حان الوقت لتوحيد شمال شرق سوريا مع بقية البلاد

لا حاجة للحل الكامل: خطوات عملية لبناء الثقة قبل أي تسوية شاملة بين الأكراد ودمشق.
الخميس 2025/10/09
الوحدة طريق التنمية والاستقرار

على الرغم من الاتفاقات السابقة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، لا يزال تنفيذ خارطة الطريق المؤدية إلى دمج الشمال الشرقي مع بقية البلاد متعثرا، ما يهدد المشروع الوطني لما بعد الأسد.

دمشق- ما زالت التأخيرات المستمرة في تنفيذ اتفاقيات الدمج بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد تهدد بإفشال المشروع الوطني لما بعد نظام بشار الأسد، لكن الأكراد ودمشق ليسوا مضطرين لحل جميع القضايا الجوهرية دفعة واحدة، بل يكفي اتخاذ خطوات محددة وواضحة لبناء الثقة بشكل عاجل.

وبينما تواصل الحكومة الانتقالية في دمشق كسب الدعم الدولي، لم يتم بعد تنفيذ خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في مارس الماضي مع قسد لدمج شمال شرق البلاد.

وأعربت الولايات المتحدة عن إحباطها من هذا التأخير، جزئيًا بسبب توقف خطة إدارة الرئيس دونالد ترامب لانسحاب القوات الأميركية من سوريا خشية على استقرار البلاد.

وللمساعدة في كسر هذا الجمود، زار المبعوث الأميركي الخاص توم باراك وقائد القيادة المركزية الأميرال براد كوبر شمال شرق سوريا ودمشق قبل تسهيل اجتماع بين الطرفين عقد الثلاثاء 7 أكتوبر، مما أدى إلى تصريحات إيجابية من واشنطن ومسؤولين أكراد.

ومع ذلك، فإن اندلاع القتال بين قوات الأمن الكردية المحلية والقوات الحكومية في حلب، رغم انتهائه خلال أربع وعشرين ساعة، يبرز المخاطر التي تواجه تنفيذ خارطة الطريق.

ويرى الباحثان جيمس جيفري و ديفورا مارغولين في تقرير نشره معهد واشنطن أن رفاهية وثروة سوريا ومستقبل شعبها يعتمد على دمج شمال شرق البلاد بشكل سلمي.

ولهذا الغرض، يجب على المسؤولين الأميركيين حث الأطراف على اتخاذ خطوات عاجلة لخفض التوترات المتصاعدة وبناء الثقة المتبادلة بشأن حل الخلافات الأوسع التي أعاقت التقدم منذ شهور.

ولإطلاق هذه العملية، يجب أن تبدأ الأكراد أولًا بخطوات بناء الثقة المناسبة بحيث يمكن لدمشق أن تستجيب بمثلها.

ومن المهم أن هذه الخطوات الأولية لا تتطلب تقديم تنازلات جوهرية بشأن مسائل الأمن والإدارة المحلية والقضايا الثقافية.

وفي الوقت الحالي، يحتاج الأكراد بشكل أساسي إلى الاعتراف بسيادة الحكومة المركزية على كامل سوريا لأسباب عدة.

واشنطن ترى أن الوقت قد حان لتوحيد سوريا، مع الاعتراف بالمخاوف المتعلقة بالعنف ضد الأقليات واللغة المحلية وحقوق الأديان

وأوضح الرئيس السوري أحمد الشرع خلال اجتماعه في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي أن توحيد أراضي سوريا هو أولويته القصوى إلى جانب رفع العقوبات الدولية بالكامل.

وحظيت مداخلته في الأمم المتحدة بتصويت ثقة استثنائي من الممثلين الدوليين في نيويورك، بما في ذلك مصافحة الرئيس ترامب وتعليقات إيجابية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول احتمال التوصل لاتفاق ثنائي مستقبلي.

لكن المخاوف لا تزال قائمة، خصوصًا لأن دمشق بطيئة في الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش أو معالجة القضايا الحيوية لما بعد الأسد مثل المساءلة والأمن والشمولية.

ولكي تصبح سوريا عضوًا كاملًا في المجتمع الدولي، عليها أكثر من مجرد كسب ود الدبلوماسيين الأجانب؛ يجب أن تؤمن الاستقرار وتحسن الإدارة في بلد طويلًا مقسمًا بين مناطق نفوذ متعددة.

ويبدو أن الأقليات السورية أقل اقتناعًا بقدرة الشرع على توحيد البلاد وإدارتها. ومع ذلك، فإن معظم هذه الأقليات لا تشكل تهديدًا وجوديًا للوحدة الوطنية أو الاستقرار الداخلي.

وعلى سبيل المثال، الدروز مهمون للعلاقات المستقبلية مع إسرائيل، لكن صغر أعدادهم وتوزعهم الجغرافي يجعل دمجهم ليس قضية عاجلة. وأيضًا قضايا العلويين أقل إلحاحًا، على الرغم من العنف المقلق المرتكب من وإلى هذه المجموعة، فهم لا يسيطرون على الأراضي أو المؤسسات الحكومية أو القوات المنظمة.

ولذلك، فإن الشاغل الرئيسي للمسؤولين السوريين الساعين لتعزيز الوحدة والاستقرار هو شمال شرق سوريا الذي يسيطر عليه الأكراد، ويضم معظم احتياطيات الهيدروكربونات في البلاد، ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وأكثر من 10 في المئة من السكان، بما في ذلك خليط من الأكراد والعرب وغيرهم.

ويعد مكافحة الإرهاب أيضًا جانبًا حيويًا من “مشكلة الشمال الشرقي”. ففي السنوات التي ارتفع فيها تنظيم داعش وتفككت سيطرة النظام على سوريا، برزت قسد كشريك مهم في التحالف الدولي لمكافحة التنظيمات الجهادية.

واليوم، تظل هذه القوات الأكثر فاعلية في مواجهة بقايا داعش، متحالفة مع وجود أميركي صغير لكنه ضروري على الأرض، كما أنها تشرف على السجون والمخيمات التي تحتجز عشرات الآلاف من عناصر التنظيم وعائلاتهم.

وفي الوقت نفسه، حافظت القيادة السياسية للقوات الديمقراطية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا على روابط مقلقة مع حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيًا من تركيا.

وعلى الرغم من أن الحزب يسعى حاليًا لتنفيذ وقف دائم لإطلاق النار مع أنقرة، ترى الحكومة التركية أن رفض قسد تفكيك أسلحتها أو الاندماج في الجيش السوري يمثل تهديدًا محتملاً للعملية.

وإضافة لذلك، تعتبر أنقرة وجود هذه القوات على الحدود تهديدًا أمنيًا نظرًا لخبرتها القتالية وعدد مقاتليها المقدر بـ100 ألف، حتى أن تجنب القتال مع تركيا خارج الدفاع عن النفس لم يغير هذا الانطباع.

ومنذ الإعلان عن خارطة الطريق في مارس، اتبعت أنقرة سياسة “الانتظار والمراقبة”، تاركة للشرع قيادة الملف بينما تضغط عليه لاتخاذ موقف صارم مع الأكراد.

وأكد المسؤولون الأكراد مرارًا جاهزيتهم لتنفيذ خارطة الطريق، مشيرين إلى اجتماعات متعددة على مستوى الوزراء مع المسؤولين الحكوميين المركزيين، إلا أن أي تقدم فعلي لم يحدث.

ويشير الأكراد إلى العنف ضد الأقليات الأخرى بعد الأسد، وضغوط تركيا على دمشق، وقرارات حكومية تُعتبر تمييزية ضد الأقليات كأسباب للتأخير، كما أن الفروق العميقة في قيمهم بشأن العلمانية والاشتراكية والمساواة بين الجنسين تجعلهم مترددين في قبول مستقبل وطني غير مؤكد.

وترى الولايات المتحدة أن الوقت قد حان لتوحيد سوريا، مع الاعتراف بالمخاوف المتعلقة بالعنف ضد الأقليات واللغة المحلية وحقوق الأديان.

ومن الخطوات المقترحة حث الأكراد على إزالة القوات غير السورية، مثل عناصر حزب العمال الكردستاني، من شمال شرق البلاد، وتوثيق الاتفاقات غير الرسمية مع دمشق بشأن النفط، وتسليم المعابر الحدودية للحكومة المركزية مع ضمان استمرار تدفق الإمدادات الأميركية، وتسريع مفاوضات تسليم محافظة دير الزور إلى دمشق.

وفي المقابل، يجب على دمشق اتخاذ خطوات فورية لتخفيف المخاوف الكردية والدولية، بما يشمل التعليم والأمن والحكم الشامل، والاعتراف بالدور المهم لقسد في مكافحة داعش وإدارة السجون والمخيمات الدولية. كما يجب على سوريا الانضمام رسميًا للتحالف الدولي ضد داعش والمشاركة في برامج تدريب وانتقالية مشتركة مع القوات الديمقراطية تحت إشراف أميركي لضمان قدراتها العملية على تنفيذ هذه المهام.

ويقول الباحثان إن توحيد سوريا سيجعلها أقل عرضة لتأثيرات إيران وتنظيم داعش، وسيعزز الاستقرار الداخلي، ويتيح دمج الشمال الشرقي ضمن الدولة السورية بشكل سلمي وفعال، بما يضمن مستقبلًا أفضل لشعبها وأمنًا مستدامًا للمنطقة بأكملها.

3