الشريحة الإلكترونية في الدماغ العربي لا تعمل إلا بعد القهوة

الشرائح مبرمجة على الإنجاز بينما العقول العربية مبرمجة على الانتظار؛ انتظار الفرج، انتظار التعليمات، انتظار أن يتحرك الآخر أولا.
السبت 2025/10/04
الملامح تقول ما لا يقال

تخيل معي قبل أن تضيق فسحة الخيال لدينا، أن إحدى الحكومات العربية قررت زرع شرائح إلكترونية في أدمغة موظفيها، تلك الشرائح التي تتيح للموظفين الوصول إلى الإنترنت بمجرد التفكير، وتحليل البيانات أسرع من غوغل، والقيام بالمهام المطلوبة أسرع من الروبوت.

ومراعاة للخصوصية العربية والمناخ الصحراوي القائم على إبريق الشاي وركوة القهوة، وعدت الشركات المنتجة العرب بتوفير خاصية رباطة الجأش وسعة الصدر وطول البال، فهذه الشرائح مبرمجة على الإنجاز بينما العقول العربية مبرمجة على الانتظار؛ انتظار الفرج، انتظار التعليمات، انتظار أن يتحرك الآخر أولا.

وفي مؤتمر صحفي بالمناسبة حضره صناع السيليكون أكثر من الصحافيين، خرج الناطق الرسمي للحكومة ليؤكد أن مشروع زرع الشرائح الذكية في أدمغة الموظفين ليس تجسسا، بل “تحديث إداري”، يهدف إلى تقليل زمن التفكير غير المنتج، وتحويل الموظف من كائن مؤجل إلى مبدع مستجيب.

الناطق، الذي بدا وكأنه يقرأ من شاشة داخل جمجمته، قال بثقة “هذه الشرائح ستُحدث نقلة نوعية في الأداء، حيث يعرف الموظف مهامه قبل أن يستيقظ، ويشعر بالذنب قبل أن يتأخر، ويعتذر قبل أن يُطلب منه ذلك”.

وأضاف أن الشريحة سترسل تنبيهات فورية مثل: توقف عن التحديق في الساعة، ما زال أمامك وقت للعمل، لا حاجة إلى ورقة إذن خروج، الشريحة تعلم أنك ستغادر قبل أن تنوي ذلك، تم رصد محاولة تفكير مستقل… جارية إعادة ضبط المخ.

وعن الخصوصية، طمأنت الحكومة الموظفين بأن الشرائح “تحترم الخصوصية”، لكنها قد تُبلغ عن أي نشاط ذهني مريب، مثل محاولة اقتراح فكرة، أو التساؤل عن جدوى الاجتماعات الأسبوعية التي تُعقد بلا هدف سوى إثبات الحضور.

وفي تجربة أولى بدأت الشرائح تُصنّف الموظفين حسب نمط التفكير، هذا “مؤجل تلقائي”، وذاك “مُوافق على كل شيء”، والآخر “يُفكر أكثر مما يُطلب منه… فهو خطر محتمل”،  أما من يُفكر خارج الدوام، فالشريحة تقترح نقله إلى قسم التأملات غير المرغوبة.

ورغم ذلك شددت الحكومة في آخر المؤتمر على أن زرع الشرائح لا يعني زرع العقول، بل مجرد محاولة لتحديث نظام التشغيل البشري، دون المساس بالبرمجيات القديمة التي تُقدّس الطاعة، وتُجرّم المبادرة، وتُعيد تشغيل المنطق عند كل محاولة إصلاح.

وانقسمت ردود الموظفين بين من ظنها مزحة ثقيلة تنزع المزاج، ومن بدأ يبحث عن طريقة لتعطيل الشريحة قبل أن تُزرع.

وفي أول يوم تجريبي، رفضت موظفة الاستقبال في إحدى الإدارات تفعيل الشريحة بحجة أنها “لا تعمل إلا تحت ضغط القهوة”، بينما طالب موظف آخر بإضافة خاصية “الغفوة الذهنية”، كي يتمكن من تجاهل التعليمات لمدة 15 دقيقة على الأقل.

وتساءل الموظف “هل الشريحة ستُجبرني على العمل أم تكتفي بإرسال إشعارات تأنيب؟” وقال آخر وهو يحدّق في شاشة دماغه الجديدة “هل يمكنني تثبيت تطبيق للتهرّب؟”.

وفي قسم الشؤون القانونية، بدأت الشرائح تُرسل تنبيهات مثل “جار تحميل ملف ‘كيف تتعامل مع مديرك دون أن تُطرد’…”، “تم اكتشاف تضارب بين المنطق والتعليمات… تجاهله فورا”.

وفي محاولة يائسة للحاق بركب الإجراءات الجديدة، قرر المواطن العربي زرع الشريحة في دماغه لتنظيم حياته اليومية بداية من ضبط المواعيد، تحسين التواصل، وتجنّب نسيان مفاتيح البيت. فكانت النتيجة أن دخلت الشريحة في حالة ارتباك… وطلبت اللجوء إلى دماغ صيني أو ياباني أكثر استقرارا.

12