ساناي تاكايتشي: نسخة يابانية من "المرأة الحديدية"

رسالة: الوصول إلى السلطة ممكن دون التخلي عن القيم المحافظة.
الأربعاء 2025/10/22
من الإعلام إلى القمة السياسية

لندن- في الثمانينات، كنت شاهدا على سنوات صعود مارغريت ثاتشر، “المرأة الحديدية” التي أعادت بريطانيا إلى مكانتها كقوة عظمى بعد سنوات من الركود الاقتصادي. واليوم وأنا أرى اليابانية ساناي تاكايتشي، تصعد لتكون أول رئيسة وزراء أنثى في اليابان، أتساءل هل تكرر ساناي هذه التجربة، لتصبح “المرأة الحديدية” اليابانية وتخرج “النمر الآسيوي” من كبوته ليقفز من جديد نحو الازدهار؟

هذا التساؤل يطرح نفسه اليوم (21 أكتوبر 2025) مع انتخاب تاكايتشي كأول امرأة تتولى المنصب، محطمة سقفًا زجاجيًا في مجتمع محافظ. ليمثل صعودها إلهامًا للتمكين النسائي عالميًا، خاصة في الشرق الأوسط، لكنه اختبار حاسم لقيادتها المحافظة في مواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه اليابان.

ولدت ساناي تاكايتشي عام 1961 في نارا، مدينة تاريخية تعكس جذورها الثقافية العميقة. بدأت مسيرتها كمراسلة إعلامية، تغطي قضايا اقتصادية وسياسية، قبل دخول البرلمان عام 1993 كعضو في حزب الديمقراطيين الليبراليين (LDP) . سرعان ما برزت كصوت محافظ متشدد، مدعومة من الراحل شينزو آبي، الذي كان معلمها السياسي. تاكايتشي ليست مجرد سياسية؛ إنها معجبة بموسيقى الهيفي ميتال، خاصة فرقة Iron Maiden، ما يضيف لمسة شخصية غير تقليدية إلى شخصيتها.

◄ انتخاب ساناي تاكايتشي ليس نهاية الرحلة، بل بداية اختبار لقيادتها. كـ"حديدية يابانية"، قد تغير مسار اليابان كما فعلت ثاتشر مع بريطانيا

في حملتها، تجنبت التركيز على هويتها الجنسية، مركزة على قضايا جوهرية مثل تعزيز الأمن الاقتصادي، مواجهة النفوذ الصيني، وتنظيم السياحة والمهاجرين. هذا النهج يذكرنا بثاتشر، التي رفضت الاعتماد على النسوية، مفضلة السياسات الاقتصادية القاسية. تاكايتشي، مثل ثاتشر، تواجه تحديات داخلية: اقتصاد ياباني يعاني من الشيخوخة السكانية، ديون عامة تصل إلى 250 في المئة من الناتج المحلي، وتكاليف معيشة مرتفعة. في رأيي، نجاحها في التعامل مع هذه يحدد ما إذا كانت قادرة على إعادة إحياء الاقتصاد كما فعلت ثاتشر في بريطانيا الثمانينات، من خلال إصلاحات جريئة.

انتخاب تاكايتشي يأتي في وقت يظل تمثيل النساء ضعيفًا في السياسة اليابانية؛ النساء يشغلن أقل من 10 في المئة من مقاعد البرلمان، وعينت تاكايتشي امرأتين فقط في حكومتها، رغم وعودها بتعزيز التمثيل. هذا التناقض يثير تساؤلات حول التزامها بالمساواة، لكنه لا يقلل من الرمزية التاريخية. في المجتمعات المحافظة مثل اليابان، حيث تظل الأدوار الجنسية التقليدية قوية، يمثل فوزها خطوة نحو كسر الصور النمطية.

في الشرق الأوسط، حيث تواجه النساء حواجز مشابهة، يمكن أن تكون تاكايتشي مصدر إلهام. تخيل امرأة في دولة عربية محافظة ترى فيها نموذجًا: محافظة دينيًا وسياسيًا، تتحدى التقاليد بالوصول إلى القمة دون تنازلات. تاكايتشي، التي تؤيد زيارة معبد ياسوكوني المثير للجدل، تذكرنا بثاتشر التي واجهت انتقادات لسياساتها اليمينية، لكنها غيرت مسار بريطانيا. في رأيي، هذا الانتخاب يبرز أن التمكين النسائي لا يعني الليبرالية؛ يمكن أن يكون محافظًا، ما يوسّع الطيف للنساء في المناطق المحافظة للمشاركة دون خوف من فقدان هويتهن.

رغم الاحتفاء، تواجه تاكايتشي تحديات هائلة. كمحافظة متشددة، تركز سياساتها على تعزيز الدفاع أمام التهديدات الصينية، وتنظيم الهجرة للحفاظ على “الانسجام الاجتماعي.” هذا يشبه ما قامت به ثاتشر في مواجهتها للنقابات وإصلاحاتها القاسية، لكن في سياق ياباني يعاني انكماشًا سكانيًا وتباطؤًا اقتصاديًا.

على الصعيد الدولي، قد يؤثر صعودها على التوازن في آسيا. كمعجبة بآبي، ستستمر في تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة، ما يزيد التوتر مع الصين. في رأيي، هذا يجعلها “ثاتشر عصرها”، قادرة على إعادة تعريف دور اليابان كقوة عظمى، لكنها قد تواجه مقاومة داخلية من اليسار، الذي يراها رجعية في قضايا مثل حقوق المرأة والتنوع.

بالنسبة إلى النساء في الشرق الأوسط، يمثل فوز تاكايتشي رسالة: الوصول إلى السلطة ممكن دون التخلي عن القيم المحافظة. في دول مثل السعودية أو الإمارات، حيث بدأت النساء يتولين مناصب عليا، يمكن أن يكون نموذجًا لدمج التقاليد مع التقدم. ومع ذلك، يجب أن تثبت تاكايتشي التزامها بالمساواة من خلال سياسات حقيقية.

انتخاب ساناي تاكايتشي ليس نهاية الرحلة، بل بداية اختبار لقيادتها. كـ”حديدية يابانية”، قد تغير مسار اليابان كما فعلت ثاتشر مع بريطانيا، مواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية بصلابة. في رأيي، أكبر إرثها سيكون إلهام النساء في المجتمعات المحافظة، من طوكيو إلى الرياض، لتحدي الحواجز دون فقدان هويتهن. هذا الانتخاب يذكرنا بأن التمكين النسائي متعدد الأوجه، قادر على عبور الثقافات، ممهدًا لعصر جديد من القيادات النسائية العالمية.

1