لغة الحب والترجمة
في الثلاثين من سبتمبر، أيلول وورقه الأصفر كما تغنت به فيروز، نحيي في العالم اليوم الدولي للترجمة، تلك المهنة والموهبة الإبداعية الرائعة التي نقلت إلينا ونقلت عنا درر الآداب والعلوم. فكم من نص أدبي أو قصيدة شعر ترجمت إلينا فكانت نسختها المعربة أكثر انتشارا وجمالية على مستوى اللغة والتركيب؟ وكم من عمل فني أو بحث علمي عربي وجد طريقا سهلا للعقول والقلوب في الغرب والشرق بفضل مترجم أمين، مبدع، ويدرك قيمة رسالته في تطويع حروف اللغة بين يديه؟
الترجمة ليست فقط ترجمة العلوم والفنون، نحن نمارسها كل يوم، نترجم أنفسنا للآخرين بكلمات وأفعال، ويترجم الآخر نفسه إلينا، حتى حين نحب وتحديدا حين نعيش علاقات غرامية بين الجنسين، فنحن ندخل حالة ترجمة دائمة في الزمان والمكان، هل كنت تدرك ذلك؟ وهل أنت حقيقة قادر على فهم لغة الحب، كيف يحبك الآخر؟ أم أنك تحتاج أن يترجم لك محبته إلى لغة تفهمها؟
الأمر ينطبق عليك أيضا، هل تكلم حبيبك بلغتك الأم في الحب وتنتظر أن يترجمها بنفسه؟ أم أنك تترجم مشاعرك إلى اللغة التي يفهمها هو؟
منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، خرج علينا مستشار العلاقات الزوجية غاري تشابمان بكتاب مهم احتوى نظرية أطلق عليها “لغات الحب الخمس” وفيه قال إن لغات الحب تختلف بين البشر، ونحن كي ننشئ علاقات عاطفية مستقرة علينا أن نفهم اللغة التي يحب أن يستقبل بها حبيبنا مشاعر الحب التي نكنها له.
الترجمة ليست فقط ترجمة العلوم والفنون، نحن نمارسها كل يوم، نترجم أنفسنا للآخرين بكلمات وأفعال، ويترجم الآخر نفسه إلينا
ماذا يعني هذا؟ لغات الحب الخمس التي حدّدها تشابمان هي أولا: كلمات التأكيد مثل المدح والتقدير، ثانيا تخصيص الوقت أي قضاء وقت نوعي مع الشريك، ثالثا تلقي الهدايا أي أن يحب المرء الحصول على هدايا حتى وإن كانت رمزية وبسيطة، رابعا تقديم الخدمات أي أن يقوم الحبيب بأفعال تساعد شريكه في العلاقة، وخامس هذه اللغات هي اللمس الجسدي كالاحتضان أو التربيت.
يعتقد تشابمان أن كل شخص لديه “لغة حب” أساسية، والبقية تكون عناصر مثرية لها فقط وإذا لم يتلقَّ الحب بتلك اللغة، فقد يشعر بالإهمال حتى وإن كان الشريك يعبّر عنه بطريقة مختلفة. لذلك، معرفة لغة الحب الأساسية لكل طرف تساعد في بناء علاقة أكثر تفاهمًا وانسجاما. إنها تلك الحلقة التي تشعر الحبيب بأنه مقدر، وحاضر في ذهن شريكه، وإن غابت فَتُرَ بعدها الحب تدريجيا.
وكيف نترجم محبتنا بسهولة ولا تكون الترجمة فعلا ثقيلا علينا؟ نترجمها حين نحاول أن نفهم: ما الذي يجعل الآخر يشعر بأنه محبوب؟ هل هي كلمات التقدير؟ أم الوقت الذي نقضيه معهم؟ أم الأفعال الصغيرة التي تقول أنا هنا من أجلك؟ الحب الحقيقي لا يكتفي بالإحساس، بل يسعى ليُفهَم، ليصل، ليكون واضحًا.
نحن باختصار نُحب كثيرًا، لكن لا يصل حبنا دائمًا، لأنه ربما يُقال بلغة لا يفهمها من نحبهم. وهذه أكبر مشكلات أغلب “الحبّيبة” وإلا لما ظل كتاب غاري تشابمان ترند من التسعينات إلى اليوم.
هناك عبارة شائعة تقول “الحب هو اللعبة الوحيدة التي يشترك فيها اثنان ويكسبان فيها معا أو يخسران معا،” وهو حقيقة أشبه بلعبة، ولتلعب أيّ لعبة بشكل جيد وتكون لاعبا ماهرا وتفوز فيها عليك أن تتعلم قواعدها وتطبقها، كذلك هي لغات الحب، تأتينا كقواعد لهذه اللعبة، من يتعلمها ويتقنها ويمارسها سيعلم جيدا كم هي لعبة ممتعة، ستمنحه علاقات أهدأ وأعمق وأجمل، وستجنبه عناء ترجمة مشاعره كل مرة بالكثير من التعب والإرهاق النفسي والعاطفي والفكري. واليوم، في اليوم العالمي للترجمة، لنضع في بالنا أن الترجمة الأهم ليست من لغة إلى لغة، بل من قلب إلى قلب.