حقبة جديدة من التعاون الإقليمي – الدولي لإعمار سوريا تلوح في الأفق

الدعم المالي والتقني من تركيا وقطر والولايات المتحدة يمثل عاملا حيويا للنجاح.
الثلاثاء 2025/09/30
القادم أفضل

سوريا تدخل مرحلة جديدة من إعادة الإعمار بعد سنوات من النزاع، مع تزايد دور التحالفات الإقليمية والدولية في دعم الاقتصاد والبنية التحتية واستقرار البلاد. وتبرز هذه المرحلة كفرصة لإعادة بناء الدولة وتعزيز استقرارها، في ظل شراكات إستراتيجية بين تركيا وقطر والولايات المتحدة.

دمشق - تلوح في الأفق مرحلة جديدة في تاريخ سوريا الحديث، تتميز بانخراط واسع للتحالفات الإقليمية والدولية في عملية إعادة الإعمار، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية التي أدت إلى تدمير هائل للبنية التحتية وفقدان الملايين من الوظائف ونزوح مئات الآلاف من السكان.

وتشكل هذه المرحلة فرصة فريدة لسوريا لإعادة بناء اقتصادها، وتعزيز استقرارها السياسي، واستعادة دورها الإقليمي، في ظل مشاركة فاعلة لكل من تركيا وقطر والولايات المتحدة، بالإضافة إلى شركاء عرب وأوروبيين آخرين.

وتبرز تركيا، باعتبارها الجار الأقرب والأكثر تأثيرا، كلاعب محوري في هذه العملية، مستفيدة من موقعها الجغرافي، وخبرتها الطويلة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى، وعلاقاتها الاقتصادية والسياسية التاريخية مع سوريا.

وقد بدأت أنقرة منذ سقوط نظام بشار الأسد بإعادة بناء علاقاتها التجارية مع دمشق، ما انعكس في زيادة الصادرات التركية إلى سوريا بنسبة 54 في المئة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، لتصل إلى نحو 2.2 مليار دولار، وهو مؤشر على تعافي النشاط التجاري التركي – السوري بعد سنوات من التراجع بسبب النزاع.

وتتمثل القطاعات الأكثر نشاطا في صناعة المعدات والآلات، والإسمنت، والسلع الاستهلاكية، حيث ارتفعت صادرات الآلات وحدها بنسبة 244 في المئة، ما يعكس تركيز تركيا على القطاعات الحيوية التي يمكن أن تسرّع من عملية إعادة الإعمار وتحفيز الاقتصاد المحلي.

الولايات المتحدة ترى في إعادة الإعمار فرصة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة

وأما قطر، فتستثمر بشكل مكثف في إعادة إعمار سوريا من خلال توفير التمويل اللازم، وتنسيق الجهود الاستثمارية مع تركيا والشركاء العرب، وإقامة قواعد لوجستية لدعم عمليات النقل والتجارة من جنوب تركيا إلى الداخل السوري.

وقد تعهدت الشركات التركية – القطرية، بالتعاون مع شركاء عرب، بتخصيص 14 مليار دولار لمشاريع التنمية الحضرية وخلق 200 ألف فرصة عمل، بما في ذلك إعادة بناء مطار دمشق الدولي، وتطوير شبكات الطرق والكهرباء، وإنشاء وحدات سكنية ومرافق عامة.

ويُظهر هذا التوجه رغبة قطر في توسيع حضورها الاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع، واستثمار الموارد المالية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في سوريا.

ويشير الدكتور جوناثان غارياني، الباحث في معهد دايان، إلى أن “التحالف التركي – القطري يعكس تحولا إستراتيجيا في المنطقة، حيث يسعى البلدان لتعزيز نفوذهما الاقتصادي والسياسي في مرحلة ما بعد الأسد، من خلال مشاريع البنية التحتية والطاقة، وتوفير فرص عمل كبيرة للسكان المحليين.”

ويؤكد الخبير الاقتصادي آرون زيلين من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن الدعم المالي والتقني من تركيا وقطر يمثل عاملا حيويا لإنجاح مرحلة إعادة الإعمار، مع إبقاء دمشق لاعبًا مستقلا قادرا على صياغة سياساتها الدفاعية والخارجية والإقليمية.

وعلى الجانب الأميركي، تركز الولايات المتحدة على دعم مشاريع الطاقة والأمن، مع تقديم الخبرة الفنية والدعم السياسي دون الانخراط المباشر في الإدارة اليومية للمشاريع الاقتصادية.

وقد انعكس هذا التعاون في توقيع صفقة طاقة بقيمة 7 مليارات دولار في مايو 2025، تشمل بناء أربع محطات غاز مركبة الدورة بقدرة 4000 ميغاواط، ومشروع طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغاواط، يُتوقع أن يغطي أكثر من نصف احتياجات سوريا من الكهرباء عند اكتماله.

ويشير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) إلى أن الولايات المتحدة ترى في إعادة الإعمار فرصة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة، مع الحفاظ على مصالحها الأمنية، ما يعكس جدوى التنسيق الثلاثي بين تركيا وقطر والولايات المتحدة في إدارة مرحلة ما بعد النزاع.

دمج الشراكات يعزز فرص النجاح ويحسّن بيئة الاستثمار واستعادة الثقة في الاقتصاد السوري

وقد شهدت التجارة الثنائية بين تركيا وسوريا نموًا ملموسًا، حيث بلغت 1.9 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025، مع هيمنة السلع التركية على الأسواق السورية نتيجة الأسعار التنافسية والجودة والكفاءة اللوجستية.

ويبرز القطاع الخاص التركي كحامل رئيسي لمشاريع إعادة الإعمار، حيث تسعى شركات مثل Kalyon وCengiz وTAV للاستثمار في قطاع البنية التحتية، بينما تعمل بنوك مثل DenizBank على توسيع عمليات التمويل، وتسعى شركات الطيران مثل Sun Express للاستثمار في النقل الجوي.

ويُظهر هذا النشاط التجاري قدرة التحالفات الإقليمية والدولية على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي المباشر، ما يعزز فرص النجاح طويل الأمد.

ومن الناحية الإستراتيجية، يمثل التعاون التركي – القطري – الأميركي نموذجا فريدا لإعادة الإعمار بعد الصراع، يقوم على مشاركة الموارد والخبرات، وتوزيع المسؤوليات، مع الحفاظ على استقلالية الدولة السورية.

ويتيح هذا النموذج للدول المشاركة تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية، في حين يمنح سوريا الفرصة لتصبح جسرا إقليميا للتجارة والتعاون بين العالم العربي وتركيا، ويعزز من قدرتها على صياغة سياساتها الدفاعية والخارجية بشكل مستقل.

ومع ذلك، تواجه هذه الحقبة الجديدة تحديات كبيرة، من أبرزها محدودية التمويل الداخلي، والقيود الاقتصادية التركية، والأوضاع الأمنية غير المستقرة في مناطق عدة، بالإضافة إلى المخاطر السياسية المرتبطة بالديناميكيات الإقليمية المعقدة، بما في ذلك وجود جماعات مسلحة وفصائل محلية قد تعيق تنفيذ المشاريع.

تركيا تبرز كلاعب محوري في هذه العملية، مستفيدة من موقعها الجغرافي، وخبرتها الطويلة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى

ويُظهر تحليل المخاطر أن النجاح في إعادة الإعمار يعتمد على قدرة التحالفات على تنسيق جهودها، وضمان الأمن المحلي، ومتابعة التمويل، وتنفيذ المشاريع بشكل مستدام ومتسق مع السياسات المحلية.

ويشير الخبراء إلى أن دمج الشراكات الإقليمية والدولية يعزز فرص النجاح، حيث يمكن لتركيا وقطر والولايات المتحدة توفير التمويل والخبرة الفنية، في حين تساهم الدول العربية الأخرى والقطاع الخاص المحلي في دعم البنية التحتية والخدمات الأساسية، ما يؤدي إلى تحسين بيئة الاستثمار واستعادة الثقة في الاقتصاد السوري.

ويعتبر هذا النهج نموذجا متقدما في إدارة إعادة الإعمار بعد النزاع، حيث يُركز على التنمية المستدامة، وتحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والسياسية للدول المشاركة، وتعزيز دور سوريا كفاعل مستقل في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك أهمية كبرى لعودة اللاجئين السوريين، حيث أظهرت الإحصاءات أن حوالي نصف مليون سوري عادوا إلى بلدهم منذ ديسمبر 2024، وهو مؤشر إيجابي على تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في المناطق المستقرة.

وتؤكد آراء الخبراء أن تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال إعادة الإعمار سيزيد من فرص العودة المستدامة للاجئين، ويعزز التماسك الاجتماعي ويقلل من المخاطر الأمنية على المدى الطويل.

وتشمل مشاريع إعادة الإعمار المقررة تحديث شبكات الكهرباء والمياه، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات، وتحسين البنية التحتية للطرق والمطارات والموانئ، ما يجعل سوريا أكثر جذبًا للاستثمار الإقليمي والدولي.

وفي هذا الإطار، يعد إنشاء خط أنابيب الغاز كيلس – حلب وتوفير 900 ميغاواط من الكهرباء بحلول 2026، إلى جانب المشاريع السكنية والصناعية، مؤشرات واضحة على الطموح الكبير لتحويل سوريا إلى مركز اقتصادي إقليمي متكامل.

ويبرز في هذا السياق أن التعاون بين تركيا وقطر والولايات المتحدة يعكس إدراكًا متقدمًا لأهمية التوازن بين المصالح الإقليمية والدولية، إذ تسعى تركيا لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي، بينما توفر قطر التمويل والخبرة الإدارية، وتقدم الولايات المتحدة الدعم الفني والسياسي.

ويؤكد الخبراء أن هذا التنسيق يعزز قدرة التحالفات على مواجهة التحديات الأمنية والمالية والسياسية، ويضع أساسًا متينًا لتحقيق تنمية مستدامة واستقرار طويل الأمد في سوريا.

ويشكل هذا التعاون نموذجا عمليا لإعادة إعمار دولة ما بعد النزاع، حيث تجمع الجهود بين التمويل والخبرة الفنية والمبادرات الاقتصادية والسياسية، بما يضمن استقرار سوريا وتحويلها إلى لاعب مستقل وجسر للتكامل الإقليمي.

3