان سركيس إن هذه المبادرات الدولية جاءت بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية (جوزيف عون مطلع 2025)، وتشكيل حكومة جديدة، غير أن الحصول على الدعم “لا يزال مشروطا بملفين أساسيين: سياسي واقتصادي.”
وأشار سركيس إلى أن “الدعم السياسي يرتبط بوضوح بتنفيذ مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة وتطبيق الإصلاحات المطلوبة،” محذرًا من أن “أيّ تراجع في هذا المسار سيؤدي إلى تجميد المساعدات الدولية.”
وأوضح أن “المجتمعين العربي والغربي لن يقدّما الدعم لدولة قد تقع تحت سيطرة حزب الله.”
وأكد المحلل أنه “لا دعم ماليا أو اقتصاديا دون التزام فعلي بحصر السلاح، وعودة لبنان إلى علاقات طبيعية مع محيطه العربي والمجتمع الدولي.”
وعلى الصعيد الاقتصادي، أفاد سركيس أن المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الذي زار بيروت مؤخرًا، “أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن أيّ دعم مالي لن يُمنح قبل مباشرة إصلاحات حقيقية وجذرية، بعيدا عن الإصلاحات الشكلية.” كما شدد مبعوث باريس، وفق سركيس، على أن “الدول المانحة لن تقدّم شيكا على بياض.”
وبشأن شروط الدعم المحتمل، أكد سركيس أن “المطلوب من لبنان تنفيذ إصلاحات (لم يحددها)، وحصر السلاح بيد الدولة، وهما شرطان أساسيان للحصول على أي دعم.”
توقيت محتمل
 
وعن التوقيت، قال سركيس إن “المؤتمر الأهم والذي من المرجح انعقاده في أكتوبر المقبل، هو مؤتمر دعم الجيش اللبناني.” كما لفت إلى أن “المبعوث الفرنسي ناقش هذا الملف مع السعوديين، وتم إبلاغ المسؤولين اللبنانيين بموافقة مبدئية على عقد المؤتمر.”
وأشار إلى أن “هذا المؤتمر قد يُعقد إما في باريس أو الرياض، وسيركز على دعم الجيش ضمن برنامج محدد يشمل تنفيذ خطته لحصر السلاح.”
ولفت إلى أن هذا المؤتمر “منفصل عن مؤتمري إعادة الإعمار والاستثمار، واللذين يبقيان مشروطين بتنفيذ لبنان للإصلاحات والتزامه باتفاق مع صندوق النقد الدولي.”
وفي 5 أغسطس الماضي، أقر مجلس الوزراء حصر السلاح بما فيه سلاح حزب الله بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطة لإتمام ذلك خلال الشهر نفسه، وتنفيذها قبل نهاية عام 2025.
وفي 5 سبتمبر الجاري، أقرت الحكومة اللبنانية خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، ورحبت بها، وقررت الإبقاء على مضمونها والمداولات بشأنها “سرية”.
وبالمقابل، وفي أكثر من مناسبة، أكد أمين عام حزب الله نعيم قاسم، أن الحزب لن يسلّم سلاحه إلا في حال انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وإيقاف عدوانها على البلاد، والإفراج عن الأسرى وبدء إعادة الإعمار.
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي اللبناني منير يونس إن “المسار الدولي لدعم لبنان يرتبط بشكل مباشر بملف نزع سلاح حزب الله.”
في 19 يونيو الماضي، قدم الموفد الأميركي إلى سوريا توماس باراك، ورقة مقترحات إلى الحكومة اللبنانية، تضمنت نزع سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة، مقابل انسحاب إسرائيل من خمس نقاط حدودية
واعتبر يونس أن “مؤتمر دعم الجيش يتضمن خطة لتمويل المؤسسة العسكرية بنحو 10 مليارات دولار على مدى عشر سنوات، وهو طرح وارد في الورقة الأميركية التي قدمت للرئيس اللبناني، وتتضمن دعمًا سنويا بقيمة مليار دولار مقابل المضي في مسار نزع السلاح.”
وفي 19 يونيو الماضي، قدم الموفد الأميركي إلى سوريا توماس باراك، ورقة مقترحات إلى الحكومة اللبنانية، تضمنت نزع سلاح حزب الله وحصره بيد الدولة، مقابل انسحاب إسرائيل من خمس نقاط حدودية تحتلها في الجنوب، إضافة إلى الإفراج عن أموال مخصصة لإعمار المناطق المتضررة من الحرب الأخيرة.
وبشأن قيمة خسائر لبنان جراء العدوان الإسرائيلي، قال المحلل الاقتصادي إن كلفة إعادة الإعمار “قُدّرت مبدئيًا بنحو 5 مليارات دولار، وهو مبلغ مرتبط بتقدم في ملف نزع السلاح، باستثناء مشاريع البنى التحتية التي تموّل عادة من البنك الدولي، والتي لا ترتبط مباشرة بهذا الشرط.”
وقال في هذا السياق إن “المجتمع الدولي يرى في هذا الملف مؤشرا حاسما على التقدم السياسي،” مشيرا إلى أن “أيّ دعم في هذا الإطار سيكون مشروطا بخطوات واضحة نحو حل دائم، يتضمن نزع السلاح كجزء أساسي منه.”
وفيما يتعلق بمؤتمر الاستثمار، اعتبر يونس أن “أهدافه لا تزال غير واضحة، لكنه يستند إلى اتفاق مبدئي أُبرم مع صندوق النقد الدولي عام 2022، وكان يتوقع تأمين 3 مليارات دولار من الصندوق، و8 مليارات إضافية من المانحين، بهدف سد الفجوة المالية.”
ومتحدثا عن نقطة جامعة للمؤتمرات الثلاثة، قال يونس إن ثلاثتها “تبقى مشروطة بالتقدم في ملف نزع السلاح،” مؤكّدًا أن “المجتمع الدولي ينتظر تحقيق خرق ملموس في هذا الملف قبل نهاية عام 2025 أو منتصف 2026، لبدء تنفيذ الوعود بالدعم المالي.”
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
        
      
     
        
      
    