عباس يرسم خارطة الطريق.. وترامب يواجه اختبار الشراكة العربية

هناك حقيقة يجب التمسك بها فلسطينيًا قبل أي شيء آخر: إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لن تستطيع إدارة ظهرها لدول عربية وازنة في الساحة الدولية وحليفة لها في منطقة الشرق الأوسط.
الجمعة 2025/09/26
نافذة دبلوماسية نادرة فتحت أمام قادة العرب

قدّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابًا سياسيًا أمام المؤتمر الدولي من أجل التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، يؤسس لأرضية دبلوماسية متكاملة تنطلق منها أطراف وازنة في المجتمع الدولي عبر التزام فلسطيني واضح بخطوات إصلاحية ملموسة داخل هياكل السلطة الفلسطينية، لتكون مسارًا نحو دولة متجسدة على الأرض بقوة القانون، مما يسحب الذرائع من أصحاب الميليشيات والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في سبيل أن ينعم الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره؛ سواءً بالوجود على أرضه أو بتحقيق السلام من خلال إقامة دولته المستقلة بجانب دولة إسرائيل.

الالتزامات التي عبّر عنها الرئيس عباس مثلت خارطة طريق عربية شاملة، سبقت اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة دول عربية وإسلامية (السعودية، الأردن، مصر، الإمارات، تركيا، قطر، إندونيسيا، وباكستان)، وهو ما منح قادة هذه الدول ورقة ضغط فرغت العقبات الأمريكية من مضمونها؛ من خلال إيجاد أبعاد سياسية وإستراتيجية مشتركة تصب في نهاية الزخم الدبلوماسي الحالي بالدفع لتحقيق إرادة الشعب الفلسطيني، ودعم حقوقه المشروعة وفق قرارات الشرعية الدولية وصولًا إلى سلام حقيقي بين شعوب المنطقة.

الالتزامات السياسية الفلسطينية تمثل خارطة طريق عربية شاملة تمنح القادة ورقة ضغط مشتركة وتفتح أفقًا جديدًا لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية وصولًا لسلام حقيقي

هناك حقيقة يجب التمسك بها فلسطينيًا قبل أي شيء آخر: إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لن تستطيع إدارة ظهرها لدول عربية وازنة في الساحة الدولية، حليفة لها في منطقة الشرق الأوسط أو في القارة الأوروبية، فقط من أجل إرضاء حكومة يمينية إسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، لم يتبقَّ من عمرها في سدة حكم تل أبيب سوى أقل من عام. ولن تستطيع إدارة ترامب الذهاب نحو تنفيذ مشاريع سياسية دون شراكة حقيقية مع دول المنطقة ضمن رؤية سياسية واقعية تحقق السلم والأمن والاستقرار، تسعى إليها الولايات المتحدة من منظور الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط.

ما سبق ينطبق أيضًا، بشكل أو بآخر، على بنيامين نتنياهو؛ الذي يدرك في هذه اللحظات أن المقامرة بعلاقات دولة إسرائيل مع دول العالم سيكون الثمن لإرضاء أقطاب حكومته اليمينية المتطرفة. فالعالم ليس الولايات المتحدة فقط، وهو ما يضعه وائتلافه الحكومي أمام واقع موجة الاعترافات المتلاحقة بالدولة الفلسطينية وما تمثله من تصحيح لمسار التاريخ والصراع، وفشل لمشاريع التصفية ومحاولات إزاحة القضية الفلسطينية، وفق نهج ومنطق كرّسا قوة العلاقات الدولية ودبلوماسيتها التي استوعبت كلمات كافة قادة الدول المشاركة في المؤتمر الدولي على منبر الأمم المتحدة، ولم تستطع واشنطن منعه أو عرقلته.

مجدّدًا، وضوح معطيات الالتزامات السياسية الفلسطينية يخلق هامشًا لتعديل رؤى وصفقات أمريكية طُرحت سابقًا، خاصة وأن التعويل على تقدم سياسي مكتسب من قبل إدارة الرئيس ترامب في فترة ولايته الرئاسية الثانية، بعد أن أنتج الصراع في الشرق الأوسط معادلات سياسية أنهت مشاريع ومحاور إقليمية. فالحديث الآن يدور حول “مبادئ” ينطلق منها ترامب بالتوافق مع أطراف عربية وإسلامية لإنهاء الحرب على غزة، والمتركزة في جوانبها على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، وإنهاء الحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وخطة شاملة بشأن “اليوم التالي” تمنح السلطة الوطنية الفلسطينية دورًا في القطاع.

توظيف لقاء الرئيس ترامب مع قادة ثماني دول عربية وإسلامية سيوفر فرصة ذهبية كانت مفقودة منذ ما يقارب عقدين، لكسر جمود عانت منه القضية الفلسطينية بسبب انغلاق أفق أيديولوجيات يمينية (ميليشيات وأنظمة حكم) عاثت بمصائر الشعوب بمزيد من الحرب والدمار، من أجل تحقيق أوهام وجودية أو توسعية لن تشكّل شرق أوسط جديد.

7