ولادة سياسية جديدة للقضية الفلسطينية

ظهر فلسطين بات يستند إلى أربع من خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهذا يمنحها دعما أقوى ويساعدها على حيازة العضوية الكاملة واستصدار قرارات أكثر فعالية ضد الانتهاكات الإسرائيلية.
الخميس 2025/10/09
استفاقة سياسية.. متأخرة

غنيٌّ عن القول أن هذا الشهر من أكثر الشهور أهمية في تاريخ صراع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي. وتكمن أهمية الشهر في كونه يشهد تحولا إستراتيجيا في مواقف دول رئيسية لها دور فاعل ومباشر في إدارة السياسة العالمية. هذا التحول اللافت يمكن وصفه بالاستفاقة السياسية المتأخرة في العقل الجمعي السياسي العالمي، مما يعني بالضرورة تغيير وجه السياسة العالمية لصالح الفلسطينيين، في ظل حرب الإبادة والمجاعة التي يتعرضون لها.

من الطبيعي ألا يلمس الشعب الفلسطيني نتائج هذه الاعترافات على الأرض بشكل مباشر، كونها لن تؤدي إلى تغيرات سريعة في التوجه الفلسطيني نحو الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، فحرب الإبادة في قطاع غزة تستعر، والاستيطان في الضفة الغربية يتصاعد. ونتنياهو يبث خطابه لأهل غزة عبر مكبرات الصوت بعدما حشرهم في بضعة كيلومترات، بتصرف يحاكي تصرفات النازيين حين كان أدولف هتلر يبث خطابه بمكبرات الصوت لليهود في معسكرات الاعتقال، مما يؤكد أن أكثر من مليوني فلسطيني في غزة سجناء لدى حكومة اليمين المتطرف.

وفي اتجاه آخر، فإن هذه الاستفاقة السياسية المتأخرة تضع الفلسطينيين على سكة الاستقلال، مما يلزمهم بحسن الاستفادة من متغيرات السياسة الدولية في التعاطي مع قضيتهم. وهي تراكم إيجابيات العمل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني، وتقوّي معسكر السلام ونهج التسوية المعتمد من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، ذلك النهج الذي تعرض للتشويه والسخرية والتخوين على مدار العقود السبعة الماضية، مما يزيد من ثقة الفلسطينيين به وبحسناته، ويجعله خيارا تكتيكيا معتمدا للسنوات المقبلة، ويؤثر بشكل مباشر على صندوق الانتخاب الفلسطيني.

ومن هنا يمكن التصريح بأن ظهر فلسطين بات يستند إلى أربع من خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن (بريطانيا، وفرنسا، والصين، وروسيا)، وهذا يمنح فلسطين دعما أقوى في الأمم المتحدة، واستصدار قرارات أكثر فعالية ضد الانتهاكات الإسرائيلية المفضوحة على شاشات التلفزة العالمية.

العقل الجمعي السياسي العالمي ينحو بشكل لا ريب فيه لتجاوز التطرف الديني وأفعاله الشنيعة في معاقبته لشعب كامل، بل ومحاولة شطبه نهائيا، والانتقال من مرحلة تبرير العدوان الإسرائيلي إلى إدانته ورفضه

هذه الاعترافات من شأنها أن تعزز موقف الفلسطينيين في المحافل الدولية، وتتيح ترقية البعثات الدبلوماسية الفلسطينية إلى سفارات، وفي المقابل افتتاح سفارات جديدة لدول قوية ومهمة على المستوى العالمي في فلسطين. ومن البديهي أن يشكّل ذلك نواة ضغط اقتصادية وسياسية على إسرائيل، ويوفر دافعًا للدول الأوروبية لرفض التوسع الاستيطاني الإسرائيلي (الذي يُعتبر غير قانوني دوليا)، ويعيد النظر في الاتفاقيات التجارية المتعلقة بمنتجات المستوطنات، ويفتح أبوابا لمساعدات اقتصادية أكبر للفلسطينيين.

ومع تصاعد السعار الإسرائيلي، بدأت إسرائيل تواجه تداعيات جرائمها السياسية والدبلوماسية، وتتعرض لانتقادات حادة، وقد تتعرض لجملة عقوبات، حيث أعلنت عدة دول أوروبية عن تعليق تعاونها العسكري مع إسرائيل، وفرض قيود على العلاقات الدبلوماسية. وبالتالي تتسع المساحة السياسية والدبلوماسية أمام الفلسطينيين وسلطتهم المتمسكة بخيار السلام ونبذ العنف حسب المصطلحات السياسية العالمية.

تضيق المساحة أمام إسرائيل وحكومتها المتطرفة، ليس فقط على المستوى السياسي والاقتصادي، بل على صعيد مستويات أخرى، ثقافية ورياضية. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: فوز فيلم “صوت هند رجب” بجائزة الأسد الفضي، وقيام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” بدراسة استبعاد المنتخب الإسرائيلي من التصفيات الأوروبية.

وهذا يعطي إشارة واضحة إلى تزايد عزلة إسرائيل، وافتضاح صورتها عالميا. وخير آية على ذلك القاعة شبه الفارغة حين ألقى بنيامين نتنياهو خطابه في الأمم المتحدة.

العقل الجمعي السياسي العالمي ينحو بشكل لا ريب فيه لتجاوز التطرف الديني وأفعاله الشنيعة في معاقبته لشعب كامل، بل ومحاولة شطبه نهائيا، والانتقال من مرحلة تبرير العدوان الإسرائيلي إلى إدانته ورفضه، إلى درجة أن نتنياهو أقر سابقا بأن إسرائيل تعيش حالة عزلة متزايدة في المجتمع الدولي. وأفضل مثال على ما تقدم تصريحه النرجسي حيث قال “ستضطر إسرائيل بسبب عزلتها الدبلوماسية إلى التكيّف مع اقتصاد ذي سمات أوتاركية (انعزالية)، وأن تصبح إسبارطة عظمى”.

وهنا ينتقل نتنياهو من تبني خطاب المظلومية بسبب العرب والمسلمين، إلى تبني خطاب المظلومية بسبب أكثر من 150 دولة تعترف بفلسطين. أي أن نتنياهو ينغلق على حكومته اليمينية المتشددة ويتقوقع سياسيا ودبلوماسيا، مقابل ولادة سياسية جديدة للقضية الفلسطينية.

7