"قيمة عاطفية".. فيلم عن التداوي بالسينما
تصدع العلاقة بين الأب وأبنائه وفقدان الروابط العائلية هما الثيمتان الرئيسيتان التي بنيت عليهما قصة الفيلم النرويجي “قيمة عاطفية” للمخرج يواكيم ترير الذي شارك بمهرجان كان الماضي الذي عقد هذا العام ونال جائزة لجنة التحكيم الكبرى وتصفيقا طويلا من الجمهور بعد انتهاء عرضه الأول.
يروي الفيلم قصة المخرج غوستاف بورغ (ستيلان سكاسغارد) الذي يقرر العودة إلى مدينته أوسلو بعد وفاة زوجته الذي انفصل عنها منذ زمن ولديه منها ابنتان نورا وأغنيس، لكنه يعود كي يصنع فيلما جديدا بعد توقفه خمسة عشر عاما عن الإخراج ويقرر إسناد بطولة الفيلم إلى ابنته الممثلة المسرحية نورا (ريناتي رينسف).
يأتي قراره هذا كنوع من التصالح معها وترميم الصدع بينهما بسبب غيابه الطويل عنها عندما كانت تحتاج إليه، فلم يجد أنسب منها لهذا الدور في الفيلم الذي يروي فيه قصة أمه التي انتحرت عندما كان عمره سبع سنوات.
لكن الأمور بين الأب وابنته لا تجري كما يشاء، تبدأ المناكفات والصراعات بينه وبين نورا التي تبحث عن هويتها الشخصية ولا تجد عزاء لها سوى المسرح الذي تكشف في إحدى المشاهد عليه وهي تقف على خشبته صراعاتها الداخلية وعلى العكس من علاقته مع ابنته أغنيس أستاذة التاريخ والباحثة فيه، فهي عكس أختها َتمثل الاتزان والتصالح مع الذات وتكون سندا لأختها في صراعاتها هذه.
تتطور الأمور بين غوستاف ونورا ويزداد الصراع وتسوء العلاقة ويقرر سحب الدور منها في الفيلم وإسناده إلى الممثلة الأميركية راشيل (إيل فانينغ) الأمر الذي يزيد العلاقة تعقيدا مع ابنته نورا.
جاء الفيلم كنوع من التشريح الذاتي لبواطن النفس البشرية وهشاشة العلاقات الأسرية وقد أدى ستيلان سكاسغار دوره ببراعة شديدة فكان الأب المتهكم الذي يلازمه شعور الذنب بسبب غيابه عن بناته كل تلك المدة كما أدت ريناتي رينسف دور نورا ببراعة شديدة وجسدت الصراع الداخلي للشخصية باحترافية كبيرة.
لقد حاول ترير أن يقدم فيلما ضمن الفيلم من خلال قصة المخرج السينمائي الذي يريد أن يصنع فيلما يتشابك مع علاقاته الأسرية، فكان كنوع من التداوي بالفن بينما كانت لغة الفيلم البصرية لغة تقليدية تعتمد على اللقطات العامة والقريبة والمتوسطة في الحوارات كما كان منزل العائلة أحد أبطال الفيلم لما يحمله من ذكريات وحيوات مرت عليه وخصوصا أنه متوارث من الأجداد مع الكاميرا المهتزة في بعض اللقطات، والتي تأتي دلالة على اختلال العلاقة بين الأب وأبنائه فكان أحد الأفلام المميزة التي تركت بصمة في المهرجان.