ترامب قد ينهي الحرب في غزة.. لكن ما خفي أعظم

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يركز على النتائج الفورية أكثر من الالتزام بالمعايير طويلة الأمد للأمن الإسرائيلي.
الأربعاء 2025/10/08
الشيطان يكمن في التفاصيل

واشنطن - يرى محللون أن نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إدارة أزمة غزة قد ينجح في إنهاء الحرب الحالية بسرعة نسبية، لكنه يضع الأساس لتحديات أكثر تعقيدًا في المرحلة المقبلة.

وأظهرت الأحداث التي أعقبت هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 أن أي عملية عسكرية أو دبلوماسية، مهما كانت فعّالة على المدى القصير، ستواجه صعوبات جوهرية لضمان استقرار دائم في القطاع.

ومع انطلاق العمليات العسكرية، ركزت إدارة ترامب على تحقيق إنجازات فورية: وقف القتال الفعلي، تحرير الرهائن، وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين.

وقد اعتمد الرئيس الأميركي أسلوبًا ارتجاليًا ومباشرًا، تجاوز فيه القيود التقليدية التي عادة ما تعيق الرؤساء الأميركيين في التعامل مع إسرائيل، مستفيدًا من حصانته السياسية للضغط على تل أبيب دون خوف من الانتقادات الداخلية.

وسمح هذا النهج بإحراز مكاسب أولية مهمة، أفرجت عن رهائن، وقلّلت من التصعيد، وأعادت شعورا جزئيا بالأمن للمدنيين في غزة وللمواطنين الإسرائيليين على حد سواء. لكن هذه المكاسب المبكرة تواجه قيودا واضحة.

ورفضت حماس تقديم القبول الكامل الذي طالب به ترامب، وتمسكت بشروطها التقليدية: رفض نزع السلاح، الإشراف الدولي، والحكم المؤقت، مقابل انسحاب إسرائيلي كامل ووقف دائم لإطلاق النار.

ورغم هذا، تعامل ترامب مع الرد المشروط على أنه قبول فعلي، وأعلن اتفاقًا غير مكتمل التفاصيل، مركّزًا على النتائج الفورية أكثر من الالتزام بالمعايير طويلة الأمد للأمن الإسرائيلي.

استمرار الضغوط الأميركية لإبقاء إسرائيل ملتزمة بمسار محدد يضيف طبقة إضافية من التعقيد

والمرحلة المقبلة، التي تتمثل في إدارة غزة بعد وقف إطلاق النار، أكثر تعقيدًا بكثير. فالأهداف الأساسية تشمل نزع سلاح حماس، إنهاء حكمها في القطاع، إعادة إعمار غزة، وبناء إدارة محلية مستقرة لا تشكل تهديدًا لإسرائيل.

وتتطلب هذه المهمة توازنا دقيقا بين المصالح الإسرائيلية، والمطالب الفلسطينية، والدور الإقليمي والدولي، مع ضرورة استمرار التدخل الشخصي للرئيس الأميركي في كل التفاصيل الصغيرة لضمان التقدم.

ومن الناحية العسكرية، يشكل القضاء الكامل على حماس تحديًا كبيرًا للجيش الإسرائيلي. فقد أظهرت التجارب السابقة أن تحقيق هذا الهدف بتكلفة مقبولة من الأرواح البشرية، سواء للجنود الإسرائيليين أو المدنيين الفلسطينيين، يكاد يكون مستحيلًا.

كما أن استمرار الضغوط الأميركية لإبقاء إسرائيل ملتزمة بمسار محدد يضيف طبقة إضافية من التعقيد.

ويرى الباحث دانييل شابيرو في تقرير لمجلة فورين بوليسي أن هذا يعني أن أي فشل في المرحلة الأولى قد يؤدي إلى جمود طويل الأمد، حيث تستمر مفاوضات حول نزع سلاح حماس وتشكيل سلطة انتقالية دولية، وربما إشراك قوات متعددة الجنسيات لرصد الامتثال للاتفاقيات.

ودبلوماسيًا، يشكل هذا الوضع فرصة لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، لكنه محفوف بالمخاطر. فنجاح المرحلة الأولى قد يمهد الطريق لتوسيع اتفاقيات أبراهم، ودفع السعودية نحو التطبيع، وربط الحل الفلسطيني بمسار طويل الأمد لإقامة دولة فلسطينية. لكن أي تعثر في غزة أو استمرار التوتر الداخلي الإسرائيلي قد يقوض هذه المبادرات، ويعيد المنطقة إلى نمط من الجمود والتصعيد الدوري.

وعلى المستوى السياسي الداخلي في إسرائيل، من المتوقع أن يستخدم نتنياهو الانتخابات المقبلة لتأكيد رفضه إقامة دولة فلسطينية، ما قد يعقد تنفيذ أي حل إقليمي أو سلام دائم.

وفي الوقت نفسه، يبقى الضغط على الإدارة الأميركية مستمرًا لضمان ألا تتحول المكاسب المرحلية إلى فراغ استراتيجي يسمح بتجدد العنف في غزة.

ويقدم نهج ترامب فرصة حقيقية لإنهاء الحرب الحالية وإنجاز ملموس على المستوى الإنساني والدبلوماسي، لكنه لا يقلل من تعقيدات المرحلة التالية.

وستتطلب إدارة غزة بعد وقف القتال دبلوماسية دقيقة، توازنًا مستمرًا بين المصالح المتنافسة، وإشرافًا مباشرًا على التفاصيل، لضمان أن تكون المرحلة الأولى نقطة انطلاق نحو استقرار طويل الأمد، وليس مجرد تهدئة مؤقتة تنتهي بتجدد الصراع.

ويمتد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في قطاع غزة لعقود طويلة، متأصلًا في أبعاد تاريخية وسياسية وجغرافية معقدة.

ومنذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، شهد القطاع دورات متكررة من العنف، إذ صعدت حركة حماس كقوة سياسية وعسكرية رئيسية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، ما وضع السلطة الفلسطينية وإسرائيل أمام واقع جديد قائم على حكم حركة مقاومة مسلحة للقطاع، قادرة على تحدي سيادة الدولة العبرية وفرض شروطها السياسية والعسكرية.

منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، شهد القطاع دورات متكررة من العنف، إذ صعدت حركة حماس كقوة سياسية وعسكرية رئيسية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006

وشهد القطاع عدة حروب رئيسية، كان لكل منها تأثيره الاستراتيجي المحدود على موازين القوى. ففي حرب غزة 2008–2009، التي أطلقتها إسرائيل ضد حماس بعد تصاعد الهجمات الصاروخية، انتهت الحرب بوقف إطلاق نار غير رسمي، مع استمرار حركة حماس في السلطة واحتفاظها بقدرتها على إعادة التنظيم والتسلح.

وأما حرب 2012، فكانت تصعيدًا محدودًا نسبيًا، أظهرت قدرة الحركة على الرد بصواريخ محلية الصنع وأكدت محدودية نتائج الضربات الإسرائيلية في تحقيق استقرار طويل الأمد.

وبينما شكلت حرب 2014 مرحلة أكثر دموية وتدميرًا، إذ تكبد المدنيون الفلسطينيون خسائر كبيرة، وتعرضت البنية التحتية الحيوية في القطاع للتدمير، إلا أن حماس استمرت في السيطرة على القطاع وأعادت ترتيب قدراتها العسكرية بعد انتهاء العمليات.

وفي التصعيدات بين عامي 2021 و2023، ظهرت قدرة الحركة على استخدام الهدن المؤقتة لإعادة تجهيز صفوفها، بينما اقتصرت الضربات الإسرائيلية على تقييد مؤقت لقدرتها القتالية دون تحقيق أهداف استراتيجية شاملة.

ويظهر هذا التاريخ الطويل من النزاعات نمطًا متكررًا: أي نجاح عسكري مؤقت لإسرائيل قد يحقق مكاسب محدودة على الأرض، لكنه لا يضمن الاستقرار طويل المدى، ويترك الباب مفتوحًا للجولات التالية من العنف.

وفي الوقت نفسه، تستخدم حماس كل فترة هدنة لإعادة ترتيب صفوفها، تطوير أسلحتها، وتعزيز نفوذها السياسي، ما يجعل كل تصعيد جديد أشبه باستئناف لدورة قديمة. كما أن استمرار النزاع يفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، ويزيد الضغط الإقليمي والدولي على جميع الأطراف، ويصعب فرص الحل السياسي طويل الأمد.

وفي هذا السياق التاريخي، يصبح واضحًا أن أي خطة أميركية أو إسرائيلية، بما في ذلك نهج ترامب الحالي، تواجه تحديًا مزدوجًا: فهي قد تحقق بعض المكاسب الفورية، لكنها ستظل محدودة ما لم تُترجم هذه المكاسب إلى استقرار دائم ومنع تكرار دوائر العنف الطويلة التي ميّزت الصراع في غزة لعقود.

3