مصر وأميركا تعززان التعاون الثقافي والأكاديمي في مجال المتاحف والتراث

مصر تتجه إلى إعادة تعريف دور المتاحف في الحياة العامة، من مؤسسات عرض إلى منصّات تعليمية وتفاعلية.
الجمعة 2025/10/24
تغيير النظرة إلى المتاحف ودورها

في إطار جهود دعم التبادل الثقافي بين مصر والولايات المتحدة الأميركية، استقبلت مصر خلال الفترة من 7 إلى 18 أكتوبر 2025 وفدًا رفيع المستوى من مؤسسة "جلوبال نيو أورليانز" الأميركية، في زيارة شملت القاهرة والأقصر وأسوان والغردقة، ضمن جولة ثقافية وأكاديمية تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات المتاحف والتراث والتعليم والثقافة.

ضم الوفد ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة، هم البروفيسور المصري الأميركي هيثم عيد، وسوزانا كوليج، وأيلين بيرن، إلى جانب المديرة التنفيذية ليلي باندي، واثني عشر عضوًا من الجمعية العمومية للمؤسسة.

التعاون الدولي

نظّمت الرحلة بالتعاون مع شركة “خذني إلى مصر” (Take Me To Egypt)، التي تولت تنسيق البرامج الثقافية والتراثية المصاحبة للزيارة، في إطار رؤية تسعى إلى ربط التراث المصري العريق بالحوار الثقافي العالمي.

بدأت الزيارة من القاهرة، حيث اطّلع الوفد على عدد من المعالم الثقافية البارزة، قبل التوجه إلى الأقصر وأسوان في جولة ميدانية شملت المعابد والمواقع الأثرية الكبرى مثل الكرنك ووادي الملوك. كما تضمنت الرحلة محطة خاصة في مدينة الغردقة، التي جمعت بين الطابع السياحي والثقافي، وأتاحت لأعضاء الوفد فرصة التعرف على جانب من مقومات السياحة البيئية في مصر.

وفي ختام الجولة، عاد الوفد إلى القاهرة، حيث زار المتحف المصري بالتحرير، وكان في استقبالهم الأستاذ الدكتور علي عبدالحليم علي، مدير عام المتحف، في مكتبه، حيث تحدث معهم عن أهمية المتحف ودوره التاريخي والعلمي، بينما رافقهم في جولتهم داخل المتحف عدد من أمناء المتحف ومديرة مكتبته التاريخية. كما زار الوفد المتحف المصري الكبير، حيث استقبلهم وفد من كبار أمناء المتحف والقائمين على العرض المتحفي، واصطحبوهم في جولة داخلية للتعريف بأحدث أساليب العرض والتوثيق بالمتحف.

♦ زيارة الوفد الأميركي لمصر فرصة مهمة للاطلاع على عمق الحضارة المصرية القديمة وإمكانات التعاون في مجال المتاحف

وأبدى أعضاء الوفد إعجابهم الشديد بعراقة المتاحف المصرية وغزارة مقتنياتها، مؤكدين أن هذه الزيارة تمثل فرصة مهمة للاطلاع على عمق الحضارة المصرية القديمة وإمكانات التعاون في مجالات الترميم وإدارة المتاحف والتعليم الثقافي.

وعلى هامش الزيارة، نظّمت المؤسسة لقاءً ثقافيًا في أحد المراكز الثقافية بمنطقة الخليفة في القاهرة، شارك فيه عدد من الخريجين المصريين من برنامج وزارة الخارجية الأميركية للقادة الدوليين، وهم: هناء أبو العز، صحفية دبلوماسية ومذيعة في "اليوم السابع"، وآية الشرقاوي، مسؤولة الملف البيئي بإحدى شركات القطاع بوزارة البترول والثروة المعدنية، والدكتورة منى لملوم باحثة وكاتبة، وهي صاحبة ومحررة كتاب "IVLP  وجوه التبادل"، والتي أهدت نسختين من الكتاب إلى البروفيسور هيثم عيد والدكتورة ليلي باندي تقديرًا لدورهما في دعم التعاون الثقافي بين الجانبين.

تغيير دور المتاحف

ناقش المشاركون خلال اللقاء سبل تعزيز التواصل بين خريجي البرنامج، وإمكانية تنفيذ مشروعات ثقافية وتعليمية مشتركة بين الجانبين المصري والأمريكي، مؤكدين أهمية استمرار مثل هذه المبادرات في بناء علاقات قائمة على المعرفة والتفاهم المتبادل.

كما عقد البروفيسور هيثم عيد عددًا من اللقاءات مع الأكاديميين والباحثين في الجامعات المصرية والمؤسسات الثقافية، تناولت آفاق التعاون في دراسات المتاحف، وإدارة التراث في العصر الرقمي، ودور المتاحف في دعم الدبلوماسية الثقافية وبناء جسور التواصل بين الشعوب.

ويُعد الدكتور هيثم عيد أحد أبرز المتخصصين عالميًا في مجال دراسات المتاحف، وهو مؤسس نموذج "الابتكار في المتاحف"، وهو إطار بحثي متطور يسعى إلى تحويل المتاحف إلى مؤسسات أكثر تأثيرًا وعدالة وانفتاحًا على المجتمع من خلال تبنّي مفاهيم الابتكار الاجتماعي وريادة الأعمال الثقافية.

وقد صدرت له مؤلفات مرجعية مهمة في هذا المجال، من أبرزها كتاب "ابتكار المتاحف وريادة الأعمال الاجتماعية: نموذج جديد لعصر مليء بالتحديات" الصادر عام 2019، وكتاب "ابتكار المتاحف: بناء مؤسسات أكثر عدالة وارتباطًا وتأثيرًا" الصادر عن دار "روتليدج" البريطانية عام 2021. وتقدّم مؤلفاته رؤية جديدة لدور المتاحف كمراكز تفاعلية للتعليم والمشاركة المجتمعية، تتجاوز المفهوم التقليدي للعرض والحفظ إلى تبنّي دور تنموي وثقافي فاعل يواكب التحديات العالمية المعاصرة.

أما مؤسسة "جلوبال نيو أورليانز"، فهي منظمة ثقافية غير ربحية مقرها مدينة نيو أورليانز بولاية لويزيانا الأميركية، تعمل على تطوير العلاقات الثقافية والإنسانية بين الولايات المتحدة ودول العالم من خلال برامج تبادلية ولقاءات مهنية وتعاون مع مؤسسات تعليمية وثقافية دولية.

وتتبنّى المؤسسة فلسفة تقوم على «الثقافة كجسر للتفاهم»، وتسعى إلى توظيف الفنون والتراث والحوار الأكاديمي في بناء مجتمعات أكثر تفاعلًا وانفتاحًا.

وتأتي هذه الزيارة في وقت تتجه فيه مصر إلى إعادة تعريف دور المتاحف في الحياة العامة، من مؤسسات عرض إلى منصّات تعليمية وتفاعلية تُسهم في تنمية الوعي الثقافي وتعزيز الانتماء الوطني، مؤكدة بذلك مكانتها كمركز حضاري عالمي ووجهة أساسية للحوار الثقافي والفكري بين الشرق والغرب.