قطاع غزة في واد والعالم في واد آخر
الحرب في غزة سوف تدخل عامها الثاني وما زالت نهايتها غامضة، ويتحدث رئيس وزراء إسرائيل عن صفقة محتملة خلال أيام، ولكن هناك خلاف مازال مستمرا على الخرائط وأماكن انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي، في المحصلة الحديث يدور عن صفقة مدتها 60 يوما ومن ثم ستعود إسرائيل وتستأنف الحرب مجددا، بمعنى لم تكتمل خطة إسرائيل بعد في غزة، ولم تحقق كل أهدافها.
حكومة نتنياهو تسعى للاستيلاء على جزء كبير من القطاع، وهو مسعى يتجاوز الحديث المبتذل والمتكرر منذ بداية الحرب، والذي يزعم أن نتنياهو يطيل أمد الحرب خوفًا من قضايا المحاكم. هذا الجانب ليس الأهم، بل المهم هو وجود مشروع أكبر يتخطى الخطط الإسرائيلية ورؤية التوراة، يهدف إلى السيطرة على الشرق الأوسط وتقويض دول الطوق. وهذا ما نشهده اليوم: سوريا أصبحت ساحة تمرد في الساحل ودرعا وغيرها، ولبنان وحزب الله تضاءل نفوذهما. إسرائيل ما زالت تحصد ثمار السابع من أكتوبر، رغم أن هذا الواقع قد لا يروق لبعض المراقبين والمحللين.
عندما نتابع شاشات التلفزيون نرى حجم المأساة التي حلت بالغزيين منذ ما يقارب العامين. لقد اجتاح الدمار والخراب مدن غزة التي كانت تعج بالحياة وتزدهر بالتجارة. الصور قبل وبعد تكشف زوال مدن بأكملها، وهو ما يؤكد أن الهدف ليس تنظيمًا مختبئًا تحت الأرض، بل كل ما فوقها من بشر وحجر وشجر. الجوع نهش أجساد الغزيين، بينما يشاهد العالم المتحضر وكأن سكان غزة العزل يعيشون على كوكب آخر. مشاهد الرعب التي تصلنا تقشعر لها الأبدان، ولا أحد يستطيع وضع حد لهذه المأساة.
◄ احتجاجات شعوب العالم، التي ملأت الشوارع ضجيجًا، لم تؤثر على إسرائيل، وكأنها لا تعنيها
لا بد من التذكير باتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحدد حماية المدنيين في أوقات الحرب. هذه الاتفاقية، التي وقّعت عليها 196 دولة، أصبحت جزءًا من القانون الدولي العرفي بقرار من مجلس الأمن عام 1993، ما يجعلها ملزمة حتى لغير الموقعين في الصراعات المسلحة. لكن، أين نحن من هذه الاتفاقية؟ غالبية ضحايا آلة القتل الإسرائيلية من النساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بأحداث السابع من أكتوبر، ومع ذلك تسجل يوميًا عشرات الضحايا في خيام النزوح ومراكز توزيع المساعدات. إسرائيل تدافع عن نفسها بحجج وأدلة كثيرة، لكنها لا تغير الواقع.
إسرائيل تطرح اليوم تصورًا جديدًا لمستقبل غزة يتمثل في “المدينة الإنسانية” جنوب القطاع، وهو مشروع مزدوج لـ”اليوم التالي” يحمل دلالات عسكرية وسياسية، ويخفي تهجيرًا قسريّا وتكتيكًا تفاوضيّا متطرفًا. لكن أصواتًا إسرائيلية، مثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، ترفض هذا المقترح. وصف أولمرت “المدينة الإنسانية” أو “خطة رفح” بأنها معسكر اعتقال للفلسطينيين، مؤكدًا أن إجبارهم على دخولها تطهير عرقي. الخطة تتضمن نقل نحو 600 ألف فلسطيني من منطقة المواصي إلى منطقة جديدة بعد فحص أمني، دون السماح لهم بالمغادرة، وفق تصريحات وزير الدفاع يوآف كاتس.
السؤال المحوري: هل تنجح إسرائيل في عزل غزة عن العالم؟ احتجاجات شعوب العالم، التي ملأت الشوارع ضجيجًا، لم تؤثر على إسرائيل، وكأنها لا تعنيها. بالنسبة إلى إسرائيل، المهم هو دعم حكومات العالم التي تقف إلى جانبها، بعد أن صورت نفسها على مدى عقد كدولة تواجه حرب وجود. استغل نتنياهو أحداث السابع من أكتوبر 2023 لتعزيز هذه الرواية، التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.