نجاح أحمد الشرع الدبلوماسي في الأمم المتحدة يعزز صورة سوريا الجديدة
نيويورك - برز خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع في الجمعية العامة للأمم المتحدة كحدث دبلوماسي تاريخي على أكثر من صعيد. فالشرع، الذي كان مقاتلا سابقا في تنظيم القاعدة ومحتجزا في معسكر بوكا الأميركي، نجح في قلب سيرته الشخصية المليئة بالتحديات إلى أداة لإعادة تقديم بلاده بشكل إيجابي أمام المجتمع الدولي.
وجاء حضوره أمام الجمعية العامة، وهو الأول لرئيس سوري منذ عام 1967، في ظل استمرار العقوبات الدولية المفروضة على سوريا رغم التخفيف فيها، ما أعطى كلمته قيمة سياسية كبيرة، وأكد رغبة دمشق في إعادة إدماج نفسها في النظام الدولي.
وفي خطابه أعلن الشرع أن سوريا تستعيد مكانتها الصحيحة بين دول العالم، داعيًا إلى رفع جميع العقوبات المتبقية، ومبرزًا التزامه ببدء مرحلة جديدة تتسم بالسلام والتسامح والتعاون مع المجتمع الدولي.
وقد ركّز على أن سوريا تحولت من كونها مصدرًا للأزمات إلى فرصة للسلام، مؤكدًا عزمه على تقديم كل من تثبت مسؤوليته عن سفك الدماء للعدالة، مع الالتزام بالحوار والمصالحة الوطنية.
حملة العلاقات العامة أكسبت الشرع ثقة بعض من كانوا من أشد منتقديه وعكست قدرته على إدارة الصورة العامة لسوريا بذكاء إستراتيجي
ولم تكن هذه الرسائل مجرد كلمات دبلوماسية بل محاولة واضحة لتغيير الصورة النمطية التي ارتبطت بسوريا خلال سنوات الحرب الأهلية الطويلة، لتقديم الدولة كطرف مسؤول قادر على قيادة مرحلة إعادة البناء.
وجاء في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن نجاح الشرع لم يقتصر على كلمته وحدها، بل شمل تحركاته المكثفة قبل وأثناء انعقاد الجمعية العامة. فقد عقد لقاءات مع شخصيات دولية بارزة، أبرزها الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بترايوس، الذي أشرف على سجنه في العراق.
وأظهرت هذه اللقاءات قدرة الشرع على الانفتاح على شركاء دوليين متباينين، واستخدام تجاربه السابقة في المجال الأمني كقوة سياسية ودبلوماسية لتعزيز موقف سوريا.
وبحسب محللة شؤون الأمم المتحدة مايا أونغار، فإن حملة العلاقات العامة التي شنها الشرع خلال الأسبوع السابق للاجتماع أكسبته ثقة بعض من كانوا من أشد منتقديه، وعكست قدرته على إدارة الصورة العامة لسوريا بذكاء إستراتيجي.
كما لعب حضور الشرع أمام الجالية السورية في نيويورك دورا مهما في تعزيز صورته الإيجابية.
وتجمع المئات من أبناء الجالية قرب حواجز الأمم المتحدة الأمنية لمتابعة الحدث، حيث سادت مشاعر مختلطة من الإثارة والدموع والتفاؤل، وهو ما يعكس مدى تأثير الخطاب على الداخل السوري والشتات على حد السواء.
وبالنسبة إلى الشرع لم يكن الخطاب مجرد فرصة دبلوماسية بل وسيلة لإظهار التزامه تجاه شعبه، وإرسال رسالة تفيد بأن سوريا الجديدة تعطي أهمية للسلام الداخلي والمصالحة الوطنية، وتعيد بناء الثقة بين القيادة والشعب بعد عقود من النزاع الطائفي والدمار الشامل.
ومن الناحية الاقتصادية استثمر الشرع الجمعية العامة لاستقطاب المستثمرين والشركات الأجنبية، مسلطا الضوء على الفرص الجديدة المتاحة في سوريا، من مشاريع إعادة الإعمار إلى القطاعات الحيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والزراعة. وأوضح أن مرحلة ما بعد النزاع تمثل فرصة لإعادة بناء الاقتصاد السوري، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
وهو ما يعكس فهم الشرع العميق للعلاقة بين القوة السياسية والاقتصادية، ومدى أهمية جذب الاستثمارات الخارجية لدعم عملية إعادة الإعمار وتعزيز مصداقية الدولة.
ورغم اللهجة الحادة التي استخدمها الشرع في انتقاده للغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، والتي تشير إلى أن الطريق نحو علاقات مستقرة في المنطقة لا يزال طويلًا، يوضح الخطاب كيف يمكن للدبلوماسية الذكية أن تعزز صورة الدولة وتعيد تقديمها كطرف مسؤول وملتزم بمعايير التعاون الدولي.
وتمثل القدرة على الموازنة بين الموقف الحازم تجاه انتهاكات السيادة وبين الانفتاح على الحوار الدولي نجاحا إستراتيجيا مهما يعكس نضج الشرع السياسي وقدرته على توظيف أدواته السابقة في خدمة سوريا الجديدة.
وعلاوة على ذلك، يمثل نجاح الشرع في الجمعية العامة خطوة مهمة لإعادة رسم خارطة العلاقات السورية على الصعيد الدولي.
وأظهرت هذه الجولة الدبلوماسية أن سوريا قادرة على التعامل مع تحديات العقوبات الدولية، وإعادة بناء الثقة مع الشركاء العالميين، بما يضعها في موقع مؤثر في القرارات الإقليمية والدولية المقبلة.
ولم يكن الخطاب محاولة لتسويق صورة إيجابية لسوريا فقط، بل كان أيضا مؤشرا على تحول حقيقي في السياسة السورية، حيث يركز القادة على السلام والمصالحة ودور سوريا كشريك مسؤول على الساحة الدولية، بعيدا عن الصورة التقليدية المرتبطة بالعنف والنزاع.
وتمثل جولة الشرع في الأمم المتحدة نجاحًا دبلوماسيا استثنائيا يعزز صورة سوريا الجديدة، ويضع الرئيس في موقع قائد جاد قادر على إعادة بلاده إلى الساحة الدولية، مع التأكيد على التزامه بالسلام الداخلي والمصالحة الوطنية والتعاون الدولي.
ويشكل الخطاب وخارطة العلاقات العامة التي رافقته بداية لإعادة صياغة دور سوريا في الشرق الأوسط، ويفتحان الباب أمام فرص اقتصادية واستثمارية جديدة تدعم مشروع إعادة بناء الدولة بعد سنوات طويلة من النزاع المدمر.