اختلاف المواقف لا يمنع تونس من التمسك بعلاقات متينة مع المغرب

خروج قيس سعيد للرد على البيان خطوة مهمة لمنع ربطه بالموقف الرسمي وقطع الطريق على محاولات توتير علاقات تونس الخارجية.
الخميس 2025/10/23
موقف حاسم

قبل أيام صدر بيان صغير من المجمع المهني المشترك للتمور في تونس، موجه إلى المنتجين، يعلن عن افتتاح تصدير المنتجات التونسية خارجيا في اتجاه كل دول العالم، لكنه استثنى المغرب من ذلك. وأثار البيان صدمة لدى المراقبين، فكيف لهيكل مهني صغير أن يحشر قطاعا حيويا مثل قطاع التمور في مسائل دبلوماسية لا تعني سوى وزارة الخارجية، وبالأساس مؤسسة الرئاسة في تونس.

كان من الواضح أن البيان لا يعبر عن موقف المنتجين ولا وزارة الفلاحة التونسية، التي تعمل ما في وسعها للبحث عن أسواق جديدة، ولا يمكنها بأي شكل أن تلجأ إلى التضييق على القطاع بإلغاء التعامل مع أحد أهم الأسواق أمام التمور التونسية.

وسرعان ما قوبل هذا الموقف المرتجل بموقف مضاد من منتجي التمور المغاربة يدعو إلى حظر استيراد التمور التونسية.

وحتى لا يأخذ الموقف أبعادا أكثر من حجمه، وخاصة لتأكيد أنه موقف معزول ولا يعبر عن توجه الدولة التونسية، كان لافتا ما جاء في حديث الرئيس التونسي قيس سعيد مع وزير الفلاحة الثلاثاء بشأن هذا الموضوع.

لا شك أن التوضيح التونسي، وعلى أعلى مستوى، سيوفر أرضية تساعد على تضييق تأثير الخلاف السياسي على المصالح المشتركة، وألا يؤخذ أي تفصيل، خاصة إذا صدر عن دوائر ثانوية أو هامشية، بحساسية

وقال الرئيس التونسي إنه “في الوقت الذي تعمل فيه تونس على إيجاد أسواق جديدة لتصدير التمور، يصدر بلاغ غير مسؤول يقتضي الواجب مساءلة صاحبه ويتضمّن إقصاء لإحدى الدّول الشّقيقة”، مضيفا “فأشقّاؤنا يبقون دائما أشقّاءنا، فكيف يُقصي الشّقيق شقيقه حتّى وإن اختلفا في المقاربات وفي المواقف”.

ويشير كلام الرئيس سعيد إلى أن الموقف الخاص باستثناء السوق المغربية من تصدير التمور التونسية موقف معزول وأن من أصدره ستتم مساءلته بسبب الإساءة لمصالح تونس وعرقلة تصدير التمور وما سيجلبه هذا القرار من خسائر مباشرة على القطاع، هذا من ناجية.

لكن الناحية الأهم أن تونس تفصل كليا في علاقاتها الخارجية بين التباينات التي تحصل في الموقف السياسي بين بلد وآخر، كما هو الحال مع المغرب، وبين المصالح المشتركة، التي تهم مصالح الناس، وهي التي يجب أن تبقى بمنأى عن السجال السياسي مهما بلغ من فجوة.

الموقف السياسي يمكن أن يتغير في أي لحظة، وهو مرتبط بمعادلات آنية، لكن المصالح المشتركة تخص الجيل الحالي والأجيال القادمة، تهم المواطنين والتجار ورؤوس الأموال والمؤسسات الاقتصادية، وهي لا تخضع بأي شكل لتأثير الموقف السياسي، فما بالنا بموقف عرضي وهامشي ولا يعبر عن موقف رسمي، وهو ما يفسر تدخل الرئيس سعيد بنفسه لوضع النقاط على الحروف.

وهذه رسالة مهمة يفترض أن يتم الاعتماد عليها كأرضية في علاقات تونس الخارجية، خاصة مع صعود جيل جديد من السياسيين والمتكلمين في الشأن العام ممن يطلقون الحديث على عواهنه دون حساب المنزلقات التي يمكن أن يقود إليها ويسيء عبرها إلى صورة تونس إقليميا ودوليا، ويربك موقفها الرسمي ويؤثر على مصالحها شرقا وغربا.

لا شك أن بيان ديوان التمور في تونس قد كُتب بهذه العقلية، التي تخبط خبط عشواء، ولا تراعي في الحديث خصوصيات المقال والمقام، وتعكس غياب الوعي بمصالح البلاد. ولم يكن كاتب البيان يقدر أن موقفا معزولا وموهوما يمكن أن يجر وراء أزمة حادة إذا تم تأويله على أنه يعبر عن موقف رسمي، ويقود إلى توتر أشمل يطال مختلف قطاعات الشراكة.

خروج الرئيس سعيد في الوقت للرد على البيان خطوة مهمة لمنع ربطه بالموقف الرسمي من جهة، ومن جهة ثانية لقطع الطريق على محاولات توتير علاقات تونس الخارجية بوعي أو دون وعي. خاصة مع المغرب، الذي هو شريك أساسي وتاريخي لتونس.

الحساسيات السياسية لا تنتهي، بين مختلف أقطار المغرب العربي على المستوى الثنائي، لكن المهم أن يتم تحديد مربع تأثيرها لمنع أن تتحول إلى أصل طاغ يهدد بضرب أواصر الوحدة الطبيعية

هناك جهات تعمل على توظيف أي جزئية أو موقف لتضخيمه لحسابات سياسية آنية دون أن تقرأ حساب مصالح تونس الاستراتيجية. من ذلك محاولة إعطاء الاتفاق الدفاعي الأخير بين تونس والجزائر أبعادا سلبية وإظهارها كما لو أنها ضد المغرب، مع أن الهدف كان تنسيق الجهود لوقف موجات الهجرة غير النظامية عبر الحدود.

فضلا عن ذلك فإنه من حق أي بلد أن يوقع اتفاقيات ثنائية في أي مجال يريده اقتصاديا وتجاريا أو دفاعيا، وهو ما يفعله المغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا، فلماذا يتم النفخ في تفاصيل الاتفاق التونسي – الجزائري من طبقة سياسية يفترض أن تدافع عن مصالح تونس الاستراتيجية خارجيا دون أن يمنعها ذلك من الاختلاف في القضايا الداخلية.

يمكن أن يكون موقف الرئيس التونسي، الذي يفصل بين المصالح الاستراتيجية وبين المواقف السياسية الآنية والمتغيرة، أرضية مغاربية مشتركة يتم الاحتكام لها في كل عناصر الاختلاف خاصة السياسية. فليس هناك مثلا ما يدعو إلى أن يمنع الاختلاف بشأن ملف الصحراء من فتح الحدود بين مختلف الدول بما في ذلك بين الجزائر والمغرب، كما سبق أن عبر عن ذلك مرارا العاهل المغربي الملك محمد السادس، وينطبق الأمر على علاقة تونس بليبيا وليبيا والجزائر أو موريتانيا.

ولا شك أن التوضيح التونسي، وعلى أعلى مستوى، سيوفر أرضية تساعد على تضييق تأثير الخلاف السياسي على المصالح المشتركة، وألا يؤخذ أي تفصيل، خاصة إذا صدر عن دوائر ثانوية أو هامشية، بحساسية.

الحساسيات السياسية لا تنتهي، بين مختلف أقطار المغرب العربي على المستوى الثنائي، لكن المهم أن يتم تحديد مربع تأثيرها لمنع أن تتحول إلى أصل طاغ يهدد بضرب أواصر الوحدة الطبيعية، وهي عناصر قائمة منذ ستينات القرن الماضي، من خلال شراكات ثنائية وجماعية نجح في دعمها وتسهيلها اتحاد المغرب العربي، الذي يأمل الجميع في عودته إلى النشاط وتجاوزه لعناصر التعطيل.

7