مصر تفعل قانون ضبط الفتاوى بعد إباحة "الحشيش"
القاهرة - اضطرت مؤسسات دينية في مصر إلى تفعيل قانون تنظيم الفتاوى الذي وافق عليه مجلس النواب مؤخرا، بعد فتوى أطلقتها عالمة أزهرية أباحت فيها تعاطي مخدر الحشيش، وسط غضب عارم من انخراط بعض رجال الدين في أمور حياتية شديدة التعقيد، وإطلاق فتاوى تشكل خطورة على الأمن المجتمعي.
وقررت جامعة الأزهر إحالة الداعية سعاد صالح إلى التحقيق ووقفها عن العمل، عقب حديثها عن عدم وجود نص قرآني صريح يُحرم تعاطي الحشيش، وأنه ليس من المسكرات التي يحظر تداولها، ما تسبب في صدمة مجتمعية حاولت مؤسسات دينية تخفيف وطأتها عبر تحريم تعاطي هذا المخدر.
وسارعت مؤسسات دينية مختلفة إلى الإعلان عن فرض عقوبات على أي رجل دين تابع لها، حال ظهر إعلاميا وتصدى للفتوى قبل حصوله على تصريح رسمي، بما يعني تفعيل نصوص قانون تنظيم الفتوى الذي يقصر إصدار فتاوى على شخصيات بعينها، بعد الحصول على إذن رسمي، وخلاف ذلك سوف يواجه من يُصدر رأيا دينيا بعقوبات مشددة تصل إلى الحبس.
وعكست فتوى إباحة الحشيش مدى الفوضى في مجال الفتاوى بمصر، وبدت عملية مستعصية على الحل، في ظل محاولات عديدة خاضتها مؤسسات عدة للسيطرة على الفضاء الديني من خلال تدشين إدارات للدعوة الإلكترونية وتعدد مراصد الفتوى.
ومنذ مصادقة البرلمان المصري على قانون تنظيم الفتاوى وفرض عقوبات على من يتصدون لها بلا ترخيص قانوني، لم يتم تفعيل نصوصه، واستمرت الرؤى الدينية الشاردة في إثارة غضب الرأي العام ودوائر السلطة ضد مؤسسات منوط بها تنظيم المجال الدعوي، خاصة عندما تتعارض بعض الفتاوى من القوانين المدنية وتعرقل جهود الدولة في الخلاص من سلوكيات شاذة.
وضاعفت وزارة الداخلية من مطاردة تجار ومتعاطي المخدرات على وقع غضب شعبي ضد العناصر التي تجاهر ببيع مخدر الحشيش في الشوارع والميادين، وهي ترى سيدات أو رجال دين يبيحون ذلك بحجة عدم وجود نص قرآني يُحرمه، وبدا الأمر كأن الحكومة تخالف الدين عندما تواجه تجار ومتعاطي المخدرات بالقانون.
وأوحى فرض بعض المؤسسات الدينية حظرٍ إجباريٍّ على المنتسبين إليها قبل الحصول على ترخيص، امتعاض دوائر في السلطة من الفوضى التي طالت المشهد الدعوي، في وقت تتعامل فيه الدولة مع تقييد الفتوى كخطوة لتجديد الخطاب الديني.
وتعرضت سعاد صالح، صاحبة فتوى الحشيش، للتحقيق والوقف عن العمل بجامعة الأزهر، لكن الخطوة يصعب التأسيس عليها بأن الأزهر بات صارما تجاه فوضى الفتاوى، لأنها تعرضت لعقوبات سابقة من جامعة الأزهر بسبب فتاوى أكثر شذوذا، وعادت لتمارس نفس الأمر بما لا يوحي بالجدية في المواجهة.
ويرى مراقبون أن الفتاوى الشاذة لبعض علماء الأزهر لا يكفي معها تفعيل قانون تنظيم الفتوى، وتتطلب إرادة من المؤسسة الدينية بالتماهي غير المشروط مع النظام والبدء في اتخاذ خطوات ملموسة نحو إحياء ملف تجديد الخطاب الديني، دون اعتداد بأن تلك الخطوة تؤثر على مكانة الأزهر.
ويحمل وضع المسؤولية على عاتق الأزهر وحده، قدرا من الظُلم، لكنه مطالب بأكبر من الاكتفاء بالتبرؤ من الفتاوى الغريبة التي يطلقها علماء ينتمون إليه، ويجب أن يكون له موقف حاسم بإبعاد هؤلاء عن صدارة المشهد وعدم التدخل في قضايا مريبة، بما يمنح معارضي الأزهر فرصة لمزيد منالهجوم عليه.
الفتاوى الشاذة لبعض علماء الأزهر لا يكفي معها تفعيل قانون تنظيم الفتوى، وتتطلب إرادة من المؤسسة الدينية بالتماهي غير المشروط مع النظام
وهناك فتاوى أكثر شذوذا تصدر عن شيوخ وأئمة تابعين لوزارة الأوقاف ودار الإفتاء، أيّ أن الأزمة غير مقتصرة فقط على الأزهر، بل في طريقة إدارة المشهد الدعوي بشكل عام، وهو ما أرجعه بعض المفكرين إلى كون الخطاب الديني لم يتم تحديثه، وشيوخ المؤسسات الدينية المعنيين بالفتوى لا يتم تأهيلهم بشكل سليم.
وأكد البرلماني السابق والباحث في شؤون العقائد محمد أبوحامد أن وقف فوضى الفتاوى يتطلب إرادة صارمة، وليس تطبيقا للقانون فقط، ومراجعة بعض رجال الدين لمواقفهم بالتماهي مع استفسارات الناس في كل كبيرة وصغيرة ليتعود المجتمع على إعمال العقل والمنطق والتمييز بين الصواب والخطأ بعيدا عن الاحتماء بفتوى أو إضفاء مشروعية على فعل خاطئ.
وأضاف أبوحامد في تصريح لـ”العرب” أن جزءا أصيلا من فوضى الفتاوى يرتبط بالسيولة في إصدار الفتاوى، وهذا خطر على الأمن المجتمعي، لأن إطلاق رؤى دينية في قضايا شائكة بلا تعمق يغذي الجهل ويؤدي إلى حالة من اللاوعي العقلي، ومن المهم أن تتعامل كل مؤسسة مع تجديد الخطاب الديني كأولوية، إذا كانت جادة في المواجهة.
وثمة قرارات مشددة صدرت عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، حول ضرورة موافقة مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف على الأشخاص المصرح لهم بالظهور في برامج الفتاوى الدينية، لكن ذلك لم يتم تفعيله، وجاءت فتوى الحشيش لتضع كل طرف أمام المسؤولية وتُحيي قانون تنظيم الفتاوى.
ولدى الأزهر الكثير من العلماء الذين يمتلكون رؤى معتدلة، لكن هناك مشكلة في بعض وسائل الإعلام أنها تفضل الاعتماد على رجل دين يطلق فتاوى شاردة، باعتبار أن ذلك يجلب مشاهدات أعلى ويوسع جماهيرية المنبر الذي استضافه، ما يعني أن المشكلة ليست في المؤسسات الدينية والقانون، بقدر ما ترتبط بالشغف بالإثارة.
ويضع إصرار المؤسسات الدينية على انتهاج أسلوب مرن في التعامل مع شذوذ بعض العلماء في الفتوى وعدم حرمانهم من احتكار المشهد، في مواجهة مع دوائر داخل السلطة، فالبطء في محاسبة المخطئين من شيوخ الأزهر يشيرلرغبةفي قانون خاص به.
ومن الضروري أن يستوعب بعض قادة الأزهر تنقية كتب التراث لوقف الفتاوى الشاذة لبعض المنتسبين إليه، لأنهم يستمدون آراءهم منها، وتظل المعضلة في اقتناع دوائر داخل المؤسسة أن الاقتراب من التراث كأنه يهدد “صحيح الدين”، ما يعني أن تفعيل قانون تنظيم الفتوى دون إرادة حقيقية لتجديد الخطاب نفسه خطأ.
والقضية ليست في من يتصدر الفتوى، لكن بماذا يتصدر وكيف من أين جاءت فتواه، وهي نقطة على كل مؤسسة دينية مراعاتها قبل اشتراط حصول المنتسبين إليها على ترخيص للتصدي للفتوى، فوجود قوائم محددة بأسماء المفتين لا يحل المشكلة في عصر السماوات المفتوحة، ومهما بلغت العقوبات ستصل الفتوى الشاذة إلى الناس.