الأزهر يكتوي بنار السياسة: هل تم سحب بيان غزة بضغط من النظام
القاهرة - دخل الأزهر وشيخه أحمد الطيب في خضم معركة إعلامية وسياسية عقب قيامه بحذف بيان صحفي أصدره حول الأزمة الإنسانية في قطاع غزة طالب بتحرك فوري لإنقاذ الأبرياء، ما أثار جدلا استدعى توضيحا من الأزهر جاء فيه “إن الحذف كان بغرض عدم التأثير على المفاوضات الجارية بإقرار هدنة في غزة“.
وتعرّض الأزهر إلى هجوم شرس من عناصر متشددة، مثل الإخوان والسلفيين، ووجهت منابرهما الإعلامية انتقادات قاسية، وجرى اتهامه بأنه “رضخ للنظام”، محاولا تبييض صورته بالإيحاء أنه لا يرغب في إفشال المفاوضات الجارية حول الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، وهي مبرّرات في نظر متطرفين “مثيرة للضحك“.
وأقدم الأزهر على حذف البيان الأول بلا توضيح، ما أثار جدلا حول خلفيات الخطوة، وذهبت تفسيرات إلى أن رئيسه الشيخ أحمد الطيب تعرض لضغوط سياسية دفعته لسحب البيان، وتحدثت منابر إخوانية عن تهديدات طالته من جهات مهمة في الدولة.
ورد الأزهر في بيان لاحق، مفسّرا سحب بيانه الأول، قائلا إنه جاء "انطلاقا من المسؤولية التي يتحمّلها تجاه قضايا الأمّتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ونصرة أهل غزة المستضعفين،" وبادر بسحب البيان بشجاعة ومسؤولية حين أدرك تأثيره على المفاوضات بشأن هدنة إنسانية في غزة لإنقاذ الأبرياء، وحتى لا يُتخذ من هذا البيان ذريعة للتراجع عن التفاوض أو المساومة فيها.
ولا يعبّر سحب بيان الأزهر عن وجود ضغوط قوية مارستها دوائر رسمية في القاهرة، بقدر ما يرتبط بسعيها نحو عدم استغلال حركة حماس الخطاب الديني الشعبوي للمزيد من تعقيد الموقف بشروط تعجيزية باعتبارها مدعومة من مؤسسة دينية سنية كبيرة، تحظى بتأثير وتقدير عربي ودولي.
وترفض القاهرة منح فرصة لإسرائيل للتنصل من المفاوضات بشأن التهدئة في غزة، بذريعة بيان الأزهر، وأنه استخدم تلك النبرة عقب ضوء أخضر من الحكومة، ما يضعها في ورطة، كشريك في المفاوضات مع قطر والولايات المتحدة.
وأخذ الأزهر موقفا موازيا وداعما للدولة المصرية منذ اندلاع الحرب على غزة، ولم يتعرض خطابه لتحفظات رسمية في القاهرة، ونجح في حشد رأي عام داخلي لدعم الرئيس عبدالفتاح السيسي في موقفه الرافض لتهجير الفلسطينيين خارج غزة.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، طارق فهمي إن الأزهر يبدو كأنه تسرع في البيان الذي حُذف، مؤكدا أن موقف مؤسسة الأزهر منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة مشرف ووطني ويتناغم مع توجهات الدولة، وفي ما يخص البيان الأخير هناك دوائر داخل مؤسسة الأزهر شعرت بالتعجل.
وأضاف لـ”العرب” أن قرار الأزهر مستقل ومن المستبعد أن يكون تعرض لضغوط، فالشيخ الطيب ليست له خلافات مع الدولة، ويخدم القضية الفلسطينية بتوجهات إيجابية ومواقف حاسمة لا تتعارض مع رؤية السلطة، وهذا ظهر في مناسبات سابقة، والدولة تعي قيمة الأزهر كمؤسسة لها رمزيتها، ويصعب إجبارها على شيء.
واعتاد الشيخ أحمد الطيب في البيانات الصادرة عن الأزهر ضد إسرائيل، استخدام كلمات سياسية حادة أكثر منها دينية مرتبطة بالحلال والحرام، ما جعلها تحظى بتأييد واسع من دوائر شعبية مصرية وعربية، لكنها أحيانا تحمل عبارات خشنة تتعارض نسبيا مع تصورات الدبلوماسية المصرية الهادئة والمعتادة.
وترى دوائر رسمية في خطاب الأزهر مصلحة لحركة حماس ذات الجذور الإخوانية، ولا يفيد في الدفاع عن الفلسطينيين أو دعم موقف القاهرة في مسار المفاوضات وتقويض أيّ دعم ديني لحماس التي ترفض الموافقة على هدنة بشروط مرنة، ووقف مأساة شريحة كبيرة من الفلسطينيين.
وسواء سحب الأزهر بيانه بضغوط ومشاورات مع الطيب، فإنه يحمل رسالة بأن ممارسته لأيّ دور سياسي يجب وضعها في أضيق الحدود، والتنسيق مع الحكومة، لأنه لا يجيد ممارسة السياسة، ولا تعرف قياداته متى وكيف تتحدث أو تصمت.
◙ دوائر رسمية ترى في خطاب الأزهر مصلحة لحماس ولا يفيد في الدفاع عن الفلسطينيين أو دعم موقف القاهرة في مسار المفاوضات
وإذا كانت الحكومة المصرية قبلت أن يخرج الأزهر من النمط التقليدي إلى السياسي بحجة تقديم دعم للدولة في موقفها من الحرب على غزة، فهذا لا يعني أنها منحته شيكا على بياض ليتحدث بالطريقة التي يريدها والوقت الذي يختاره.
وقد تكون خشونة الأزهر في بيانه الأول ثم سحبه وتقديم مبررات ورّطت السلطة عندما قدم للإخوان وأتباعهم فرصة لتوثيق “أكذوبة” يرددونها دوما، بأن القاهرة تفرض الحصار على غزة، واستخدم بيان الأزهر للإيحاء بصدق هذه الفرية.
وصمتت القاهرة عن الرد على الاتهامات التي طالتها بأنها شريكة في الحصار المفروض على غزة، لتمرير الفرصة على اليمين المتطرف في إسرائيل لاستغلال ردها في نسف جهود المفاوضات.
ودأب الأزهر على دعم تصورات الدولة المصرية بشأن الوضع في القطاع ولم يخرج عن السياق العام، لكن المشكلة أنه بدأ مؤخرا يخاطب العقلية الإخوانية - السلفية أكثر من سعيه لوقف الحرب والمجاعة في غزة، وزيادة رصيده الشعبي بتأجيج شريحة من العرب ضد إسرائيل، لأنها فرصة لإعادة تقديم نفسه كقوة دينية مؤثرة.
وبعيدا عن خلفيات بيان الأزهر وتفسيراته وألغامه، هناك شواهد تبرهن أن السلطة المصرية لا تسعى إلى إحراج الشيخ أحمد الطيب أو تشويه صورة الأزهر لإدراكها أن هذه المؤسسة قوة مهمة، وتظل المعضلة في إصرار بعض أصحاب القرار بالأزهر على ممارسة دور سياسي قد يحرج الدبلوماسية المصرية.