هل تعترف بريطانيا بالدولة الفلسطينية

مؤتمر حل الدولتين في نيويورك كانت له بصمة في تشجيع دول العالم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وشكل محطة مفصلية لتفعيل حل الدولتين وتجسيد رؤية عادلة ومستدامة للسلام في الشرق الأوسط.
الخميس 2025/07/31
حل القضية الفلسطينية مفتاح استقرار المنطقة

تعتزم بريطانيا في سبتمبر المقبل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إن لم تتوقف إسرائيل عن تجويع سكان قطاع غزة وتفتح المعابر. وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ما لم تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، وتلتزم بحل الدولتين، وتمتنع عن ضم الضفة الغربية.

وقد صرّح جيريمي كوربن، عضو مجلس العموم البريطاني، بأن المظاهرات المليونية التي تشهدها بريطانيا بشكل شبه يومي تشكل ضغطًا متصاعدًا على الحكومة، خاصة في ظل مشاهد التجويع المروّعة في غزة، مشددًا على أنه “لا يوجد أيّ عذر لتأخير الاعتراف بدولة فلسطينية،” مطالباً الحكومة البريطانية بالتحرك الفوري دون شروط.

يبدو أن الصحوة الجماهيرية في بريطانيا هي التي دفعت باتجاه تصحيح مسار الحكومة البريطانية، وتصحيح ما ارتكبته بلادهم قبل قرن من الزمن عندما أعلن بلفور وعده المتمثل في إعطاء اليهود وطنًا قوميًا في فلسطين. لقد جاءت حرب الإبادة والتجويع بمثابة المحرك للاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذا لا يعني أن السابع من أكتوبر هو ثمرة الاعتراف بالدولة، فالحقيقة تكمن في إصرار القيادة الفلسطينية ومطالبتها المتكررة بالاعتذار عن وعد بلفور، وهو المحرك الفعلي. وقد طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذا الأمر في وقت سابق على الجمعية العامة، وقال إنه طالب الحكومة البريطانية بتصحيح خطأ فادح ارتكبته بحق الشعب الفلسطيني عندما أصدرت وعد بلفور عام 1917، الذي يمنح اليهود وطنًا قوميًا في فلسطين، رغم أن فلسطين كانت عامرة بأهلها الفلسطينيين، حيث كان 97 في المئة من سكان فلسطين في ذلك الوقت فلسطينيين.

لقد حاولت السياسة البريطانية طوال عقود الادعاء بأنها سعت خلال احتلالها لفلسطين (1917 – 1948) إلى عدم الإضرار بالشعب الفلسطيني، وأن سياق الأحداث هو الذي أدى إلى تلك النهاية المأساوية لهذا الشعب.

◄ الاعتراف بالدولة الفلسطينية يحتاج إلى إنهاء احتلال إسرائيل الكامل للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. والمطلوب أمميًا هو الوقوف في وجه إسرائيل وكفّها عن تعنتها

وجاء ما يعزز ذلك في تصريح للناطق السابق باسم الحكومة البريطانية أدوين صموئيل، الذي قال إن بلاده تعتبر أن وعد بلفور تسبب في نكبة أغلبية الفلسطينيين، لافتًا إلى أن المؤرخين هم من سيحكمون على السجل البريطاني، وليس الدبلوماسيون أمثاله، وأردف قائلاً إن الاعتذار والاعتراف بالدولة الفلسطينية يضرّ بإمكانية تسوية الصراع، مؤكدًا أنه لا بديل عن حل الدولتين، وأن بريطانيا ما زالت على موقفها بأن القدس الشرقية مدينة محتلة.

في المقابل، يمارس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا على بريطانيا للتراجع عن تلويحها بالاعتراف بدولة فلسطين. وتسعى الحكومة الإسرائيلية هذه الأيام، في ظل سيل اعتراف بعض دول العالم بالدولة الفلسطينية، وعلى رأسها فرنسا، إلى إحباط هذه المحاولات وتبديد حلم الدولة الفلسطينية.

ولكن يبقى السؤال المهم: هل تنجح إسرائيل في وقف الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

على أرض الواقع، نشاهد إسرائيل تسابق الزمن في فرض أمر واقع في غزة والضفة الغربية. ففي الضفة الغربية، تستمر إسرائيل في مصادرة الأراضي، وتعمل على ضم الضفة الغربية، وتشق الطرق الالتفافية المغذية للمستوطنات وغيرها. لهذا، يبقى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على منصة الأمم المتحدة في الأيام القادمة منقوصًا إذا لم يترجم القول إلى فعل، ويُلزم إسرائيل، أولاً وقبل كل شيء، بوقف التجويع والإبادة في غزة.

لا يوجد في أجندة الفلسطينيين سوى وقف التجويع والإبادة في غزة، ووقف الزحف الاستيطاني، كل ذلك مقدمة للدولة المنشودة. الولايات المتحدة مصرة على إحباط محاولات فرنسا وبريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي تتبنى الرواية الإسرائيلية التي تقول إن وجود دولة فلسطينية بجوار إسرائيل يشكل خطرًا يهدد وجود الأخيرة، وحجم المساعدات الأميركية العسكرية لإسرائيل يهدف إلى بقائها قوية ومسيطرة في الشرق الأوسط.

يبدو أن مؤتمر حل الدولتين الذي عُقد في نيويورك كانت له بصمة واضحة في تشجيع دول العالم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقد قال وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود إن المؤتمر يشكل محطة مفصلية نحو تفعيل حل الدولتين وإنهاء الاحتلال، وتجسيد رؤية عادلة ومستدامة للسلام في الشرق الأوسط، وأكد أن السعودية تؤمن بأن تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لجميع شعوب المنطقة يبدأ بإنصاف الشعب الفلسطيني وتمكينه من نيل حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

الخلاصة، الاعتراف بالدولة الفلسطينية يحتاج إلى إنهاء احتلال إسرائيل الكامل للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. والمطلوب أمميًا هو الوقوف في وجه إسرائيل وكفّها عن تعنتها، فحل القضية الفلسطينية هو مفتاح الاستقرار في المنطقة.

 

اقرأ أيضا:

       • حل الدولتين: وعود المؤتمرات وتفكيك الواقع

9