منعًا لتكرار الماضي: مصر تتحرك لحماية عقول الطلاب من التطرف

إذا كانت هناك حاجة إلى تطوير المناهج وفتح آفاق التفكير فيجب أن يتم ذلك ضمن رؤية شاملة تُراعي الأمن الفكري وتُحصّن المجتمع من أيّ اختراق محتمل لأن الوقاية خير من العلاج.
الثلاثاء 2025/08/26
خطوة في الاتجاه الصحيح

في خطوة استباقية تحمل أبعادًا أمنية وتربوية، أصدر وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر محمد عبداللطيف قرارًا بحظر التطرق داخل المدارس إلى أيّ قضايا خلافية ذات طابع سياسي أو ديني. ورغم ما أثاره القرار من جدل في الأوساط الإعلامية والبرلمانية، فإن النظر إليه من زاوية أمنية واجتماعية يكشف عن وجاهته، بل وضرورته، في ظل تاريخ طويل من محاولات اختراق المؤسسات التعليمية من قبل جماعات متطرفة، تسعى إلى استغلال حداثة سن الطلاب، وتشكيل وعيهم في اتجاهات تهدد الأمن القومي وتماسك المجتمع.

المدرسة ليست مجرد فضاء تعليمي، بل هي بيئة خصبة لتكوين الشخصية، وغرس القيم، وتشكيل الانتماء الوطني. ومن هنا، فإن تحصينها من أيّ محاولات لتسييس التعليم أو تديينه بشكل متطرف، يُعدّ واجبًا وطنيًا، خاصة أن مصر عانت في فترات سابقة من تسلل الفكر المتشدد إلى بعض المدارس، ما أدى إلى انحرافات فكرية لدى فئات من الشباب، ظهرت لاحقًا في صور عنف أو انغلاق أو رفض للآخر.

القرار، إذًا، لا يُقصد به تكميم الأفواه أو مصادرة التفكير، بل حماية الطلاب من أن يُستغلوا كأدوات في صراعات سياسية أو دينية لا يدركون أبعادها. فالمراهقون، بطبيعتهم، أكثر قابلية للتأثر، وأقل قدرة على التمييز بين الرأي والمغالطة، وبين الحوار والتعبئة. وقد أثبتت التجربة أن بعض الجماعات المتطرفة، سواء ذات الطابع الديني أو السياسي، تسعى إلى النفاذ من خلال الأنشطة المدرسية أو العلاقات الشخصية، لترويج أفكارها، وتجنيد عناصر جديدة.

◄ القرار لا يُقصد به تكميم الأفواه بل حماية الطلاب من أن يُستغلوا كأدوات في صراعات سياسية أو دينية لا يدركون أبعادها فالمراهقون أكثر قابلية للتأثر وأقل قدرة على التمييز بين الرأي والمغالطة

ولعل ما يُعزز من أهمية القرار هو التنسيق الذي تم بين وزارة التعليم ومؤسسات الدولة المختلفة، ما يدل على أن الأمر ليس مجرد إجراء إداري، بل جزء من إستراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الأمن الفكري، ومنع تكرار سيناريوهات سابقة، شهدت فيها مصر محاولات لاختراق المدارس والجامعات، وتحويلها إلى منصات لنشر التطرف أو التحريض.

الوزير محمد عبداللطيف برّر القرار بنسق أخلاقي وتربوي، مؤكدًا أن المدرسة يجب أن تظل ساحة للعلم والمعرفة، لا منبرًا للانقسام أو التوتر. وهذا التوجه يتماشى مع مسؤولية الدولة في الحفاظ على حيادية المؤسسات التعليمية، وضمان أن تبقى بعيدة عن الاستقطاب، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، والتي قد تُستغل من قبل أطراف مغرضة لتأجيج الغضب أو زرع الفتنة.

ورغم اعتراض بعض النواب على القرار، بحجة أنه يتعارض مع الدستور، فإن الواقع يفرض ضرورة التوازن بين حرية التعبير، وبين حماية الأمن العام. فحرية الرأي لا تعني فتح المجال أمام كل نقاش، خاصة إذا كان يحمل بذور الفتنة أو يُستغل في غير موضعه. ويمكن للدولة أن تضع ضوابط واضحة للنقاش، دون أن تسمح بتحوّل المدرسة إلى ساحة للصراع أو التجييش.

القرار أيضًا يُراعي طبيعة المرحلة العمرية للطلاب، الذين لا يزالون في طور التكوين، ويحتاجون إلى بيئة مستقرة وآمنة، تُعزز فيهم قيم الانضباط والمواطنة، لا الجدل والانقسام. وإذا كانت هناك حاجة إلى مناقشة قضايا سياسية أو دينية، فيجب أن تتم في إطار أكاديمي منضبط، وتحت إشراف متخصصين، وليس بشكل عشوائي أو ارتجالي.

ولا يمكن تجاهل أن التكنولوجيا الحديثة فتحت أبوابًا واسعة للنقاش خارج أسوار المدرسة، ما يجعل من الضروري أن تبقى المؤسسة التعليمية منضبطة، وتُركّز على دورها الأساسي في التعليم والتربية. فالممنوع قد يكون مرغوبًا، لكن المنظم هو الأكثر أمانًا، خاصة في بيئة تتعرض لضغوط داخلية وخارجية.

في النهاية، فإن قرار وزير التعليم يُمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لحماية الطلاب من التوظيف السياسي والديني، ولتعزيز حيادية المدرسة كمؤسسة وطنية. وإذا كانت هناك حاجة إلى تطوير المناهج أو فتح آفاق التفكير، فيجب أن يتم ذلك ضمن رؤية شاملة، تُراعي الأمن الفكري، وتُحصّن المجتمع من أيّ اختراق محتمل، لأن الوقاية خير من العلاج، والتاريخ علّمنا أن التساهل في هذه القضايا قد يُفضي إلى نتائج لا تُحمد عقباها.

8