الحكومة المصرية تدشن حملة لتصحيح المفاهيم الدينية
حملة "صحح مفاهيمك" التي أطلقتها الحكومة المصرية تهدف إلى تعزيز الوعي الديني والاجتماعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تغذي التطرف والسلوكيات السلبية مستندة إلى خطاب معتدل وتعاون بين مؤسسات الدولة.
القاهرة - حولت الحكومة المصرية حملة أطلقتها وزارة الأوقاف من أجل تصحيح المفاهيم إلى خطة عامة تشارك فيها وزارات وهيئات مختلفة تابعة لها، بحثا عن صد هجمات وانتقادات وظفتها جماعات الإسلام السياسي حول الأوضاع في قطاع غزة، وبروز معالم أزمة مجتمعية بسبب ارتفاع معدلات الطلاق، وتزايد الصعوبات الاقتصادية، ما جعلها راغبة في التحرك عبر مسارات مختلفة للتواصل مع المواطنين.
وأطلق رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي حملة “صحح مفاهيمك”، الأربعاء، بحضور عدد من الوزراء، بينهم وزير الأوقاف أسامة الأزهري، بغرض تصحيح المفاهيم الدينية والسلوكيات المجتمعية، وتعزيز قيم الانتماء والانضباط، ومعالجة قضايا تمس الواقع اليومي، برؤية علمية وتربوية منضبطة، تستند إلى خطاب رشيد.
وقال وزير الأوقاف المصري إن الحملة تستهدف التوعية بأكثر من أربعين قضية مؤثرة أبرزها: حرمة المال العام، والتحرش، وإدمان المواد الإباحية/الرقمية، والتنمر، والغش، والتطرف، والإدمان، والتفكك الأسري، والتدخين.
المبادرة مشروع ممتد يقوم على تكامل الأداء التوعوي والدعوي والإعلامي، عبر محتوى متنوع يشمل الفيديوهات والمسرح
والمبادرة مشروع وطني ممتد يقوم على تكامل الأداء التوعوي والدعوي والإعلامي، عبر محتوى متنوع يشمل الفيديوهات والمسرح والمشاهد الدرامية والمقالات والبرامج والقوافل الميدانية والفعاليات المجتمعية والتغطيات الإعلامية؛ سعيًا للوصول إلى كل بيت ومدرسة ومنصة إعلامية.
ودشنت وزارة الأوقاف مؤخرا العديد من الحملات التي تشكلت من أئمة المساجد للتواصل مع المواطنين في القرى والنجوع ومراكز الشباب والمساجد، وبدا أن خطتها التي هدفت من خلالها للتأثير خارج المسجد جرى تطبيقها بالفعل على أرض الواقع، من دون قدرة على قياس ما تقوم به من مردود، خاصة وأن أئمة المساجد يتواصلون مع الملايين من المواطنين أسبوعيا عبر المساجد.
وتبدو حالة الاستنفار مرتبطة بصحوة معارضي الخارج المحسوبين على تنظيم الإخوان، ويشنون هجمات إعلامية عبر مداخل مختلفة، بينها تحميل مصر مسؤولية الأزمة الإنسانية في غزة، واللعب على وتر تأثيرات الوضع الاقتصادي على الأوضاع المعيشية، وتوظيف الخمول في الفضاء العام لتوجيه انتقادات سياسية للسلطة بمصر.
ويرى مراقبون أن المدخل الديني الذي تنطلق منه الحملة الحكومية لن يكون مؤثرا، ومثل هذه الخطابات الحكومية لا تلقى قبولا لدى المواطنين دائما، وأن تجربة الخطبة الموحدة التي أصرت عليها وزارة الأوقاف خلال عشر سنوات، تضمنت نفس القيم والقضايا التي تركز عليها حملة “صحح مفاهيمك” ولم تترك أثرا إيجابيا، وهي في حاجة إلى تعامل مجتمعي وتعليمي وثقافي بدلا من التركيز على أئمة المساجد في نقاشات مجتمعية يمكن أن تخدم تيارات الإسلام السياسي بدلاً من أن تخصم منها، وتبدو وزارة الأوقاف ماضية في اللعب على أرضية تجيدها هذه التنظيمات.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الإسلامية عبدالغني هندي إن الحملة تعد أحد أوجه محاولات عدم ترك فراغات فكرية يمكن أن توظفها الجماعات الإسلامية لتعزيز وجودها الفكري والسياسي، وثمة حاجة بشكل مستمر إلى تقارب بين أئمة المساجد والدعاة وبين المواطنين لتصويب المفاهيم المغلوطة بما في ذلك أشكال المعاملات اليومية والقضايا الأسرية والعبادات والأفكار الدينية، وأن مصدر الثقة الأكثر قدرة على لعب هذا الدور هم أئمة الأوقاف.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المبادرة من المفترض أن تأخذ في التطور لتتحول إلى برامج تبث على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج إذاعية وتلفزيونية تهدف إلى التوعية ونشر الأفكار الوسيطة، وأن رعاية رئيس الحكومة للمبادرة تفتح الباب أمام مشاركة وزارات أخرى تفتح الطريق لعمل أئمة الأوقاف، وسيكون من المهم مساهمة قادة الرأي والمجتمع لإنجاح الحملة خاصة وأن هناك بعدا ثقافيا يتطلب مشاركة مع وزارتي الثقافة والتربية والتعليم.
ولا يعول هندي كثيرا على نجاح الحملة التي أطلقتها الحكومة مؤخرا، لأن الوضع في حاجة إلى خطط عامة تتبناها الحكومة لا تقتصر فقط على الجوانب التوعية وتبقى أكثر التصاقا بكسب ثقة المواطنين، وأن قدرة وزارة الأوقاف على تحقيق 10 في المئة مما تستهدفه حملة “صحح مفاهيمك” نجاح لها مع صعوبات إقناع المواطنين.
وأطلقت الأوقاف المصرية، الأربعاء، 700 قافلة دعوية إلى مراكز الشباب التي يتوافد عليها الآلاف من المراهقين والشباب خلال أشهر الصيف، تستهدف التوعية بأهمية العمل الجماعي الذي يخدم المجتمع، وتركز الوزارة من خلالها على غرس روح المسؤولية والانتماء، ما يتماشى مع مخاوف من توظيف خطابات الكراهية التي تبثها التنظيمات الإسلامية للتشكيك في مواقف السلطة تجاه غزة، على وجه التحديد.
ولفت وزير الأوقاف إلى أن القوافل تعمل على “تقديم معالجة وفكرة ووعي وتنوير وإضاءة ونداء قيمي للمصريين لإعادة بناء منظومة القيم المعبرة عن هوية وأصالة الإنسان المصري، وإيصال خطاب دعوي عصري يجمع بين أصول الدين والواقع.”
وتولت وزارة الأوقاف بشكل كامل ما كانت تهدف إليه الحكومة المصرية خلال سنوات ماضية من خطوات لتصويب الخطاب الديني، وبدا أن الأزهر الذي كانت توكل إليه المهمة لم تعد لديه حماسة في تطبيقها مع الدخول في صدامات فكرية لم تتماش مع المدرسة المحافظة التي تسيطر على اتخاذ القرار داخله.
وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية سامح عيد إن الدولة المصرية تواجه هجوما إخوانيا ضخما وهي تركز على السياسات الحكومية العامة وفي خضمها المفاهيم الدينية، غير أن التعامل معها يجب أن يكون من خلال فتح المجال العام وإتاحة الفرصة أمام وسائل الإعلام لتدشين مناظرات تفند الأفكار والاتهامات، كما أن الحكومة قد تتجاهل وزارة التربية والتعليم وهي تتعامل مع 25 مليون طالب، في حين أن المناهج الدراسية الحالية تشجع على تقديم نماذج يسهل معها التأثير في عقولهم عبر خطابات عودة الخلافة وغيرها.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الحديث عن نجاح مبادرات التوعية في ظل وجود مناهج تمجد الدولة الأموية والعباسية دون ذكر الصراعات الدموية التي كانت قائمة على السلطة في تلك الفترات لن يجدي نفعا، وأن تدريس نماذج يوظفها تجار الدين للترويج لأفكار لا تتماشى مع الأخطار التي تجابهها مصر حاليا، وأن تدشين آلاف القوافل مع عدم توظيف سلاحي الإعلام والتعليم لن يُفضي إلى شيء.