من يملك قرار الاستسلام داخل "حماس"!

السؤال المطروح اليوم على طاولة الصراع: ما هي مرجعية حماس السياسية والتنظيمية لصناعة قرار متكامل الأركان يعالج حجم الواقع الكارثي في قطاع غزة.
الخميس 2025/09/18
من يملك الشجاعة لوقف المأساة

وفق تقديرات أمنية وعسكرية غير رسمية، لم يتبقَّ من الرهائن الإسرائيليين الأحياء سوى 14 رهينة، مع بدء اشتداد القصف الإسرائيلي على مدينة غزة تمهيدًا لإعادة احتلالها بمسار عسكري بطيء التحرك، يضع مصير أكثر من ربع مليون مواطن فلسطيني في المدينة على مقصلة خيارين لا ثالث لهما: موت محقق أو جوع سينهش كخلايا سرطانية في أجساد من سيبقى على قيد الحياة ليشهد مآسي ما سيجري.

أمام استمرار عبث مقاربات حركة حماس السياسية، التي ترى في الهجوم البري العسكري الإسرائيلي على مدينة غزة ضغطا تكتيكيا تفاوضيا يقوده بنيامين نتنياهو بالتعاون مع الطرف الأميركي، يتضح استغلاق مشهد آلية اتخاذ القرارات المصيرية داخل الحركة، بالنظر إلى نتائج عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي طالت أكثر من ستين قياديًا من الصفين الأول والثاني من جهة، ومن جهة أخرى قادة ألوية عسكرية، مما تسبب في فجوة تنظيمية داخل الحركة بين قيادتها السياسية والعسكرية، فضلا عن فجوة أخرى كانت موجودة قبل السابع من أكتوبر بين قيادتها السياسية في غزة والخارج.

السؤال المطروح اليوم على طاولة الصراع: ما هي مرجعية حماس السياسية والتنظيمية لصناعة قرار متكامل الأركان يعالج حجم الواقع الكارثي في قطاع غزة، خاصة في ظل إبقاء الغموض حول مصير مجلس إدارة مكتبها السياسي بعد القصف الإسرائيلي على مقر اجتماعهم الأخير في العاصمة القطرية الدوحة؟

هل هناك قائد داخل حماس يمتلك القدرة على وقف الحرب، واتخاذ قرار تسليم الرهائن أو سلاح الحركة، والإعلان عن الانسحاب النهائي من حكم القطاع؟

قرار حماس المبعثر بين تحالفاتها الإقليمية في طهران والدوحة وأنقرة، وخلفيتها وارتباطها الأيديولوجي بالعقيدة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، أثر ذلك مجتمعا على تياراتها وأجنحتها المتنافسة فيما بينها والمتصارعة للاستحواذ على بقايا مملكة الحركة، التي باتت ـ من دون أدنى مواربة ـ منقسمة على عروشها.

بتجاوز كافة حسابات أجندات محاورها الإقليمية، على حماس ورواسب دوائرها التنظيمية امتلاك القدرة الوطنية على اتخاذ قرار الاستسلام الآن، وهنا تكمن المعضلة.

هل هناك قائد داخل حماس يمتلك القدرة على وقف الحرب، واتخاذ قرار تسليم الرهائن أو سلاح الحركة، والإعلان عن الانسحاب النهائي من حكم القطاع؟ وهل هناك توجه سياسي بالأساس داخل حماس لكل ما سبق؟

المنطقة، وفي مقدمتها أنصار حماس وحلفاؤها، أمام حقيقة قالها بنيامين نتنياهو بعد اغتيال الناطق الرسمي باسم كتائب الحركة: “يبدو أنه لا يوجد أحد في حماس ليعلق على الحدث”. وبعد ما جرى مؤخرا في الدوحة، من جرأة إسرائيلية غير مسبوقة بقصف مقر حماس، أضحى جليا أن ما تبقى من قادة الحركة محصور في الابتعاد عن أي ظهور علني.

عنوان أزمة القيادة داخل حماس لم يعد مجرد تنظير أو تحليل سياسي، فاغتيال صالح العاروري مهّد لزاهر جبارين الصعود لاستلام موقعه داخل الحركة، تمامًا كما مهّد اغتيال إسماعيل هنية لخليل الحية كرسيًا في مجلس إدارة مكتبها السياسي. وكذلك الأمر بالنسبة لاغتيال محمد الضيف، ومن ثم يحيى السنوار، ومن ثم محمد السنوار، إذ مهّد الطريق لعزالدين حداد ليتبوأ قيادة الحركة في غزة. كل هذه المجريات أربكت صفوف الحركة التي عصفت بها دوامة فوضى طموحات من صعد حديثا فيها، ساعيا لإثبات سطوته ونفوذه داخلها أمام رعاتها الإقليميين.

مستويات الإفلاس السياسي داخل حماس، بعد انقشاع غبار الاستهداف الإسرائيلي للعاصمة القطرية الدوحة، ستؤثر حتما على صورة مستقبل من سيتحكم بقرار الحركة، التي تتجه نحو احتمالية التشظي إلى حركات تتبع كلّ منها أفلاك ومدارات طهران أو أنقرة أو الدوحة.

7