لبنان يراهن على ضغط دولي على إسرائيل لإنجاح خطة سحب سلاح حزب الله

فرنسا تقود مساعي لإعادة ترتيب أولويات لبنان من خلال مقاربة شاملة تتقاطع فيها أبعاد الأمن والسياسة والاقتصاد.
الجمعة 2025/09/12
ملف معقد يستوجب مقاربة شاملة

بيروت - تعكس زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت أمس الخميس، وما رافقها من لقاءات مع القيادات اللبنانية، مسعى فرنسيا وأوروبيا حثيثًا لإعادة تحريك الجمود السياسي والأمني في لبنان، في ظل ما يشبه لحظة مفصلية من تاريخ البلاد المعاصر.

ويقول محللون إنه بين خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح بيد الدولة، ومساعي الحكومة لحشد الدعم الدولي من أجل إعادة الإعمار، تبرز تعقيدات المشهد اللبناني، حيث تتقاطع التحديات السيادية مع الحسابات الإقليمية، وتتشابك ضغوط الداخل مع إملاءات الخارج. وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، خلال لقائه لودريان، أن أي ضغط دولي على إسرائيل لوقف اعتداءاتها من شأنه أن يسهم في تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعها جيش بلاده، والتي حظيت بموافقة مجلس الوزراء.

وقال عون إن الجيش بدأ تنفيذ الخطة الأمنية في منطقة الليطاني جنوب لبنان، بهدف إزالة كل المظاهر المسلحة، إلا “أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية يعيق استكمال انتشار الجيش حتى الحدود الدولية.” وشدد عون على أن ممارسة ضغوط دولية على إسرائيل “ستعزز من قدرة الجيش على تنفيذ مهمته، لا سيما وأنه يقوم بنشر الحواجز ونقاط التفتيش، ولديه أوامر صارمة بمصادرة السلاح غير الشرعي.”

وأعرب عون عن “تطلع بلاده لانعقاد مؤتمري دعم الجيش وإعادة الإعمار،” مؤكدا أن “دعم المؤسسة العسكرية لا يقل أهمية عن إعادة إعمار ما تهدم (جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان)، إذ أن الاستقرار الأمني هو الأساس لأي نهوض اقتصادي.”

وشدد على “تماسك اللبنانيين”، مؤكدا أن “الاختلاف في الرؤى السياسية طبيعي ضمن الأنظمة الديمقراطية، لكن لا أحد يسعى إلى الإخلال بوحدة الموقف الوطني تجاه القضايا المصيرية.” وتعبّر تصريحات عون بوضوح عن إدراك المؤسسة العسكرية لحدود هامشها العملي في الجنوب اللبناني، طالما أن الاحتلال الإسرائيلي ما زال مستمرا على بعض الأراضي، وانتهاكاته لا تجد ردعا دوليا فعّلا.

وبالرغم من إطلاق الخطة الأمنية في منطقة الليطاني، فإن تنفيذها يبقى رهنًا بإرادة دولية لفرض التهدئة على الطرف الإسرائيلي، الذي يواصل خرق اتفاق نوفمبر 2024. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم إلحاح عون على ضرورة الضغط على إسرائيل، ليس فقط لضمان أمن الجنوب، بل لتمكين الجيش من تنفيذ مهمته بنزع السلاح غير الشرعي، في خطوة تنطوي على أبعاد سياسية تتجاوز البعد الأمني.

◙ الرهان على “الاستقرار المشروط” قد لا يصمد طويلا أمام ضغوط الاحتلال من جهة، وتعقيدات التوازنات الداخلية من جهة أخرى

وفي موازاة ذلك، تتبلور في الداخل اللبناني إرادة مؤسساتية – ولو متأخرة – لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما تجلّى في قرارات الحكومة الأخيرة وخطة الجيش المعلنة.

وهذه القرارات، وإن كانت ذات طابع سيادي، إلا أنها تأتي ضمن مناخ دولي ضاغط، يربط أي مساعدة للبنان بمسارات واضحة للإصلاح، سواء على المستوى الأمني أو المالي. وفي هذا السياق، يكتسب الدعم الفرنسي أهمية رمزية وعملية، خصوصا مع تلاقي المصالح الغربية في تحييد لبنان عن التجاذبات الإقليمية، واحتواء تداعيات الحرب الإسرائيلية الممتدة.

لكن رغم النوايا المعلنة، يظل تنفيذ خطة حصر السلاح بيد الدولة محاطًا بجملة من العراقيل الواقعية، لعل أبرزها موقف حزب الله، الذي يرى في سلاحه ضمانة بقاء ومقاومة مشروعة، ويشترط انسحاب إسرائيل ورفع العدوان للإقدام على أي خطوة في هذا الاتجاه.

ويسلط هذا التباين في الرؤية الضوء على الإشكال البنيوي في النظام اللبناني، حيث تتقاطع الشرعيات وتتعدد مصادر القوة، في ظل غياب توافق وطني حاسم حول مفهوم الدولة وأولوياتها. وعلى الجانب الآخر، تبدو الحكومة اللبنانية، برئاسة نواف سلام، واعية بضرورة الجمع بين الأمن والاقتصاد كشرطين متلازمين لأي عملية نهوض حقيقية.

ومن هنا، جاء تأكيده على ثلاثية المؤتمرات المرتقبة: إعادة الإعمار، دعم الجيش، وجذب الاستثمارات، وهي خطوات تسعى إلى كسر حلقة العجز والعقوبات والعزلة. إلا أن هذه المبادرات تظل رهينة قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات ملموسة، لا سيما في القطاعين المالي والقضائي، واستكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي بات بمثابة بوابة العبور لأي دعم دولي.

وتعكس التحركات الدبلوماسية الأخيرة محاولات دولية – تقودها فرنسا – لإعادة ترتيب أولويات لبنان من خلال مقاربة شاملة تتقاطع فيها أبعاد الأمن والسياسة والاقتصاد. غير أن نجاح هذه المقاربة يظل رهينًا بقدرة الداخل اللبناني على تجاوز انقساماته البنيوية، وإعادة ترسيم العلاقة بين الدولة والمكونات المسلحة، ضمن رؤية موحدة للمصلحة الوطنية.

وتشير محللون إلى أن الرهان على “الاستقرار المشروط” قد لا يصمد طويلا أمام ضغوط الاحتلال من جهة، وتعقيدات التوازنات الداخلية من جهة أخرى، ما لم يُرفق بخطة إصلاحية حقيقية وجرأة سياسية تخرج البلاد من دوامة الهشاشة المستمرة.

ومن هذا المنظور، فإن الضغط الدولي – إذا توافر – قد لا يكون فقط شرطًا لتنفيذ الخطة الأمنية، بل قد يتحول إلى عامل حاسم في بلورة تفاهم لبناني داخلي يُخرج البلاد من مأزق ازدواجية السلاح والقرار، بما يفتح الباب أمام مرحلة مختلفة من الحكم والتموضع الإقليمي.

وبعد الحرب الشاملة التي اندلعت بين لبنان وإسرائيل في أواخر عام 2024، وامتدت آثارها لتشمل البنية التحتية في الجنوب والاقتصاد اللبناني المتداعي أصلا، أعيد فتح النقاش بجدية داخل الأوساط السياسية والعسكرية اللبنانية حول مستقبل “المعادلة الثلاثية” (الجيش، الشعب، المقاومة)، التي لطالما استخدمها حزب الله كغطاء سياسي لاستمرار سلاحه. فالمواجهة الأخيرة كشفت هشاشة الوضع الأمني الداخلي، وعدم قدرة الدولة على احتواء تداعيات الحرب أو فرض سيادتها الكاملة على أراضيها، وهو ما دفع أطرافًا دولية – خصوصا فرنسا وألمانيا – إلى الدفع نحو خطة إعادة هيكلة شاملة للمؤسسة العسكرية اللبنانية، من حيث التمويل والتدريب والتسليح.

6