"404.01" معالجة مغربية معاصرة لسينما الخيال العلمي

يونس الركاب يتوج بجائزتين في مهرجان فيلم المرأة بسلا.
الأربعاء 2025/10/01
مخرج يغامر بمواضيع مختلفة عن السائد في المغرب

حصد المخرج المغربي يونس الركاب جوائز مهمة في المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، لفتت الانتباه لموضوع العمل السينمائي وكيف خاض المخرج تجربة إخراجية ناجحة ضمن ما يعرف بسينما الخيال العلمي، مبحرا بجمهوره نحو قضايا معاصرة مثل التكنولوجيا والهوية.

الرباط ـ شهدت الدورة الـ18 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا تتويج الفيلم المغربي “404.01” بجائزة الضفة الأخرى، كما حاز أيضا جائزة الجمهور الشبابي الخاصة بالفيلم الطويل، ليؤكد بذلك قدرته على صناعة أفلام تحتوي على قضايا معاصرة خيالية والانفتاح على ذائقة المتفرج. ويبرز هذا التتويج مكانة الفيلم في المشهد السينمائي المغربي الخاص بنوع الخيال العلمي، خاصة أنه يمثل تجربة نوعية في نوع هذه الأفلام في السينما المغربية.

لقد خاض المخرج المغربي يونس الركاب مغامرة سينمائية جديدة في نوع سينما الخيال العلمي عبر فيلمه المعنون بـ”404.01″، والذي يتبع فيه أسلوبا أقرب إلى السينما الأوروبية عبر حكاية يوظفها لانتقاد القطاع الصحي بالمغرب في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، واختلاف التكامل بين الأجيال في الفن السابع.

تدور أحداث الفيلم حول موضوعات الهوية والتكنولوجيا والانتماء في سياق معاصر، وبأسلوب يجمع بين التشويق والإثارة أبدع يونس الركاب في تقديم رؤية سينمائية تمزج بين السرد الواقعي والخيال، وهذا جذب انتباه الجمهور الشبابي في سينما ملاكي بسلا طوال مدة عرض الفيلم البالغة 100 دقيقة، وهو فيلم من سيناريو محمد حافيظي وبطولة حسناء مومني وعبدالنبي البنيوي.

تدور أحداث الفيلم حول موضوعات الهوية والتكنولوجيا والانتماء في سياق معاصر، وبأسلوب يجمع بين التشويق والإثارة
تدور أحداث الفيلم حول موضوعات الهوية والتكنولوجيا والانتماء في سياق معاصر، وبأسلوب يجمع بين التشويق والإثارة

ويبرز “404.01” معالجة مختلفة لقصة خيال علمي نادرة في السينما المغربية، كإضافة على مستوى الكتابة والطرح، إذ نجح في طرح أفكار معقدة تتعلق بالزمن والمستقبل والقدرة على التحكم في المصير، وهو ما يظهر من خلال حبكة تثير التوتر والقلق، إذ تتلقى البطلة أوامر غامضة من المستقبل لتواجه أحداثا غير متوقعة، وهذا الطرح يبرز توجها فلسفيا يتعلق بتشابك الحاضر والمستقبل، وتبعات اتخاذ قرارات مصيرية بناءً على معرفة مسبقة بما سيحدث.

ويمزج السيناريو بين الواقعية والخيال بطريقة غامضة خاصة عندما يتم تصوير البطلة في مهنة حساسة، فهي طبيبة جراحة، جعل انتقالها إلى عالم الخيال العلمي أكثر تأثيرا، فتقديم المستقبل عبر موجات صوتية هو ابتكار درامي معروف حدث في أفلام كثيرة لكنه يسمح للسيناريو بالبقاء في نطاق الخيال العلمي دون اللجوء إلى المؤثرات التقنية المفرطة، وهذا الاقتصاد في الوسائل التكنولوجية يعبر عن حنكة في الكتابة، كون السيناريو يعتمد بشكل أكبر على بناء العوامل النفسية بدلا من الخيال البصري المبهر.

ويتبع الإيقاع الزمني أسلوبا تصاعديا في الأحداث، إذ تتزايد التحديات التي تواجه البطلة تدريجيا وصولا إلى ذروة تورطها في جريمة قتل طفل، وهذه الحبكة المتشابكة تضيف إلى القصة بعدا نفسيا عميقا، وتسمح للمشاهد بالتفاعل مع الصراع الداخلي للشخصية.

وتتجنب المعالجة السينمائية هنا الحلول السهلة أو المباشرة، ما يزيد من تعقيد الشخصيات والأحداث ويشحن شعور المشاهد بالترقب، ويترك مساحة للتأويل والشك، كما يؤجج الغموض ويعمق أبعاد الحبكة ويبرز رؤية متقدمة في كتابة السيناريو، لأنه لا يقدم المستقبل كحقيقة ثابتة، وإنما كإمكانية تتغير بناءً على أفعال الشخصيات.

ويبرز أداء حسناء مومني في فيلم “404.01” تطورا في تجسيد الشخصيات المركبة والمعقدة، خصوصا في دورها كطبيبة جراحة تُجبر على التعامل مع أوامر قادمة من المستقبل، وجسدت الصراع الداخلي الذي تعيشه البطلة بين مهنتها وما يحدث من اضطرابات نفسية نتيجة للأحداث الخارقة للطبيعة. كما تميزت بقدرتها على إظهار مشاعر القلق والتوتر والاضطراب النفسي سينمائيا بين أداء دور الطبيبة العقلانية والمرأة المتورطة في أحداث غير منطقية، خاصة في اللحظات التي تتعامل فيها مع التوتر الناتج عن سماع الأوامر الغامضة. لقد أظهرت تنوعا في الأداء من خلال إظهار القوة والضعف في نفس الوقت، ما أضاف عمقا للشخصية.

ونجح عبدالنبي البنيوي في تقديم شخصية معقدة تساعد في بناء الحبكة بعفوية، وتميز بالقوة والثبات وأضاف إلى القصة لحظات من الغموض والتوتر، واستطاع أن يوازن بين الحضور القوي للشخصية والأبعاد النفسية التي تجعلها تبدو غير قابلة للتوقع، وقدم دوره بطريقة تعتمد على الإيماءات والتفاعلات الهادئة التي تنقل أبعادا عميقة من الغموض، كعنصر فعال في تعزيز الأجواء النفسية والدرامية للفيلم.

ويمكن القول إن كلا الممثلين ساهم في تقديم أداء يليق بتعقيدات الأحداث.

ويظهر أيضا تعلق المخرج يونس الركاب بعائلته من خلال استخدامه صورة والده الراحل، المخرج محمد الركاب، وهي لمسة رمزية تحمل دلالات إنسانية، وهذا الاستخدام يعد تكريما لوالده الذي كان له تأثير كبير في السينما المغربية.

"404.01" يبرز معالجة مختلفة لقصة خيال علمي نادرة في السينما المغربية، كإضافة على مستوى الكتابة والطرح

ويبرز في أفلامه اهتمام كبير بربط أعماله الفنية بأسرته، سواء من خلال الإهداء المباشر أو الرموز الفنية التي يستحضرها في مشاهد متعددة. هذه اللمسات تعبر عن امتنانه وتأثره بعائلته، خصوصا والده الذي يعتبره مصدر إلهام رئيسي في مسيرته الفنية، وهذا الربط الشخصي يتجاوز مجرد التقدير العائلي ليصبح جزءًا من هوية أفلامه، كونه يستخدم هذه الرموز لخلق نوع من التواصل الروحي بين الماضي والحاضر.

ويمكن اعتبار إدخال صورة والده في فيلم “404.01” استعارة رمزية للعلاقة بين الأجيال وتاريخ السينما المغربية، كما يعبر هذا الأسلوب عن تعلق الركاب بالجذور العائلية كعنصر أساسي في تكوينه الفني والشخصي، ويظهر هذا التعلق أيضا في إهداءاته المتكررة لعائلته في أعماله السابقة، كحالة من الوفاء الشخصي والاعتراف بتأثير العائلة على مساره المهني والفني.

ويتسم أسلوب المخرج يونس الركاب في فيلم “404.01” بتأثره الواضح بالسينما الأوروبية، خاصة في تصويره لمشاهد رياضة زوارق البحر، وهذا التأثر يظهر من خلال استخدامه زوايا تصوير واسعة تبرز جماليات المناظر الطبيعية والمحيط، وهو ما يميز كثيرا السينما الأوروبية التي تبدي اهتماما كبيرا بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة. وهذه المشاهد تتميز بهدوء بصري وتركيز على التفاصيل، حينما يستخدم الركاب الحركة البطيئة واللقطات الطويلة لتعزيز الشعور بالرهبة والتحدي، ويجعل المشاهد يعيش اللحظة وكأنه في قلب الحدث.

ويبرز تعامل المخرج مع رياضة زوارق البحر أيضا فكرا بصريا يميل إلى المدرسة الأوروبية في بناء التوتر تدريجيا عبر اللقطات المتقنة والاعتماد على الإيقاع البصري الهادئ بدلا من الإثارة السريعة، ويوظف الركاب الرياضة كرمز للصراع الداخلي والبحث عن الحرية، وهو ما يظهر بشكل بارز في السينما الأوروبية التي تعتمد الرمزية كأسلوب سردي.

السيناريو يمزج بين الواقعية والخيال بطريقة غامضة خاصة عندما يتم تصوير البطلة في مهنة حساسة، فهي طبيبة جراحة، جعل انتقالها إلى عالم الخيال العلمي أكثر تأثيرا

ويضيف التركيز على البحر كفضاء مفتوح بعدا فلسفيا يشحن الجو النفسي للفيلم، ويعكس قدرة الركاب على استخدام الفضاء الطبيعي كأداة لإيصال المعاني والدلالات العميقة، بما يتماشى مع تأثيرات السينما الأوروبية في أسلوبه الإخراجي.

ويبرز يونس الركاب استمرارية واضحة في أسلوبه الإخراجي بين فيلمه “404.01” وفيلمه السابق “الأوراق الميتة”، إذ يتميز كلا العملين بتوجه بصري وسردي مشابه يعتمد على استخدام الرموز والمواضيع العميقة التي تتناول الصراع النفسي والشخصي. وفي كلا الفيلمين يبرز الركاب في بناء توترات داخلية للشخصيات من خلال أحداث خارجية، كتعبير عن اهتمامه بالمزج بين الواقع والخيال بطريقة رمزية.

ويعتمد الركاب في فيلم “404.01”، كما في “الأوراق الميتة”، على سرد معقد ومتشابك خاصة عندما تتداخل الأحداث والأفكار لتكوين حبكة درامية نفسية تُظهر الصراعات الداخلية للشخصيات، ويخلق أسلوبه في إدارة الكاميرا واستخدامه للإضاءة الداكنة والزوايا المبادرة إحساسا بالتوتر والترقب، وهو ما يتطابق مع ما قدمه في “الأوراق الميتة”، كونه نجح في إظهار العوالم الداخلية للشخصيات عبر الصور السينمائية الغامضة.

وأسدل الستار على فعاليات الدورة الثامنة عشرة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، بتتويج الفيلم النمساوي “القمر” (2024) لمخرجته كوردوين أيوب بالجائزة الكبرى، ومنحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم “ماناس” لماريانا بريناند، ونال فيلم “عام الأرملة” لفيرونيكا ليشكوفا جائزة أول عمل، وفازت هيلغا غورين بجائزة أفضل دور نسائي عن فيلم “حبيبي”، وتقاسم الممثلون حسام محمد وقادر بنشودار ومرتضى حسني وأشرف جامعي ونواد سلاسي سعيد جائزة أفضل دور رجالي عن فيلم “فتيات الرغبة”، ومنحت جائزة “الضفة الأخرى للمناصفة” للفيلم المغربي “404.01” لمحمد الداغور، وحصل الفيلم الوثائقي “السور الصغير” لإيف دوشمان على جائزة الفيلم الوثائقي مع تنويه خاص لفيلم “المدينة الأم”.

ونال فيلم “إخوة في الرضاعة” لكنزة التازي جائزة الجمهور الشبابي للفيلم القصير، وحصل الفيلم المغربي “وشم الريح” على تنويه خاص. واختتمت الدورة بمشاركة أفلام من مختلف القارات، مؤكدة حضور الأعمال الغربية أكثر من المغربية وغياب العربية طبعا.

9