جهود حكومية وراء تراجع نسب الأمية في الأردن
تراجعت نسبة الأمية في الأردن بصفة غير مسبوقة لتترجم عن خطة ملكية مدروسة أولت عناية خاصة بكبار السن والنساء في الأرياف كما طوقت ظاهرة التسرب الطلابي لتضمن اكتساب الشباب لمهارات معرفية قبل مغادرتهم المدارس. وخصص الأردن برامج تعليمية موجهة للشباب، ذكورا أو إناثا، كما خصصت لهم مراكز تعليمية تمكنهم من الاستفادة من الخدمات المقدمة فيها.
عمان - يبرز الأردن كقصة نجاح ملهمة في مجال محو الأمية، في عصر تسود فيه التكنولوجيا وتتسارع وتيرة التحول الرقمي.
فمن نسبة كانت تبلغ 88 في المئة في الماضي إلى أقل من 5 في المئة في يومنا هذا، تحول الأردن من تحد كبير إلى نموذج يحتذى به في تعزيز القراءة والكتابة كأدوات أساسية لبناء المستقبل، وذلك بفضل مجهودات ملكه عبدالله الثاني.
وقد جعل الملك عبدالله الثاني من التعليم أولوية وطنية، حيث دعا باستمرار إلى ضرورة معالجة مشكلة الأمية؛ لما تفرزه من انعكاسات سلبية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، ولما تسببه أيضا من عقبات أمام برامج التنمية المستدامة، فقد حثت التوجيهات الملكية السامية دوما على علاج هذه المشكلة بخطة مدروسة مبرمجة تمثلت بإغلاق الرافد الذي يغذي الأمية، وهم الطلبة الذين يتسربون من المدارس قبل امتلاكهم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب، وبهذا يكون الأردن قدوة وأنموذجا للعالم في تحويل التحديات إلى فرص.
الوزارة تقوم سنويا بتدريب وتأهيل المعلمين الجدد العاملين في هذه المراكز، وتعزيز مهاراتهم في التعامل مع الكبار
وفي اليوم العالمي لمحو الأمية الذي يلتئم تحت شعار “تعزيز محو الأمية في العصر الرقمي”، كشفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عن أن 739 مليونا من البالغين الذين تبلغ أعمارهم 15 عاما يفتقرون لمهارات القراءة والكتابة الأساسية ثلثاهم من النساء وفقا للمعهد الدولي للإحصاء 2025، ويفشل 251 مليون طفل حول العالم في اكتساب مهارات القراءة والكتابة الأساسية.
وبينت اليونسكو أنه بالرغم من أن محو الأمية يعد أساسا للمهارات الرقمية والتحول الرقمي الشامل، كما يعتبر محو الأمية جزءا من ظاهرة الرقمنة التي أعادت تعريف معنى أن تكون متعلما، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن من القراءة والكتابة، إلى جانب كيفية تصميم برامج وسياسات تعليم وتعلم محو الأمية وإدارتها ومراقبتها.
ووفقا لصفحة الاتحاد الدولي للاتصالات الإلكترونية حول الإحصاءات (2025)، ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت من مليار مستخدم عام 2005 إلى 5.5 مليار مستخدم عام 2024.
وتشير المؤشرات الصادرة عن تقرير هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الإحصائي للربع الأول من العام 2025 لقطاع الاتصالات إلى ارتفاع عدد اشتراكات الاتصالات المتنقلة لتصل إلى 8.03 مليون اشتراك مقارنة بـ 7.79 مليون اشتراك للربع الأول من العام 2024 أي بنسبة نمو 3 في المئة، وارتفاع عدد اشتراكات الإنترنت لتصل إلى (818.5) ألف اشتراك مقارنة بـ (799) ألف اشتراك للربع الأول من العام 2024، وبنسبة نمو بلغت (2.5 في المئة).
وأكد الناطق الإعلامي في وزارة التربية والتعليم محمود الحياصات، لوكالة الأنباء الأردنية أن نسبة الأمية بين الأردنيين لعام 2024 وصلت إلى أقل من 5 في المئة، وفقا لإحصاءات دائرة الإحصاءات العامة.
وأوضح الحياصات أن البرنامج التعليمي موجه للأفراد الذين تبلغ أعمارهم 15 عاما فأكثر، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، حيث يمكنهم الالتحاق بالمراكز التعليمية والاستفادة من الخدمات المقدمة فيها، إذ بلغ عدد المراكز التعليمية للعام 2024 ـ 2025 نحو 174 مركزا، التحق بها 2060 دارسا ودارسة.
وأشار إلى أن الوزارة تعمل من خلال إدارة التعليم على إعداد خطط إستراتيجية لتوفير فرص تعليمية تلبي احتياجات مختلف شرائح المجتمع، مع التركيز على برنامج محو أمية الكبار، وتشمل هذه الجهود التعاون مع مديريات التربية والتعليم لتحديد الاحتياجات وفتح مراكز تعليمية في المناطق التي يتوفر فيها 10 دارسين أو أكثر.
وأضاف، أن الوزارة توفر القرطاسية والسجلات الخاصة بالبرنامج للملتحقين مجانا، كما تتكفل بدفع أجور المعلمين العاملين في هذه المراكز.
وفي ما يخص المواد التعليمية، بين الحياصات أن الوزارة أعدت منهاجا خاصا بالبرنامج يخدم الدارسين من الصف الأول إلى الصف السادس الأساسي، بالإضافة إلى توفير بطاقات تعليمية يستخدمها المعلمون داخل المراكز.
وعن استخدام التكنولوجيا في التعليم، أشار إلى أن دراسة مادة الحاسوب تتم وفقا لرغبة الدارس، مع التأكيد على أن الدراسة تتم بشكل حضوري في المراكز فقط.
وأكد الحياصات أن الوزارة تقوم سنويا بتدريب وتأهيل المعلمين الجدد العاملين في هذه المراكز، وتعزيز مهاراتهم في التعامل مع الكبار وتطبيق إستراتيجيات التدريس الحديثة.
وأشار إلى أن هذه الجهود تأتي في إطار استراتيجية الوزارة لتعزيز التعليم المستمر ومحو الأمية، بما يسهم في تنمية المجتمع وتمكين الأفراد من تحقيق طموحاتهم التعليمية والمهنية.
وقد عملت وزارة التربية والتعليم في مجال محو الأمية وفق أسلوبين، الأول الأسلوب الوقائي والذي يتمثل في توفير التعليم الأساسي المجاني والإلزامي لجميع أفراد المجتمع الذين هم في سن التعليم المدرسي، وقد بدأت وزارة التربية والتعليم العمل على إلزامية التعليم لمدة ست سنوات منذ سنة 1952، وفي عام 1964 صدر قانون التربية والتعليم الذي عمل على تمديد إلزامية التعليم ومجانيته لتسع سنوات، وفي عام 1987، بعد مؤتمر التطوير التربوي الأول عام، مددت إلزامية التعليم لعشر سنوات لتشمل مرحلة التعليم المجاني الإلزامي لجميع الفئات العمرية من سن السادسة حتى السادسة عشرة، وبذلك يكون النظام التربوي الأردني عمل على إغلاق الرافد الذي يغذي حجم الأمية، وعمل على خفضها تدريجيا مع فتح القنوات بين التعليم النظامي والتعليم غير النظامي.
وتضمن الأسلوب الثاني وهو العلاجي برنامجا يقسم من المستوى التعليمي إلى مرحلتين: الأولى تسمى مرحلة المبتدئين، ومدة الدراسة فيها 16 شهرا أو عامين دراسيين يمنح المتخرج بعدها شهادة دراسية تعادل شهادة الصف الرابع الأساسي، والمرحلة الثانية تسمى مرحلة المتابعين، ومدة الدراسة فيها 16 شهرا أو عامين دراسيين، يمنح المتخرج في نهايتها شهادة تعادل شهادة الصف السادس الأساسي.
وأكدت الخبيرة التربوية الدكتورة يسرى العلي العموش، أستاذة الإدارة التربوية في جامعة البلقاء التطبيقية، لوكالة الأنباء الأردنية أن محو الأمية الرقمية لا يقتصر على القدرة على استخدام الكمبيوتر أو الهاتف الذكي فحسب، بل يشمل مجموعة من المهارات والمعارف التي تمكن الأفراد من الوصول إلى المعلومات، وتقييم مصداقيتها بشكل نقدي، وإنشاء المحتوى الرقمي ومشاركته، بالإضافة إلى التواصل والتعاون بفعالية عبر المنصات الرقمية.
وأضافت الدكتورة العموش أن محو الأمية الرقمية يلعب دورا محوريا في التمكين الاقتصادي، حيث يفتح أبوابا جديدة للعمل عن بعد وريادة الأعمال، ويزيد من فرص التوظيف في سوق العمل الذي أصبح يعتمد بشكل متزايد على المهارات الرقمية.
كما يسهم في تحقيق الشمول المجتمعي من خلال تقليل الفجوة الرقمية بين الأجيال والفئات الاجتماعية المختلفة، ما يضمن عدم تخلف أي فرد عن ركب التحول الرقمي.
وأشارت العموش إلى أن محو الأمية الرقمية يوفر إمكانية الوصول إلى مصادر تعليمية لا حدود لها، سواء عبر المنصات التعليمية أو الدورات التدريبية عبر الإنترنت، ما يعزز أساليب التعليم الذاتي ويسهم في تطوير المهارات المعرفية، لافتة إلى أهمية محو الأمية الرقمية في تعزيز المواطنة الفعالة، حيث يمكن الأفراد من التفاعل مع الحكومة الإلكترونية والمشاركة في الحياة المجتمعية والمناقشات العامة بشكل أكثر فعالية.
وأضافت العموش، إن تبني التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة يدعم الابتكار والتنمية المستدامة، ما يخلق مجتمعا قادرا على مواكبة التطورات الرقمية المتسارعة.، مؤكدة أن هذا الملف يحظى بأولوية وطنية، حيث ينظر إليه كركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعمل الأردن على تحقيق ذلك من خلال مزيج من الإستراتيجيات الوطنية الطموحة، وإصلاح النظام التعليمي، وتقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية، بهدف بناء مجتمع رقمي شامل ومتمكن.
من جانبه، أكد المستشار التربوي فيصل التايه أنه رغم التقدم الكبير الذي أحرزته المجتمعات الإنسانية في العقود الأخيرة، إلا أن الأمية ما تزال تمثل تحديا عالميا كبيرا، حيث يفتقد ملايين الأشخاص حول العالم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة، مشيرا إلى أن هذا الحرمان لا يقتصر أثره على الأفراد فقط، بل يمتد ليعيق المجتمعات بأسرها عبر إبطاء النمو الاقتصادي، وزيادة الفقر، وتعزيز التمييز الاجتماعي.
وأضاف، أنه في الأردن تشير بيانات دائرة الإحصاءات العامة إلى أن معدل الأمية انخفض إلى نحو 5 في المئة عام 2023 بعد أن كان 11 في المئة في عام 2000، وهو إنجاز وطني بارز، لافتا إلى دور وزارة التربية والتعليم التي تواصل جهودها لمحو الأمية من خلال فتح مراكز تعليمية في مختلف محافظات المملكة، والتي تقدم برامج تعليمية مجانية تستهدف الفئات التي لم تتح لها فرصة الالتحاق بالمدارس، إلى جانب برامج جديدة تركز على محو الأمية الرقمية لمواكبة متطلبات العصر، ذلك أن الوزارة تعتبر محو الأمية قضية وطنية بامتياز، حيث غدت برامج محو الأمية مفتوحة أمام جميع الفئات العمرية، ونولي اهتماما خاصا بالنساء في المناطق الريفية، حيث تظهر نسب الأمية بشكل أكبر.
يشار إلى أن الاحتفالات السنوية باليوم الدولي لمحو الأمية أقيمت في 8 أيلول منذ عام 1967، ويكمن الهدف من هذا اليوم في تذكير واضعي السياسات والأخصائيين وعموم الجمهور بأهمية محو الأمية لإنشاء مجتمعات أكثر استدامة وعدلا وسلاما وإلماما بمهارات القراءة والكتابة.