ترامب ونتنياهو… شراكة بلا حلول في الشرق الأوسط

زيارة نتنياهو إلى واشنطن تنتهي بوعود غامضة وتوقعات مؤجلة.
الاثنين 2025/07/14
مصالح متناقضة

لم تحقق زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن واللقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاختراقات المتوقعة في ملف غزة والشرق الأوسط؛ فقد جاء اللقاء رمزيًا أكثر منه عمليًا، وسط شراكة مصلحية بين الرجلين تستغلها كل جهة لتعزيز موقعها السياسي الداخلي، بينما تستمر الأزمة دون حلول واضحة أو خطوات فعلية نحو التهدئة.

واشنطن - من المعتاد أن تحظى زيارات كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى البيت الأبيض باهتمام واسع وتوقعات عالية، نظرًا لتأثيرها المباشر على ملفات الشرق الأوسط الحساسة. لكنّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، ولقاءه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاءت مخيبة لهذه التوقعات، ومحمّلة بوعود ضبابية دون نتائج تُذكر، خصوصًا ما تعلق بوقف إطلاق النار في غزة.

ويرى المحلل السياسي يوسي ميكلبرج، في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس البريطاني، أن القمة بين الرجلين لم تخرج عن إطار الرمزية السياسية، وأنها، على الرغم من دقتها الزمنية وخطورة اللحظة الإقليمية، لم تثمر أي اختراق حقيقي.

ولم يظهر أي اتفاق بشأن تهدئة الأوضاع في قطاع غزة، كما لم يُمارس ترامب ضغطًا علنيًا على نتنياهو لدفعه نحو التهدئة، واكتفى الرئيس الأميركي بتصريحات مبهمة حول تقدّم المحادثات و”اهتمام حماس بالتوصل إلى اتفاق.”

القمة بين الرجلين على الرغم من دقتها الزمنية وخطورة اللحظة الإقليمية، لم تثمر أي اختراق حقيقي
القمة بين الرجلين على الرغم من دقتها الزمنية وخطورة اللحظة الإقليمية، لم تثمر عن أي اختراق حقيقي

وتبدو العلاقة بين ترامب ونتنياهو كأنها شراكة مصلحية ظرفية، قائمة على استثمار كل طرف للآخر في معاركه الداخلية. فنتنياهو، المحاصر قضائيًا، يحتاج إلى دعم خارجي يعزز موقعه المهتز داخليًا، وترامب، الطامح إلى الفوز بالانتخابات النصفية، يسعى لاستعراض قوته وتأثيره في الشرق الأوسط.

واللافت أن نتنياهو لم يتردد في ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، في محاولة لتعزيز صورته كـ”صانع سلام”، وهو وصف بعيد عن الواقع الذي تعيشه غزة وسائر الأراضي الفلسطينية.

وفي مقابل هذه المجاملات السياسية، لم يُسجَّل أي تقدّم فعلي في المسار التفاوضي، بل إن إسرائيل لا تزال تضع شروطًا متشددة لإنهاء الحرب، تبدأ ببقاء عسكري طويل الأمد في غزة، ولا تنتهي عند المطالبة بنزع سلاح حركة حماس ونفي قيادتها السياسية.

ويظهر ذلك أن معظم الأطراف الفاعلة باتت تتحرك وفق حسابات سياسية داخلية، وليس بدافع البحث عن حل شامل وعادل. فنتنياهو، على وجه الخصوص، يبدو كأنه يدير الأزمة بعين على صناديق الاقتراع، وليس على مستقبل الشعبين أو الاستقرار الإقليمي.

ويرفض اليمين الإسرائيلي المتشدد، المكوّن الأساسي في حكومة نتنياهو، التهدئة ويطالب بإعادة احتلال غزة، وبناء المستوطنات التي دمرتها إسرائيل نفسها في 2005.

وتستمد هذه القوى قوتها من الدعم غير المحدود الذي تتلقاه من ترامب، والذي لا يتردد في تكرار دعوات ترحيل سكان غزة، وهي دعوات تنتهك القانون الدولي وتؤجج الكراهية أكثر مما تفتح بابًا للحلول.

وفي ظل هذا الانغلاق السياسي لا تزال فكرة “السلام الشامل” معلقة. إذ يتطلب الأمر ليس فقط اتفاقًا لوقف الحرب في غزة، بل إعادة إعمار القطاع المدمر، واستئناف المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية، ربما من بوابة حل الدولتين الذي تلاشى من الخطاب السياسي الإسرائيلي، وأصبح من المحرّمات السياسية داخل التحالف الحاكم.

ومع كل ذلك، يبدو أن ترامب لا يزال يحتفظ بأحلام هندسة تسوية شاملة في المنطقة، تبدأ بعودة إيران إلى طاولة المفاوضات، وتمتد إلى توسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل السعودية وربما دولًا عربية أخرى. لكن الواقع أكثر تعقيدًا مما تسمح به خطابات الحملات الانتخابية، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، والجمود السياسي داخل إسرائيل، والانقسامات الحادة داخل المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي على حد السواء.

ويبقى أن نتنياهو، حسب ميكلبرج، هو السياسي الوحيد في إسرائيل القادر على تحويل الهزائم إلى أوراق انتخابية.

القضية الفلسطينية تبقى من أبرز القضايا التي ترسم ملامح الاستقرار أو الاضطراب في المنطقة

ومع تنامي شعبيته في استطلاعات الرأي بعد التصعيد مع إيران، قد يرى أن أفضل خيار لضمان بقائه في الحكم هو الذهاب إلى انتخابات مبكرة في الخريف.

وإذا تحقق ذلك فربما يراهن على أن عودة بعض الرهائن، إلى جانب دعم ترامب الظاهر، واتفاق نووي جديد مع إيران، قد تُصوَّر جميعها كإنجازات تبرر تمديد حكمه وتؤخر لحظة الحساب القضائي.

وإزاء هذه الحسابات الشخصية الضيقة تظل غزة تدفع الثمن، وتبقى الأزمة معلقة في غرفة الانتظار، في وقت يبدو فيه أن شراكة ترامب ونتنياهو لم تأتِ إلا بالمزيد من الغموض والتأجيل، لا بالحلول.

وفي ظل تعقيد المشهد السياسي في الشرق الأوسط تبقى القضية الفلسطينية من أبرز القضايا التي ترسم ملامح الاستقرار أو الاضطراب في المنطقة. فالحرب في غزة ليست فقط مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحماس، بل هي انعكاس لصراعات أعمق تشمل التحولات الإقليمية والدولية، وتداخل المصالح الإقليمية والدولية التي تؤثر على مسار السلام أو استمرار الصراع.

ومن الجانب الإسرائيلي تعكس الأزمة في غزة هشاشة السياسة الداخلية، حيث يهيمن اليمين المتطرف على مراكز صنع القرار، ما يصعب تحقيق أي تسوية سياسية جذرية.

ويصطدم هذا الواقع السياسي برغبة دولية متزايدة في إنهاء حالة العنف، لكنه في الوقت نفسه يعكس انقسامات عميقة بين الفصائل الفلسطينية، خاصة بين حماس وفتح، ما يعرقل جهود الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويؤثر على القدرة التفاوضية الفلسطينية.

أما الولايات المتحدة فتظل لاعبًا محوريًا في المنطقة، لكنها تواجه تحديات داخلية وخارجية تعيد صياغة أولوياتها.

إذا لم تتغير هذه الديناميكيات فستظل المنطقة أسيرة حالة من التوتر المستمر، ولن تكون الزيارات الرسمية والمفاوضات المعلنة سوى مشاهد متكررة من دون خلاص

وبالرغم من أن إدارة ترامب كثفت تحركاتها الدبلوماسية إلا أنها تعاني من تناقضات واضحة بين الرغبة في فرض هيمنة إستراتيجية في الشرق الأوسط والحاجة إلى التركيز على التحديات العالمية الأخرى، مثل المنافسة المتصاعدة مع الصين والتوترات مع روسيا.

ويعكس هذا محدودية قدرة واشنطن على فرض حلول شاملة في القضايا الإقليمية، ويدفعها إلى تبني نهج قائم على دعم الحلفاء التقليديين دون الضغط القوي على الأطراف المتنازعة.

وعلى الصعيد الفلسطيني تظل القضية الإنسانية في قطاع غزة كارثة مستمرة، حيث تكلف الحرب والحصار المدنيين ثمناً باهظاً، ما يزيد من التوترات الاجتماعية ويُغذي التطرف.

ويترك الفشل في تحقيق تقدم سياسي المجال مفتوحاً لتصاعد العمليات العسكرية، ويزيد من تعقيد مساعي إحلال السلام.

ولا يمكن الاعتراف بأي تسوية في الشرق الأوسط بعيدا عن التوازنات الإقليمية والدولية الجديدة، التي تشهد تحولات في تحالفات القوى وظهور منافسين جدد في الساحة العالمية، ما يعيد رسم خريطة المصالح والتدخلات في المنطقة.

وفي خضم هذا المشهد السياسي المعقد والمشحون، يتضح بجلاء أن زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن لم تكن سوى انعكاس لموازين قوى غير متكافئة، حيث تغلبت المصالح السياسية الضيقة على الحاجة إلى حلول حقيقية ومستدامة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

ورغم ما تحمله الشراكة بين نتنياهو وترامب من أبعاد رمزية وسياسية داخلية، تبدو عاجزة عن تجاوز الجمود الراهن أو إحداث تغيير ملموس على الأرض.

ومع استمرار الانقسامات الإقليمية والدولية، والتباين العميق في أهداف الأطراف المتصارعة، يبقى الطريق إلى السلام طويلًا ومليئًا بالعقبات.

وفي الوقت الذي يتلاعب فيه السياسيون بحساباتهم الشخصية ومصالحهم الانتخابية، يدفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً من دمائهم وحياتهم اليومية، فيما تستمر غزة في حالة من التدمير والانتظار المؤلم.

ولهذا، فإن أي أفق حقيقي للسلام يستدعي إرادة سياسية حقيقية، تراعي حقوق الشعب الفلسطيني، وتؤمّن الأمن والاستقرار لجميع الأطراف، بعيدًا عن الشعارات الفارغة والتكتيكات الانتخابية.

وإذا لم تتغير هذه الديناميكيات فستظل المنطقة أسيرة حالة من التوتر المستمر، ولن تكون الزيارات الرسمية والمفاوضات المعلنة سوى مشاهد متكررة من دون خلاص.

وهنا تكمن التحديات الحقيقية التي ستواجه الشرق الأوسط في العقد القادم، حيث لا بد من إعادة التفكير في آليات الحلول، بعيدًا عن الأنانية السياسية، وقريبًا من مصالح شعوب المنطقة ومستقبلها.

6