دولة لجان التحقيق

بعد أيام أو أسابيع أو بضعة أشهر يقضيها المتهم في السهر والسمر يعود إلى وطنه الرحيم ليصبح وزيرا أو سفيرا أو رئيس حزب أو يكتفي بأن يصبح رفيق وزير أو مسامر زعيم.
الأربعاء 2025/08/27
أعلى ما بخيلكم اركبوه

عند وقوع أيّ جريمة اغتيال، أو اختلاس، أو تزوير، أو تهريب نفط أو أموال أو مخدرات، تسارع الحكومة لتشكيل لجنة للتحقيق، ثم يزور رئيس الوزراء موقع الجريمة، ويعرج على منزل أسرة المغدور ويقسم لها بشرف أمه وأبيه على أن حقهما لن يضيع.

وفي أسبوع، أو بالكثير، أسبوعين، تحفظ أوراق القضية في علبة مختومة ومربوطة بشريط حريري أحمر، وتُصفُّ إلى جانب رفيقاتها المحفوظات السابقات على الرفوف العالية، ولا يعود ذوو القتيل، ولا أهل القاتل، يسمعون شيئا عن التحقيق ولا عن النتيجة.

وتضج الصحف والإذاعات والفضائيات ومواقع التواصل بأقوى أنواع الشكوى، والاستهجان، والاحتجاج، وتطالب بكشف المستور.

ثم حين لا تهتز شوارب الحكومة، تبدأ هذه الصحف والإذاعات والفضائيات ومواقع التواصل بإطلاق أشد عبارات الوعيد، والتهديد بانتفاضة “أقمش” من انتفاضة تشرين 2019 إذا لم تحترم الحكومة رأي الرعية، وإذا لم تعلن نتيجة التحقيق، وإذا لم يحاكم المتهم علنيا، وإذا لم يسجن أو يعلق على مشنقة صدام حسين.

وهنا ترد الحكومة، فتطلق سراح المتهم، حتى لو اعترف بارتكابه الجريمة، وتأمر بتوديعه في المطار بالحفاوة والتكريم، ثم يصل بالسلامة إلى دبي، أو طهران، أو بيروت المقاومة ووحدة الساحات، طبعا قبل نكبة البرامكة على يد هارون الرشيد اليهودي.

وبعد أيام، أو أسابيع، أو بضعة أشهر يقضيها في السهر والسمر والقمار، يعود إلى وطنه الرحيم، ليصبح وزيرا، أو سفيرا، أو رئيس حزب أو ميليشيا، أو يكتفي بأن يصبح رفيق وزير أو مسامر زعيم، يسهّل له الصفقات، ويحرّر لحسابه السجناء والسجينات، ويهدد القضاة، ويزوّر لأبنائه الشهادات.

هنا يفقد الغاضبون الصبر، فيتحدَّوْن الحكومة، ويملأون الشوارع والساحات، شاهرين لافتات، مكتوبا عليها بالدم والدموع، (الشعب يريد إسقاط النظام).

عندئذٍ يخرج لهم الناطق الرسمي باسم الحكومة، مبتسما، على الفضائيات، ليقول لهم: طز، أعلى ما بخيلكم اركبوه.

9