إيران تتطلع إلى الصين لسد فجواتها العسكرية

إيران تدرك أن تعويض خسائرها الصاروخية يتطلب ما هو أكثر من التمويل، بل يحتاج إلى عمق تقني لا تملكه إلا الصين.
الاثنين 2025/09/01
رهان إيراني على ما تعتبره أسسا صلبة

طهران – تدرك إيران أن تعويض خسائرها الصاروخية عقب الحرب الإسرائيلية – الأميركية عليها يتطلب ما هو أكثر من التمويل، بل يحتاج إلى عمق تقني لا تملكه إلا قوى مثل الصين. لكن بالنسبة إلى بكين، فإن دعم طهران عسكريا ليس فقط أداة لتعزيز النفوذ، بل هو أيضا ورقة تفاوضية في مواجهة الضغوط الغربية.

ودعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أمس الأحد الصين إلى العمل مع إيران على إعادة تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية والعالمية.

وقال خامنئي في منشور على موقع إكس إن “الدولتين على جانبي آسيا لديهما القدرة على إحداث تغيير في المنطقة والعالم.”

ويرى مراقبون أنه لا تمكن قراءة دعوة خامنئي كمجرد مجاملة دبلوماسية، بل كإشارة صريحة إلى توجه إستراتيجي يستند إلى واقع جديد تشهده المنطقة.

ويأتي هذا التصريح في سياق متوتر أعقب حربا قصيرة لكن عنيفة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، انتهت بتآكل خطير في قدرة إيران الصاروخية، وخلّفت وراءها فراغًا في الردع تسعى طهران لملئه سريعًا، ليس فقط لإعادة التوازن، بل لضمان بقاء معادلات الردع الإقليمية قائمة.

طهران تبدو مدفوعة برغبة عميقة في تجاوز ضعفها العسكري المؤقت عبر شراكة تكنولوجية مع قوة كبرى لا تزال خارج الاصطفافات الغربية

وفي خضم هذا الفراغ تبدو الصين الشريك الوحيد القادر على مساعدة إيران تقنيا وعسكريا، في لحظة تتراجع فيها قدرات موسكو المرهقة بحربها في أوكرانيا، بينما تغلق العواصم الغربية أبواب التعاون.

ووضعت التحولات التي طرأت على العلاقات الإيرانية – الصينية في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة عام 2021، بكين في موقع مركزي ضمن حسابات الأمن القومي الإيراني. لكن الجديد اليوم هو أن التعاون بين البلدين بات يتجاوز الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية، ليتوغل في ملفات عسكرية وأمنية حساسة، أبرزها إعادة بناء الترسانة الصاروخية الإيرانية.

وذكرت مصادر استخباراتية غربية أن الصين تقوم فعليا بإعادة تأهيل البنية الصاروخية الإيرانية التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال الحرب الأخيرة، من خلال تزويدها بتقنيات ومكونات ومواد أساسية تدخل في تصنيع الوقود الصاروخي الصلب.

ورغم غياب التأكيد الرسمي من بكين، فإن نمط هذا التعاون ليس جديدا على الإطلاق؛ فمنذ أواخر الثمانينات ساهمت الصين في تأسيس البرنامج الصاروخي الإيراني، من خلال نقل صواريخ باليستية قصيرة المدى وصواريخ كروز، بالإضافة إلى تزويد طهران بخبرات متقدمة في أنظمة التوجيه والدفع.

واللافت في التعاون الصيني – الإيراني أنه لا يتخذ طابعًا علنيا أو تقليديا كصفقات الأسلحة المعروفة، بل يتم عبر قنوات غير مباشرة وشبكات معقدة من الشركات الوسيطة والأفراد، ما يجعل رصده ومواجهته أمرا صعبا من الناحية الاستخباراتية والسياسية.

وفي أبريل الماضي أدرجت وزارة الخزانة الأميركية ست شركات صينية وستة أفراد على قوائم العقوبات بتهمة تزويد الحرس الثوري الإيراني بمواد كيميائية تُستخدم في إنتاج وقود الصواريخ، لكن المفارقة أن هذا التطور الخطير لم يحظَ بتغطية إعلامية واسعة، ما يعكس استمرار الطبيعة “الخفية” لهذا التعاون، وطبيعة التفاهمات الصامتة بين الطرفين.

وبينما تحصل الصين على نفط إيراني بأسعار تفضيلية، فإن ما تستثمره في المقابل لم يعد يقتصر على مشاريع النقل والطاقة، بل شمل قطاعات حيوية ذات طابع أمني، مثل مشروع القطار فائق السرعة بين طهران ومشهد، واتفاقات رقمية مع شركة “هواوي” لإنشاء مركز بيانات وطني إيراني يربط وزارات الدولة، ويمنح بكين نافذة مباشرة على البنية الرقمية السيادية لطهران.

لا يمكن قراءة دعوة خامنئي كمجرد مجاملة دبلوماسية، بل كإشارة صريحة إلى توجه إستراتيجي يستند إلى واقع جديد تشهده المنطقة

ولا يخدم هذا النوع من التوغل التقني المصالح الاقتصادية فقط، بل يعكس تطورا في طبيعة العلاقة نحو شراكة إستراتيجية تمسّ جوهر البنية السيادية الإيرانية، وتحوّل الصين من حليف اقتصادي إلى شريك أمني مؤثر.

وفي ظل هذه المعادلة تبدو طهران مدفوعة برغبة عميقة في تجاوز ضعفها العسكري المؤقت عبر شراكة تكنولوجية مع قوة كبرى لا تزال خارج الاصطفافات الغربية.

أما بكين، التي لطالما ادعت التزامها بمبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، فتجد نفسها اليوم منخرطة تدريجيًا في البنية العسكرية والإدارية الإيرانية، بحكم التزامات المصالح والتشابك المؤسسي، وهو ما قد يفرض عليها، عاجلا أم آجلا، مواقف لا يمكن وصفها بالحيادية.

لكن هذا الدور الجديد للصين في إيران لا يخلو من تناقضات. فهي من جهة تساهم في إعادة بناء قدرات هجومية لطرف تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا، ومن جهة أخرى تحرص على إبقاء علاقات وثيقة مع دول الخليج، التي سبق أن زودتها بصواريخ باليستية في العقود الماضية.

ويعكس هذا السلوك المزدوج براغماتية شديدة في السياسة الصينية، لكنه يضعف سردية “الدبلوماسية المتوازنة” التي تسوّقها بكين في الشرق الأوسط، ويغذّي سباق التسلح الإقليمي، ويهدد أمن حلفاء واشنطن التقليديين، من الرياض إلى تل أبيب.

وتدرك بكين أن النفوذ في إيران يمنحها موطئ قدم إستراتيجيا في أكثر مناطق العالم حساسية. لكن كل خطوة على هذا الطريق تضع الطرفين أمام خيارات صعبة، وتحوّل الشراكة إلى التزام ثقيل يتجاوز نطاق المصالح إلى عمق الحسابات الجيوسياسية.

7