في متاهة خطة ترامب

الحاكم الفعلي اليوم في إسرائيل هو ترامب الذي يبحث عن جائزة نوبل للسلام في غزة. لقد خسر نتنياهو وخسرت حماس، وخسر الشعب الفلسطيني الذي دفع الثمن الأكبر.
الخميس 2025/10/02
خسر نتنياهو وخسرت حماس وفاز ترامب

نشر البيت الأبيض، الاثنين، الخطة الشاملة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. تشمل انسحابًا للجيش الإسرائيلي على ثلاث مراحل، وإدارة قطاع غزة بموجب حكم انتقالي مؤقت من قِبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية. خطة ترامب المكونة من 21 نقطة ننتظر موافقة حماس عليها. في المحصلة، كل ما ذُكر لا يخدم حماس كحركة، وربما يسعف المواطن الغزي ويضع حدًا للإبادة والتجويع. ولكن ماذا لو رفضت حماس خطة ترامب؟ لا يوجد أفضل من هذه الخطة على صعيد الحفاظ على ما تبقى من الحركة، والخيارات المطروحة على الطاولة أحلاهما مر بالنسبة لها. فإذا رفضت حماس خطة ترامب فهذا يعني محو القطاع كليًا والتهجير سيد الموقف، وإذا قبلتها فهذا يعني أنها خسرت الكثير من قاعدتها الشعبية وتصبح أكثر عزلة من ذي قبل. أما على صعيد إسرائيل فقد كسبت ترامب الذي أعطاها الضوء الأخضر: لا دولة فلسطينية.

الإجماع العربي والإسلامي على خطة ترامب قد يدفع حماس إلى قبولها، رغم أن ما جاء في الخطة لا يلبي أهداف الحركة. ثمة غموض في انسحاب إسرائيل من القطاع بشكل كامل، وفي حال احتفظت إسرائيل بأجزاء من قطاع غزة فهذا يعتبر مكسبًا لها وخسارة لحماس. إذن ماذا كسبنا من الحرب؟ كسب الشعب الفلسطيني الزحف الأممي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن كان ذلك يحدث بالدبلوماسية الفلسطينية دون إراقة الدماء وتدمير شبه كامل لقطاع غزة، وتشريد آلاف العائلات من نزوح إلى نزوح آخر، فضلًا عن الجوع الكاسر الذي ألمّ بجلّ الغزيين.

إنّ المعنى أن حماس اليوم تبحث عن نصر أو بارقة أمل تقول إنها حققت بعض ما كانت تروم إليه: إعادة الأسرى والمسرى، وتتوق لبقائها في الحكم. وهنا يلتقي نتنياهو مع حماس، فكلاهما يريد البقاء سيدًا على قومه. وفي تقديري قد باعدت مدة الحرب، التي استمرت سنتين، بين تحقيق أيٍّ منهما.

لا شيء مطمئن على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية. صحيح كان هناك سيل من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، لكن ذلك يحتاج إلى تطبيق على الأرض، وقبل ذلك وقف الاستيطان وكبح جماح المستوطنين في الضفة 

شكل المرحلة القادمة واليوم التالي بعدما تضع الحرب أوزارها لم يتضح بعد. أولًا ننتظر رد حماس على خطة ترامب التي استلمتها الحركة مؤخرًا. وفي حال الموافقة، المزعج هو إدارة حكم غزة من جهة غير فلسطينية أو حتى عربية. المطروح أن يكون المشرف الرئيس الأميركي وعضوية توني بلير. أما مصير قادة حماس في الخارج والداخل فلم يتضح بشكل جلي حتى الآن.

نعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر، حيث انطلق الطوفان وفي جعبته الكثير من آمال وطموحات الشعب الفلسطيني. وتلك الآمال تحطمت على صخرة الآلة العسكرية الإسرائيلية، ودعم الولايات المتحدة الأميركية غير المحدود لإسرائيل.

الحاكم الفعلي اليوم في إسرائيل هو ترامب، الذي يبحث عن جائزة نوبل للسلام في غزة. لقد خسر نتنياهو إذا صمدت خطة ترامب، وخسرت حماس التي فقدت تسيدها على قطاع غزة، وخسر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية التي سُيّجت مدنها وقراها ومخيماتها بالبوابات الحديدية. وخلال العامين المنصرمين زادت وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية، كما زادت عنجهية المستوطنين الذين قتلوا العشرات من الفلسطينيين بعدما سمح لهم بن غفير بحمل السلاح ومواجهة الفلسطينيين العزّل الآمنين في المدن والقرى الفلسطينية.

في الاجتماع الأخير الذي جمع ترامب ونتنياهو لم يضغط الرئيس الأميركي على نتنياهو بخصوص الدولة الفلسطينية، وترك الأمر كليًا لرئيس وزراء إسرائيل. إذن مخطط ترامب يصب في مصلحته أولًا، وثانيًا لينقذ إسرائيل من العزلة الدولية التي شاهدناها مؤخرًا.

لا شيء مطمئن على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية. صحيح كان هناك سيل من الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، لكن ذلك يحتاج إلى تطبيق على الأرض، وقبل ذلك وقف الاستيطان وكبح جماح المستوطنين في الضفة الغربية وتفكيك المستوطنات العشوائية التي أقيمت بعد السابع من أكتوبر.

وإذا أردنا أن نسجل ملاحظات ترتبط بواقع الحال أو السياق الحالي للإشكالية المرتبطة بموقع الخلاف بين حماس وإسرائيل، تبرز إشكالية حول حسم النقاط التي وردت في خطة ترامب بشكل كامل. العرب يطالبون باستبعاد توني بلير، وسحب جزئي لسلاح حماس. وبخصوص نزع سلاح الحركة تبقى نقطة خلاف، ربما يستغلها نتنياهو لينسف الاتفاق، وهذا ما يبحث عنه. نحن أمام أيام حاسمة، إما أن تُحسم كل النقاط ويتم التوافق عليها، وإما تعود الأمور إلى المربع الأول.

6