مخرجون سينمائيون شكلوا كادرات أفلامهم من لوحات فنية
لطالما شكلت اللوحات الفنية لأشهر الفنانين التشكيليين مرجعية لمخرجي السينما عبر التاريخ، فكبار مخرجي السينما في العالم كانوا يعودون إليها ليشكلوا منها لقطات مشاهد أفلامهم نتيجة إعجابهم الكبير بها وبتفاصيلها.
كانت هذه اللقطات إعادة إحياء للوحات ورساميها حيث كان مدراء التصوير يعيدون تكوين لقطاتهم بما يشبه عناصرها، ولعل أشهر المخرجين الذين عادوا إلى لوحات فنية واقتبسوا منها هو المخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك في فيلمه الشهير “سايكو” 1960 حيث عاد إلى لوحة إدوارد هوبر “منزل على الطريق” التي صورها عام 1925 وبنى منزلا شبيها بالمنزل الموجود فيها ليكون منزل بطل الفيلم القاتل المضطرب عقليا نورمان.
المخرج وليم فريدكين اتخذ من لوحة “إمبراطورية الضوء” التي صورها رينيه ماغريت عام 1949، مرجعية له، ليكون المنزل الذي يظهر فيها هو منزل الفتاة الممسوسة ليندا في فيلمه “طارد الأرواح الشريرة” الذي صدر عام 1974 حتى أنه وظف نفس إضاءة اللوحة في اللقطة التي يقف فيها القس أمام منزل العائلة قبل الدخول ومشاهدة الفتاة الممسوسة.
أما المخرج الإيطالي بيرناردو بيرتولوتشي فقد اتخذ من معرض للرسام الفرنسي فرنسيس بيكون الذي كان يقام في باريس أثناء تصويره لفيلمه “التانغو الأخير” في باريس عام 1972 مرجعية له فقد أعاد تشكيل ملامح شخصية بول بطل الفيلم من بورتريهات للرسام بدءا من الملابس وألوانها حتى تسريحة الشعر، وأعاد تشكيل لقطات الفيلم من تلك اللوحات حيث اصطحب النجم مارلون براندو إلى المعرض وأراه اللوحات وطلب منه إظهار نفس تعبيرات وجه الشخصية المرسومة أثناء تأدية مشاهده فكان تطابقا كبيرا بين صورة الفيلم ولوحات بيكون.
ويعتبر هذا الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة من أهم اقتباسات السينما من الفن التشكيلي.
أما في القرن الحادي والعشرين فكان الاقتباس الأهم للمخرج الهولندي لارس فون ترير في فيلمه “المنزل الذي بناه جاك” عام 2018، حيث أعاد سينمائيا تشكيل لوحة الرسام الفرنسي الكبير يوجين ديلاكروا “قارب دانتي” التي رسمها دانتي عام 1822. يظهر في اللوحة دانتي برفقة الشاعر الإيطالي الكبير فيرجيل وسط المركب الذي يسير في نهر الجحيم وخلفهم مدينة الموتى تحترق وحولهم أناس من مخلوقات الجحيم يحاولون إغراق المركب فأعاد فون ترير تصويرها سينمائيا بشكل بديع وكان القاتل جاك هو دانتي ويدور حوار فلسفي بينه وبين فيرجيل.
وعاد المخرج سام منديس في فيلمه “الطريق الثوري” عام 2008 إلى لوحة إدوارد هوبر “صباح كيب كود” التي صورها عام 1950 ليصور كيت وينسليت وهي تقف على النافذة.
أما الاقتباس الأشهر من لوحات إدوارد هوبر فكان في فيلم “كارول” الذي عرض عام 2015 للمخرج تود هاينس حيث أعاد تشكيل لوحة هوبر الشهيرة “شوب سوي” التي تعود للعام 1929، حين صور كارول وهي تجلس مع تيريز عاملة المتجر في المقهى.
كانت هذه أشهر الاقتباسات السينمائية عن الفن التشكيلي في تاريخ هذا الفن الذي سبق السينما والتصوير الفوتوغرافي بعدة قرون فكان هو الأساس للصورة ومكوناتها.