هل يملك دروز السويداء خيار الانفصال

المطالب الدرزية تكشف هشاشة العقد الاجتماعي داخل سوريا وغياب الثقة بين المركز والأطراف وتطرح سؤالا جوهريا: هل يمكن لسوريا أن تكون دولة متعددة الهويات دون أن تنزلق نحو التفكك؟
السبت 2025/09/20
فاعلون متنوعون لا كتلة صماء

السويداء حالة خاصة في المشهد الوطني السوري، لا فقط بسبب تركيبتها الديموغرافية ذات الغالبية الدرزية، بل لأنها باتت تمثل نموذجًا مصغرًا لصراع الهوية والسلطة والمستقبل في سوريا ما بعد الحرب. لكن اختزال الدروز في السويداء وحدها، أو في خطاب رجل دين واحد، يغفل تعدد مواقعهم الجغرافية وتنوع مواقفهم السياسية. فالدروز لا يعيشون فقط في السويداء، بل في جرمانا على تخوم دمشق، وفي العاصمة نفسها، وفي مناطق أخرى مثل القنيطرة، ما يجعلهم طائفة موزعة جغرافيًا، متعددة في رؤاها، غير قابلة للاختزال في موقف واحد أو مرجعية واحدة.

منذ اندلاع الثورة السورية، اختارت السويداء طريقًا مختلفًا عن باقي المحافظات. لم تنخرط في الصراع المسلح، لكنها لم تصطف بالكامل خلف النظام. هذا الحياد النسبي لم يكن وليد اللحظة، بل امتدادًا لتاريخ طويل من العلاقة المتوترة بين الدروز والسلطة المركزية، منذ حملة أديب الشيشكلي في خمسينات القرن الماضي، مرورًا بسياسات التهميش في عهد البعث. المطالب التي ترفعها السويداء اليوم لا تنبع من نزعة انفصالية، بل تعكس رغبة في حماية الذات وضمان الحد الأدنى من الكرامة والخدمات. ومن بين هذه المطالب، كان رفض التجنيد الإجباري أحد أبرز العناوين، خاصة في ظل شعارات فصائل محلية مثل “رجال الكرامة” التي رفعت شعار “دم السوري على السوري حرام”. لكن مع إعلان الحكومة الانتقالية الحالية إلغاء التجنيد الإجباري وتراجعها عن أي نية لإعادة فرضه، فإن هذا السبب لم يعد يشكل مبررًا راهنًا للانفصال، وإن ظل حاضرًا في الذاكرة السياسية للطائفة.

ما يحدث في السويداء ليس مجرد أزمة محلية، بل مرآة تعكس أزمة الهوية الوطنية في سوريا. فالمطالب الدرزية تكشف هشاشة العقد الاجتماعي وغياب الثقة بين المركز والأطراف

فكرة الانفصال الكامل عن الدولة السورية تبدو غير واقعية، نظرًا لغياب الدعم الدولي، وللجغرافيا المغلقة التي تحيط بالسويداء، وللانقسام الداخلي داخل الطائفة نفسها بين مؤيدين للوحدة الوطنية، مطالبين بالفيدرالية، ورافضين لأي تدخل خارجي. في المقابل، يبدو السيناريو الأكثر واقعية هو تعزيز الحكم المحلي وتوسيع صلاحيات الإدارة الذاتية ضمن إطار الدولة السورية، وليس الخروج منها.

في دمشق وجرمانا، يعيش الدروز في بيئة أكثر اندماجًا مع الدولة، ويعبّرون عن مواقف أقل حدة تجاه المركز. كثير منهم يرفضون اختزال الطائفة في خطاب رجل دين واحد، مثل الشيخ حكمت الهجري، رغم احترامهم له كمرجعية روحية. فهم يعتبرون أن العلاقة مع الوطن الأم لا يجب أن تُضحى بها إرضاءً لتوجهات فردية أو فئوية، وأن الانتماء الوطني لا يتناقض مع الخصوصية الدينية أو الثقافية.

تاريخيًا، تعرض الدروز والعلويون لأشكال من التهميش والاضطهاد، لكن السياقات مختلفة. الدروز واجهوا حملات عسكرية مباشرة، مثل حملة الشيشكلي، وتهميشا سياسيا ممنهجا، رغم حفاظهم على استقلالية دينية قوية. أما العلويون، فعانوا من تهميش اجتماعي طويل الأمد ووصم ديني، قبل أن يصعدوا إلى السلطة عبر المؤسسة العسكرية في عهد الأسد الأب. لا يمكن القول إن أحدهما اضطُهد أكثر، بل إن أشكال الاضطهاد كانت مختلفة، ونتائجها كذلك. وإذا كان الدروز قد دافعوا عن خصوصيتهم، فإن العلويين أعادوا تشكيل علاقتهم مع الدولة عبر السيطرة عليها.

ما يحدث في السويداء ليس مجرد أزمة محلية، بل مرآة تعكس أزمة الهوية الوطنية في سوريا. فالمطالب الدرزية تكشف هشاشة العقد الاجتماعي وغياب الثقة بين المركز والأطراف، وتطرح سؤالا جوهريا: هل يمكن لسوريا أن تكون دولة متعددة الهويات دون أن تنزلق نحو التفكك؟ الجواب لا يكمن في قمع المطالب، بل في الاعتراف بها، وتقديم نموذج جديد للحكم المحلي يضمن الحقوق ويعيد بناء الثقة. السويداء لا تطلب الانفصال، بل الاحترام. والدروز لا يسعون إلى دولة خاصة، بل إلى دولة تحترم خصوصيتهم. وفي هذا السياق، من الضروري أن يُفكك الخطاب الذي يختزل الطائفة في رجل دين أو منطقة واحدة، فالدروز، كغيرهم من السوريين، يحملون تعددًا داخليًا في الرؤى والانتماءات، ويستحقون أن يُنظر إليهم كفاعلين متنوعين، لا ككتلة صماء.

6