ترامب ونتنياهو في مواجهة إيران وغزة: وحدة عسكرية وخلافات إستراتيجية

الانقسام يمنح إيران فرصة للتعافي دون دفع أثمان كبيرة.
الخميس 2025/07/10
الاختلافات لا تعني بالضرورة التصدع

في مشهد يعكس تقاطعات المصالح وتباين الإستراتيجيات، اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على نشوة انتصار مؤقت ضد إيران، عقب الغارات التي استهدفت بنيتها التحتية النووية. لكن خلف مظاهر التوافق العلني، يكمن خلاف عميق حول الوسائل والأهداف، سواء في التعامل مع طهران أو في إدارة ملف غزة.

واشنطن - رغم ما بدا عليه اللقاء الرسمي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين من تناغم عسكري، يكشف الواقع خلف الكواليس عن خلافات إستراتيجية جوهرية في ما يتعلق بأهداف واشنطن وتل أبيب، لاسيما تجاه الملفات الإيرانية والفلسطينية.

ونجح الطرفان في تنفيذ غارات موجعة ضد البنية التحتية النووية الإيرانية، لكن الهدف القادم لا يزال موضع نزاع: دبلوماسية مقيدة من جانب واشنطن أم حسم كامل من جانب تل أبيب؟

ويرى ترامب أن الضربات حققت غايتها الأساسية، وهي توجيه رسالة ردع قوية لطهران، ما يمهّد الطريق لممارسة ضغوط دبلوماسية إضافية من أجل الوصول إلى اتفاق نووي جديد.

ويؤكد المقربون منه أن أولويته الآن تتركز على منع إيران من إنتاج سلاح نووي وليس تغيير النظام أو تفكيك الدولة. بل ذهب إلى حد التصريح برغبته في رفع العقوبات “في وقت ما”، في إشارة إلى انفتاحه على تسوية قد تشمل حوافز اقتصادية لطهران.

وتأتي هذه المقاربة في سياق أوسع يعكس رغبة ترامب في تحقيق مكاسب رمزية كـ”صانع اتفاقات”، وهو لقب حاول أن يثبّته في فترته الأولى عبر اتفاقيات التطبيع في الشرق الأوسط. غير أن هذا المسار البراغماتي لا يحظى بأي قبول من جانب نتنياهو، الذي يبدو مقتنعًا بأن إيران لا يمكن احتواؤها إلا عبر استخدام القوة وفرض وقائع ميدانية، وليس عبر طاولة المفاوضات.

ووفق مصدر مطّلع على تفكيره، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد تطبيق “نموذج ليبيا” على إيران، بما يشمل التفكيك الكامل لبرنامجها النووي والصاروخي، تحت رقابة صارمة، مع حظر أي نشاط تخصيب، حتى لو كان لأغراض مدنية.

الخلاف الإستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب لا يقتصر على إيران، بل يمتد إلى ملف غزة الذي يُنظر إليه من قبل الطرفين كجزء من شبكة النفوذ الإيراني

ويضيف المصدر أن نتنياهو يعتبر العودة إلى المحادثات النووية، التي يُتوقع أن تُستأنف قريبًا في النرويج، خطوة خطيرة تمنح النظام الإيراني شريان حياة سياسي واقتصادي يعزز من صموده. لكن النموذج الليبي بحد ذاته مثار جدل واسع.

وفي عام 2003، قرر الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي تفكيك برنامجه النووي مقابل وعود بضمانات دولية. ومع ذلك، فإن سقوط نظامه لاحقًا في عام 2011 أثبت للقيادة الإيرانية أن التخلي عن أدوات الردع النووية لا يعني بالضرورة ضمان البقاء.

ويقول مارك فيتزباتريك، المدير السابق في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن “إيران تعتبر نموذج ليبيا درسًا في السذاجة، لا الأمن،” وهذا يفسر تمسكها بالقدرة على التخصيب حتى في أسوأ الظروف الاقتصادية.

ولا يقتصر هذا الخلاف الإستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب على إيران، بل يمتد إلى ملف غزة الذي يُنظر إليه من قبل الطرفين كجزء من شبكة النفوذ الإيراني.

وبينما يدفع ترامب نحو وقف إطلاق نار جديد مع حركة حماس، حرصًا على صورته الدولية كصانع سلام، يصر نتنياهو على ضرورة “القضاء الكامل” على الحركة، الحليف الأقرب لطهران في الساحة الفلسطينية. بل وذهب أبعد من ذلك، بطرحه مقترحًا مثيرًا للجدل يقضي بترحيل ما تبقى من قيادة حماس إلى الخارج، وتحديدًا إلى الجزائر، وهو ما رفضته الحركة بشكل قاطع، معتبرة ذلك جزءًا من استراتيجية إضعاف معنوي وتفكيك تنظيمي.

ويعكس هذا التباين في الأولويات حجم الهوة بين ما يعتبره ترامب “انتصارًا دبلوماسيًا قادمًا” وما يراه نتنياهو “فرصة استراتيجية لا يجوز تفويتها. “

ويؤكد أحد المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الدفاعات الجوية الإيرانية أُضعفت بشكل كبير، وبنيتها النووية باتت في وضع هش، وأن إيران لن تظل في هذا الضعف طويلًا.

وعليه، يرى نتنياهو أن اللحظة الراهنة هي الأفضل لتوجيه ضربة أقوى، قبل أن تتمكن طهران من استعادة توازنها العسكري والسياسي.

في حين يسعى ترامب إلى حسم رمزي يُرضي الداخل الأميركي، يدفع نتنياهو نحو نهاية استراتيجية للمشروع النووي الإيراني، مهما كان الثمن

ولا يقف الاختلاف في الرؤية عند حدود التصورات، بل يمتد إلى الإشارات السياسية التي يبثها كل طرف. فترامب، الذي أعلن بعد الضربة أن “البرنامج الإيراني تم القضاء عليه”، لم يكن يعلن نهاية التهديد، بل كان، وفق ألكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، يحاول طمأنة الداخل الأميركي بأنه بذل ما يكفي من الجهد لردع إيران، دون أن يُدفع إلى المزيد من التدخل العسكري. وهذا يعكس إدراك ترامب لحساسية الرأي العام الأميركي تجاه الحروب الخارجية، خصوصًا في سنة انتخابية.

وفي المقابل، يتعامل نتنياهو مع الملف الإيراني كمسألة وجودية لا يمكن تأجيلها. ويبدو أن إسرائيل باتت أكثر استعدادًا لاستخدام القوة الاستباقية، حتى ولو أدى ذلك إلى توتر مع الإدارة الأميركية. لكن هذا التشدد لا يرافقه دائمًا دعم دولي واضح أو خطة سياسية قابلة للتطبيق.

ويشير آلان آير، الدبلوماسي الأميركي السابق المتخصص في الشأن الإيراني، إلى أن “نتنياهو وحلفاءه لا يقدمون أي تصور واقعي لتغيير النظام في طهران،” في ظل غياب معارضة داخلية فاعلة، وسيطرة الحرس الثوري على مفاصل الدولة.

وأما على الأرض، فتبدو إيران في مرحلة ما بعد الضربة كمن يعيد ترتيب أوراقه بهدوء.

ووفق تقارير استخباراتية، لم تتخل طهران عن قدراتها التقنية لإعادة تشغيل منشآت التخصيب.

وبحسب مسؤولين في الاستخبارات الأوروبية، فإن إيران قد تلجأ إلى إطالة أمد المفاوضات المتوقع عقدها في النرويج، بهدف كسب الوقت، واستغلال الانقسامات بين واشنطن وتل أبيب.

ويشير مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أن “طهران تتقن لعبة النفس الطويل، وهي تعول على أن الانقسام الغربي سيمنحها فرصة للتعافي دون دفع أثمان كبيرة.”

ومما يعزز هذه الرؤية، أن إيران بدأت بالفعل بتحريك وكلائها في المنطقة بوتيرة أكبر. فقد رصدت إسرائيل نشاطًا متزايدًا للحوثيين في البحر الأحمر، فيما كثّف الحشد الشعبي العراقي من تحركاته قرب الحدود السورية.

بينما تتأرجح واشنطن بين التهدئة والردع، تبدو تل أبيب في سباق مع الزمن لفرض واقع جديد قبل أن تعيد إيران ترتيب أوراقها
بينما تتأرجح واشنطن بين التهدئة والردع، تبدو تل أبيب في سباق مع الزمن لفرض واقع جديد قبل أن تعيد إيران ترتيب أوراقها

وتعتبر طهران هذه الأذرع وسيلة غير مباشرة للضغط والردع في الوقت ذاته، دون تحمل مسؤولية مباشرة.

وهذا ما دفع صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إلى التحذير من أن “الضربة الأخيرة قد لا تكون سوى بداية لرد طويل الأمد من جانب إيران، يمتد عبر وكلائها.”

أما الولايات المتحدة، فهي حريصة على عدم الانجرار إلى صراع مفتوح. فرغم أنها تزوّد إسرائيل بأسلحة دقيقة ومتطورة، فإنها لم تُبد أي رغبة في التورط بقوات على الأرض، أو بتحمل التبعات السياسية والاقتصادية لمشروع يستهدف تغيير النظام في إيران.

وتُظهر تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية أن الرهان ما زال على العقوبات والضغط الدبلوماسي.

ووفق ما يقوله أحد الدبلوماسيين الغربيين، فإن “واشنطن ترى في كل تصعيد فرصة للضغط على طهران للتفاوض، لا مقدمة لحرب.” لكن على الجانب الإسرائيلي، يُقرأ هذا الحذر الأميركي على أنه تردد غير مبرر.

وترى أوساط في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن الدعم الأميركي يجب أن يتجاوز التمويل والتسليح، ليشمل تبنيًا سياسيًا لخيار الضربات الوقائية.

ويقول مصدر عسكري إسرائيلي إن “التهديد لن يختفي من تلقاء نفسه، والوقت يعمل لصالح إيران، لا لصالحنا.”

وفي خلفية كل هذا التوتر، تجري استعدادات إسرائيلية متسارعة، على المستويين العسكري والاستخباراتي، لتنفيذ عمليات دقيقة تستهدف بقايا البنية النووية الإيرانية.

وتفيد تسريبات صحفية أن تل أبيب قد تكون على وشك تنفيذ ضربة ثانية “أكثر عمقًا”، إذا لم تسفر المحادثات في النرويج عن نتائج حقيقية. وهي ضربة قد تتجاوز البعد الرمزي لتشكّل تحولا حاسما في قواعد الاشتباك الإقليمي.

وتعيدنا كل هذه المؤشرات إلى الصورة الأولية: تحالف عسكري متين بين واشنطن وتل أبيب، لكنه قائم على أرضية سياسية هشّة واختلافات جوهرية في الأهداف بعيدة المدى.

وفي حين يسعى ترامب إلى حسم رمزي يُرضي الداخل الأميركي ويمنحه بطاقة دبلوماسية في وجه خصومه يدفع نتنياهو، نحو نهاية استراتيجية للمشروع النووي الإيراني، مهما كان الثمن. لكن هذه الاختلافات لا تعني بالضرورة تصدع.

6