الدفاع والتنمية ركيزتان لاستقرار الشرق الأوسط الجديد

الاضطرابات والحروب تؤسسان لنظام إقليمي جديد.
الثلاثاء 2025/09/30
نحو استقلالية إستراتيجية

الدول العربية تمر بتحولات عميقة نحو بناء نظام إقليمي متكامل يجمع بين القدرات الدفاعية والممرات الاقتصادية، بهدف تعزيز الاستقلالية وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية. ويؤكد المختصون أن تنسيق البنى الدفاعية مع المشاريع الاقتصادية يتيح للدول العربية تعزيز نفوذها، وحماية مصالحها، والمساهمة في استقرار المنطقة ورسم خارطة إستراتيجية جديدة للشرق الأوسط.

الرياض- تشهد المنطقة العربية اليوم تحولات إستراتيجية عميقة، تتبلور من خلال بناء نظام إقليمي جديد يقوم على التكامل بين الممرات الاقتصادية والهياكل الدفاعية، بما يتيح للدول العربية تعزيز سيادتها وتقليل الاعتماد على القوى الخارجية.

وأبرز لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقادة الدول العربية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقديم الإدارة الأميركية لخطة سلام من 21 نقطة لإنهاء الحرب في غزة، الحاجة إلى إشراك القوى الإقليمية في صياغة سياسات الأمن والاستقرار.

وأثبتت الحروب المستمرة والتوترات مع إيران عبر وكلائها في لبنان والعراق واليمن، فضلاً عن الصراعات الداخلية في سوريا ولبنان وليبيا، هشاشة الوضع الأمني للمنطقة واعتمادها على تدخلات خارجية لحماية مصالحها، ما دفع الدول العربية الكبرى إلى إعادة ترتيب أولوياتها الدفاعية عبر تحديث المعدات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وإقامة تدريبات مشتركة لتقوية القوات المسلحة، بما يجعلها قادرة على مواجهة أيّ تهديد خارجي وممارسة نفوذها الإستراتيجي في المنطقة.

ويؤكد خبراء في الشؤون الإستراتيجية أن هذه التحركات تعكس إدراك الدول العربية أن أمنها لا يقتصر على حدودها الجغرافية، بل يشمل حماية طرق التجارة البحرية والمجال الجوي الإقليمي، ما يجعل من تطوير هياكل دفاعية متقدمة ضرورة ملحة.

جوزيف دانفورد: التعاون المشترك في شراء وتطوير الأنظمة الدفاعية بين الولايات المتحدة والدول العربية يعزز الأمن الصناعي الدفاعي في المنطقة

ولا يهدف الهيكل الدفاعي الجديد إلى مواجهة المخاطر الأمنية المباشرة فقط، بل يمثل أداة ضغط إستراتيجية تسمح للدول العربية بالتفاوض بقوة في النزاعات الإقليمية، بما في ذلك التعامل مع إسرائيل واحتواء النفوذ الإيراني.

وشدد الجنرال جوزيف دانفورد، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الأميركية، على أن التعاون المشترك في شراء وتطوير الأنظمة الدفاعية بين الولايات المتحدة والدول العربية يعزز الأمن الصناعي الدفاعي في المنطقة ويقلل من الثغرات الأمنية، بينما يرى خبراء آخرون أن هذه الهياكل تشمل تدريب القوات، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، وبناء قدرة محلية على مواجهة التهديدات العابرة للحدود، ما يخلق حالة من الاعتماد المتبادل ويحد من الفوضى الأمنية.

وفي الوقت نفسه، تلعب الممرات الاقتصادية دورا محوريا في إعادة تشكيل النظام الإقليمي العربي. وتسعى الدول العربية إلى إنشاء شبكات اقتصادية متصلة تربطها ببعضها البعض ومع آسيا وأوروبا، بما في ذلك مشاريع مثل الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي وإعادة إحياء سكة حديد الحجاز التاريخية.

ويشير الخبراء إلى أن استثمار هذه الممرات الاقتصادية بشكل متزامن مع تطوير قدرات الدفاع يجعل النظام الإقليمي الجديد أكثر استقرارًا ومرونة، ويتيح للدول ضبط سياساتها الخارجية دون الاعتماد المفرط على القوى الكبرى.

كما أن الممرات الاقتصادية تساهم في تحسين مستويات المعيشة، وتوفير فرص استثمارية، وتقليل الفقر، ما يحد من قدرة الجماعات المسلحة على استغلال الفوضى لتحقيق أهدافها، ويخلق شرعية للدولة من خلال تحسين حياة المواطنين، خاصة في المناطق التي اعتمدت على شبكات غير رسمية للنفوذ السياسي والاقتصادي.

ويتسع التكامل الاقتصادي والعسكري ليشمل العلاقات مع القوى غير الغربية مثل دول مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، واستكشاف فرص استثمارية جديدة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، بما يعزز قدرة الدول العربية على لعب دور فعال في تحديد سياساتها الأمنية والاقتصادية بعيدًا عن السيطرة التقليدية للدول الغربية.

وبدأت بعض الدول العربية أيضا في توسيع دورها في المنطقة من خلال مشاريع دفاعية مشتركة، مثل التعاون العسكري بين مصر وتركيا، واتفاقيات الدفاع السعودية مع باكستان، ما يعكس رغبة هذه الدول في استعادة زمام المبادرة وتعزيز قدرتها على حماية مصالحها.

كما تمكن ملاحظة التحولات في عدة دول عربية، حيث تسعى القيادات الجديدة في سوريا ولبنان إلى إعادة بناء قدراتها الدفاعية والاقتصادية وتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي، بينما تعمل مصر على مزيد إصلاح العلاقات مع تركيا وتعزيز التعاون العسكري، في حين تمضي السعودية والإمارات قدماً في تطوير برامج دفاعية ومشاريع اقتصادية إستراتيجية.

الدول العربية الكبرى تعيد ترتيب أولوياتها بما يجعلها قادرة على مواجهة أي تهديد خارجي وممارسة نفوذها الإستراتيجي في المنطقة

ويرى الخبراء أن الجمع بين الممرات الاقتصادية والهياكل الدفاعية يخلق نموذجًا متوازنًا، يمكن أن يحوّل التحديات التاريخية إلى منصة لتعزيز التكامل الإقليمي، ويضع لبنان وسوريا ودول الخليج أمام فرص حقيقية لإعادة ترتيب علاقاتها الداخلية والخارجية.

ويؤكد مراقبون أن ما يحدث في المنطقة ليس مجرد تحركات عابرة، بل تأسيس لركائز متينة لنظام عربي جديد قائم على التوازن بين القوة الاقتصادية والدفاعية، حيث يتمكن كل طرف من حماية مصالحه وتحقيق التنمية، بينما تفتح الممرات الاقتصادية الباب لتعاون إقليمي أكثر شمولًا واستدامة.

وقد يشكل هذا النموذج الجديد بداية عهد مختلف، يستند إلى الأمن المتكامل والتنمية الاقتصادية المستدامة، ويعيد رسم خارطة الشرق الأوسط على أسس إستراتيجية متينة، ويتيح للدول العربية فرصاً حقيقية لتعزيز استقلالها الإستراتيجي بعد عقود من الفوضى والصراعات.

2