تحقيق الوحدة الوطنية السورية مفتاح السلام الإقليمي

التجربة العراقية تظهر نموذجا مهما لتوزيع السلطات بين الحكومة المركزية والمحافظات مع ضمان حقوق الأقليات، دون الحاجة لتطبيق النظام الفيدرالي.
الجمعة 2025/10/24
القوة في الاتحاد والفوضى في التفرق

دمشق- يرى محللون أن تحقيق الوحدة الوطنية في سوريا يشكل حجر الزاوية لتحقيق السلام والاستقرار على مستوى المنطقة بأسرها.

واتخذت دمشق خطوات مهمة نحو هذا الهدف، لكن الدعم الاقتصادي الدولي المكثف والوساطة السياسية الفعالة ما زالا ضروريين، لا سيما مع الاستفادة من بعض عناصر التجربة العراقية في توزيع السلطات بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية.

ويقول الباحث جيمس جيفري في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط إن نجاح هذه الجهود لن يقتصر على سوريا وحدها، بل سيخلق أرضية خصبة لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بعد سنوات من الحروب والتوترات الإقليمية.

ومثّل وقف إطلاق النار في غزة خطوة حاسمة في هذا التحول الإقليمي، خصوصًا بعد تراجع دور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كقوة سياسية منذ 2019.

ومع ذلك، ظل التهديد الإيراني عبر وكلائه الإقليميين مسيطراً على العديد من الصراعات في سوريا واليمن وغزة، إلى جانب دعمه النووي وصواريخه الباليستية وشبكاته الميلشاوية.

وبحلول منتصف 2025، تم الحد من هذا التهديد الإقليمي، مما وفر لأول مرة منذ تحرير الكويت فرصة للشرق الأوسط للتقدم نحو بيئة أكثر استقرارًا، بعيدًا عن التهديدات الوطنية والأيديولوجية.

جيمس جيفري: نجاح الجهود لن يقتصر على سوريا وحدها، بل سيخلق أرضية خصبة لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بعد سنوات من الحروب والتوترات الإقليمية

ومع ذلك، تبقى سوريا المحور الرئيسي الذي يمكن أن يعوق هذا الاستقرار على المدى الطويل، نظرًا للصراعات الداخلية التي تشمل القوات الكردية والمناطق الدرزية والعلوية، فضلاً عن التحديات الاقتصادية الكبيرة التي خلفتها الحرب الأهلية الطويلة.

ولذلك، شدد المراقبون الدوليون وكبار المسؤولين الأميركيين على أن الحفاظ على وحدة سوريا هو الشرط الأساسي لإعادة البناء وتحقيق الاستقرار، مع ضرورة حماية حقوق الأقليات والتقاليد الثقافية والسماح بقدر من الحكم المحلي في بعض المناطق.

وبدأت دمشق خطوات عملية في هذا الاتجاه تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع، خصوصًا فيما يتعلق بالشمال الشرقي الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الكردية.

ويمثل الاتفاق الموقع في مارس بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية بداية لتكامل عسكري وسياسي-اقتصادي، رغم التحديات التي أعاقت التنفيذ الكامل مثل الاشتباكات مع الميليشيات والعلويين والبدو والدروز. إلا أن النهج الجديد للحكومة، القائم على الحوار والتحقيق في الخروقات ومحاسبة المتورطين، يعكس تحولًا عن أساليب المواجهة السابقة، ويشير إلى استعداد دمشق لتوحيد البلاد بشكل مستدام.

ولا يمكن تجاهل الجانب الاقتصادي، حيث يواجه الاقتصاد السوري انهيارًا شاملًا يؤثر على الصناعة والعملات والطاقة، وهو ما يستدعي تدخلًا دوليًا واسع النطاق يشمل مساعدات إنسانية، واستثمارات لإعادة الإعمار، ورفع العقوبات الاقتصادية تدريجيًا. فالاستقرار الاقتصادي سيعزز فرص اندماج الأقليات والثقة بالحكومة المركزية، مما يسهم بشكل مباشر في تعزيز الوحدة الوطنية.

وتُظهر التجربة العراقية منذ 2005 نموذجًا مهمًا لتوزيع السلطات بين الحكومة المركزية والمحافظات مع ضمان حقوق الأقليات، وهو نموذج يمكن تكييفه مع الواقع السوري دون الحاجة لتطبيق النظام الفيدرالي، بل بالتركيز على دمج القوات العسكرية، وتقوية حكم القانون، وضمان الحقوق الفردية للأقليات.

ويسهم هذا النهج في بناء الثقة بين المكونات المختلفة ويتيح للدولة المركزية فرض سيادتها دون استبعاد أي طرف، وهو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار طويل المدى.

ويمكن أن تبدأ الخطوات العملية من الشمال الشرقي، عبر تسليم بعض الصلاحيات الإدارية والأمنية للحكومة المركزية، وتنظيم التجارة والطاقة بين المناطق المختلفة، مع استمرار الحوار حول القضايا الأكثر تعقيدًا كالحكم المحلي ودمج القوات.

وستشكل هذه الخطوات الرمزية والعملية نقطة انطلاق نحو توحيد سوريا، الذي سيكون بدوره مفتاح تحقيق السلام في المنطقة، تمامًا كما يمكن أن تؤدي سوريا الموحدة إلى بيئة إقليمية مستقرة تشبه ما شهدته أميركا الجنوبية خلال العقود الأخيرة، خالية من الصراعات بين الدول والعنف الأيديولوجي، مع نمو اقتصادي واجتماعي متزايد.

ولن يكون نجاح وحدة سوريا الوطنية مجرد إنجاز داخلي، بل عاملًا حاسمًا في تحقيق تحول شامل للشرق الأوسط، حيث يصبح السلام والاستقرار ممكنين بعد عقود من النزاعات الإقليمية والتدخلات الخارجية، مع إشراك المجتمع الدولي لدعم عملية إعادة البناء وتعزيز الحقوق الأساسية وحماية الأقليات.

وستكون سوريا الموحدة، القوية اقتصادياً وسياسياً، محورًا لاستقرار المنطقة وإعادة صياغة علاقاتها الإقليمية بما يخدم مصالح شعوبها ويمهد الطريق لمستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا في الشرق الأوسط.