استهداف قطر: اختبار إسرائيلي لرد فعل دول الخليج

دول الخليج أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تسد "فجوة الردع" ببناء إستراتيجية شاملة تجعل كلفة العدوان باهظة وغير محسوبة أو تبقى في دائرة الاستهداف المفتوح.
الأربعاء 2025/09/17
الأمان لا يُشترى من الخارج

لسنوات طويلة كانت “المناعة الخليجية” أمام العدوان الصهيوني أشبه ببديهية إستراتيجية، خط أحمر لا يقترب منه أحد، وجدار منيع قائم على قوة الاقتصاد والتحالفات الدولية والغطاء الجيوسياسي. لكن ما حدث في قطر كان صدمة إستراتيجية عالية المخاطر، اختراقا مدويا لهذا الحائط، لم يكن غارة جوية عابرة، بل رسالة مصممة بعناية فائقة: “لا أحد منكم محصن، الجميع على قائمة الهدف، وفق الحسابات الصهيونية وحدها.”

هذا التطور أحدث شرخًا في النظرية التقليدية التي افترضت أن النفط والدبلوماسية والمال كفيلة بحماية الأوطان، وأثبت أن الأمان الحقيقي لا يُشترى من الخارج، بل يُبنى من الداخل. ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: هل تمتلك دول الخليج اليوم أدوات ردع قادرة على التعامل مع واقع أمني جديد يتجاوز الاعتماد المطلق على الحماية الدولية؟

التجارب التاريخية القريبة أظهرت أن الركون إلى المظلة العسكرية الخارجية وحده لم يعد مجديًا، بل إن القواعد الأجنبية تحوّلت في أحيان كثيرة إلى عبء سياسي وأمني على الدول المستضيفة، بعدما باتت المنطقة ساحة لتصفية الحسابات الدولية. كما أثبتت أن الخطر الأكبر لا يكمن في الضربة العسكرية المباشرة فقط، بل في تحويل الخليج إلى مسرح مفتوح للتصعيد والإرهاق المستمر دفاعيًا واقتصاديًا، لذلك يصبح لزامًا تطوير نظرية ردع خليجية مرنة، تستند إلى أربعة أركان مترابطة:

  • الردع الاقتصادي: عبر تنويع الشراكات التجارية والاستثمارية، وتقليل الاعتماد على شركاء يمكنهم ممارسة الابتزاز السياسي.
  • الردع الاستخباري: من خلال بناء أنظمة إنذار مبكر مشتركة، وتعزيز القدرات السيبرانية والتنسيق الأمني بين دول المجلس.
  • الردع الدبلوماسي: بتشكيل تحالفات إقليمية ودولية فاعلة قادرة على فرض تكاليف سياسية وقانونية على أي معتدٍ.
  • الردع الاجتماعي: بتحصين النسيج الداخلي، وتعزيز الهوية الوطنية والوعي بأهمية الأمن الداخلي، بما يضمن صمود المجتمعات أمام الضغوط الخارجية.

إن تحقيق الأمن في القرن الحادي والعشرين لم يعد عسكريًا بحتًا، بل منظومة متكاملة تتعزز فيها القوة الاقتصادية والاستخبارية والدبلوماسية والاجتماعية. ودول الخليج أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تسد “فجوة الردع” ببناء إستراتيجية شاملة تجعل كلفة العدوان باهظة وغير محسوبة، أو تبقى في دائرة الاستهداف المفتوح.

الضربة التي استهدفت قطر ليست نهاية المطاف، بل جرس إنذار يضع دول المجلس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تطوير أدوات ردع ذات مصداقية عالية، أو الارتهان بمعادلة قوة أحادية الجانب تُبقي المنطقة تحت رحمة الضغوط الخارجية.

6