سيني بلاج يحفز المواهب السينمائية المغربية بعروض وورشات تدريبية

"التدريب الأخير" و"كأس المحبة" يفتتحان عروض الأفلام.
الجمعة 2025/08/29
فيلم حظي بإشادة الجمهور والنقاد

تجمع الدورة السادسة لمهرجان سينما الشاطئ، سيني بلاج الهرهورة، بين عروض الأفلام بمواضيعها الشيقة والمتنوعة، وبين التكوين العملي والإبداعي ضمن ورشات يؤطرها خيرة السينمائيين المغاربة، بحضور هواة شغوفين بتعلم أبجديات الفن السابع والتعرف على قصص النجاح وأهم المراحل التي مر بها القطاع السينمائي المغربي.

انطلقت فعاليات أول أيام مهرجان سينما الشاطئ سيني بلاج بالهرهورة، بماستر كلاس أطّره الممثل والمنتج والمخرج المغربي حميد الزوغي، موجه لعشاق السينما والممثلين الشباب، إذ قدم من خلاله تجاربه المهنية الغنية، مستعرضًا صعوبات البدايات وتطور القطاع السينمائي المغربي.

وأكد الزوغي على أهمية التحلي بالشغف والانضباط والمثابرة، معتبرًا أن قوة السينما المغربية تكمن في قدرة شبابها على الابتكار والعمل الجماعي، مشددا على أهمية الدور المحوري للمنتج في نقل الأفكار وتأسيس المشاريع السينمائية، مشيرًا إلى أن هذه المهنة تتطلب رؤية فنية متكاملة ومستوى عاليا من التنظيم.

ورحب المشاركون بهذه المبادرة، معتبرين أنها تشكل رافعة لإلهام المواهب الجديدة وتعزيز الحوار بين الأجيال، بالإضافة إلى تكريس الديناميكية الثقافية التي تقودها السينما المغربية.

بدأ حميد الزوغي حبه للسينما منذ شبابه، فتتبع خطوات المخرج السويدي الشهير إنكمار بيركمان في حلم دراسة السينما في ستوكهولم، لكنه واجه عائق تعلم اللغة السويدية واجتياز امتحان الولوج إلى الجامعات السويدية، فتوجه نحو فرنسا ومعهد الدراسات السينمائية العليا، إلا أن شرط الإيفاد من المركز السينمائي المغربي أجبره على العودة إلى وطنه، أين صنع لنفسه تجربة فنية مهمة.

وإلى جانب هذا الماستر كلاس، نظمت ورشة حول التشخيص والسيناريو، استهدفت الشباب الطامح إلى اكتساب مهارات عملية في الفن السابع، تم خلالها التركيز على أهمية السيناريو باعتباره العمود الفقري للأعمال السينمائية والتلفزيونية، ودور التشخيص في تكوين الممثل.

وأوضح الممثل عبدو المسناوي، مؤطر الورشة في الجانب الخاص بالتشخيص، أن لحظة الصراع تمثل جوهر البناء الدرامي، سواء تعلق الأمر بصراع داخلي مرتبط بالمبادئ والمشاعر، أو صراع خارجي بين الشخصيات أو القوى المختلفة. وأكد أن مهمة الممثل تكمن في تجسيد الصراعات بشكل طبيعي، مع الحفاظ على البعد الإنساني للشخصية، حتى ضمن أحداث متخيلة أو عوالم الخيال العلمي.

الممثل والمنتج والمخرج المغربي حميد الزوغي قدم تجاربه المهنية الغنية، مستعرضًا صعوبات البدايات وتطور السينما المغربية
◙ الممثل والمنتج والمخرج المغربي حميد الزوغي قدم تجاربه المهنية الغنية، مستعرضًا صعوبات البدايات وتطور السينما المغربية

ونصح المؤطر الممثلين بأن يبنوا الحوار على أفعال تواصلية واضحة، تمنح العمل حيوية وعمقًا، مشيرًا إلى أهمية استحضار التجارب الذاتية والمشاعر المخزونة عبر ذاكرة انفعالية لتوظيفها في الأداء، سواء في مشاهد البكاء أو الغضب أو الخوف. ويُبرز عبدو المسناوي نفسه كأحد أبرز الأسماء اللامعة في السينما المغربية، كونه جمع بين التمثيل والإخراج والتدريس، محققًا حضورًا بارزًا في الساحة الفنية. وبدأ مسيرته الفنية منذ وقت مبكر، فدخل عالم  التمثيل، حينما شارك في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي

حظيت بإعجاب الجمهور المتتبع، سواء في المسلسلات الدرامية أو الأفلام التي تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية، ونقل من خلالها صورة صادقة للمجتمع المغربي مع الحفاظ على طابعه الشعبي. وأخرج أيضا مجموعة من الأعمال وساهم كذلك كأستاذ في المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط، فقام بتكوين أجيال جديدة من الفنانين، وركز على تطوير مهاراتهم الفنية والنقدية وتحفيز إبداعهم.

من جانبه شرح الكاتب والسيناريست عبدالإله الحمدوشي، مؤطر الجزء المتعلق بالسيناريو، أن الكاتب مطالب بالبحث في الواقع والحياة والتجارب الشخصية والمشاهدات من أجل صياغة قصص وشخصيات صادقة وواقعية، مبرزا أن الانتقال من القصة الواقعية إلى عالم الخيال يتطلب بناء شخصية متكاملة، تظهر من خلال سلوكها ودوافعها، مشيرًا إلى أن هذا التداخل بين الواقع والخيال يبرز الرؤية الفنية والثقافية للمبدع ويمنح العمل أبعادًا إنسانية ونفسية عميقة.

ولد عبدالإله الحمدوشي في مدينة مكناس، وبرز ككاتب وسيناريست مغربي متخصص في الروايات البوليسية. كتب عدة أفلام وأدار ورشات لكتابة السيناريو في مدن مغربية متعددة، وحققت روايته “الرهان الأخير” إنجازًا فريدًا كونها أول رواية بوليسية عربية تُترجم إلى اللغة الإنجليزية، وأعيد نشرها في إنجلترا.

وإلى جانب الورشات، عرض الفيلم المغربي “التدريب الأخير” الذي ينافس في المسابقة الرسمية ضمن فئة الأفلام الروائية الطويلة، وهو من تأليف نبيل المنصوري، وبطولة جميلة الهوني، حسناء الطمطاوي، وعبدالإله عاجل، وأنتجته شركة “موروكو فيلمز مايكر”.

ويسعى المخرج المغربي ياسين فنان من خلال هذا الفيلم إلى كشف التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الفنانون أثناء عملهم، مستعرضًا كيف يمكن للضغوط المهنية والشخصية أن تؤثر على الحالة النفسية للأفراد. ويطرح الفيلم تساؤلات حول تأثير العمل المكثف والصراعات الداخلية على الفنانين، ويبرز الصراع بين الرغبات الشخصية والمتطلبات المهنية في عالم المسرح والسينما.

وتدور الأحداث حول مخرج مسرحي يستعد لتدريب فرقة على مسرحية “الخادمات” لجون جينيه، لكنه يواجه ضغوطا كبيرة تجعله يلجأ لمضادات الاكتئاب لمحاربة شياطينه الداخلية قبل العرض المقرر أمام منتج ومدير ثقافي من السفارة الفرنسية. وتتصاعد الأحداث مع اقتراب موعد العرض، ليغرق المخرج في الهلوسة ويتواصل مع طفل خيالي، ويحقق العرض نجاحا، لكنه ينتهي بشكل مأساوي بغرقه في الجنون أمام والده المصاب بمرض الزهايمر.

ويبرز السيناريو التحولات النفسية الدقيقة التي تمر بها الشخصيات، إذ تتفاعل مع المواقف الصعبة بشكل يبرز الصراع الداخلي بين ما تريده وما تفرضه عليها الظروف الاجتماعية والمهنية، كما يركز على تأثير التوقعات المجتمعية والعادات في صياغة سلوكيات الشخصيات، إذ يظهر الصراع بين التكيف مع المجتمع والرغبة في التحرر من قيوده.

ويتبنى المخرج ياسين فنان أسلوبًا فنيًا يمزج بين سينما المسرح والتوجهات السينمائية الحديثة، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة في الحوارات والحركات الجسدية، مستخدما لقطات ثابتة وطويلة تمنح المشاهد فرصة الانغماس في الأداء التمثيلي وتعكس عمق الصراع النفسي والاجتماعي، ويعتمد الفيلم على ترتيب المشاهد بطريقة متسلسلة تصاعديًا،  ليتيح للمتفرج متابعة التحولات النفسية للشخصيات بشكل طبيعي ومؤثر.

وتميز أداء الممثلين بدقة عالية، حينما أبدع نبيل المنصوري في تجسيد التحولات النفسية للشخصية الرئيسية، فيما قدمت حسناء الطمطاوي أداءً طبيعياً وواقعيًا أضفى قوة وعمقاً على شخصيتها، وخلق التناغم بينهما في المشاهد المشتركة انسجاماً درامياً انعكس على نقل التوترات والمشاعر المكبوتة بدقة، ليعزز الأبعاد النفسية والاجتماعية للفيلم.

◙ إلى جانب الورشات عرض الفيلم المغربي "التدريب الأخير" الذي ينافس في المسابقة الرسمية ضمن فئة الأفلام الروائية الطويلة

وعرض أيضا الفيلم المغربي الروائي الطويل “كأس المحبة” للمخرج نوفل بيراوي، مقدمًا تجربة سينمائية جديدة تجمع بين الصداقة والمصالح السياسية، مستعرضًا كيف تؤثر النزاعات والدهاء على العلاقات الإنسانية، ومدى صمودها أمام لعبة النفوذ والمصلحة، إذ يبرز الفيلم تحولات الشخصيات على صعيد الوعي الاجتماعي والسياسي، ويطرح تساؤلات حول التضحية والحريات الشخصية في سياق تاريخي معقد.

وبعد تجربته الأولى في فيلم “يوم وليلة” وعدد من الأفلام القصيرة، أصدر المخرج نوفل بيراوي فيلمه الروائي الثاني “كأس المحبة”، مستلهماً أحداثه من قصة “يوم صعب” للأديب المغربي محمد الأشعري، مع سيناريو كتب بواسطة يوسف فاضل. ويضم الفيلم نخبة من الممثلين المغاربة، بينهم محمد خيي، ثريا العلوي، عادل أبا تراب، مسعود بوحسين، وإدريس كريمي المعروف بلقب عمي إدريس.

وتدور أحداث الفيلم حول زوجين قررا السفر مع صديقهما المشترك في رحلة إلى شمال المغرب، حيث يأخذهم تدفق الذكريات إلى أعماق الماضي، ويتوقفون عند تجاربهم الشخصية في العمل السياسي. يكشف الفيلم عن التضحيات التي قدمها الأصدقاء في سبيل مبادئهم، خصوصاً خلال سنوات الرصاص بين 1960 و1990، ويبرز الصراعات الداخلية التي فرضتها الظروف السياسية على حياتهم وحريتهم.

يبدأ الفيلم بأسلوب مشوش بعض الشيء، من خلال مشاهد أولية في السيارة التي تمر عبر منعطفات جبلية، لتصل الشخصيات إلى قرية هادئة على الساحل. وتتشابك الأحداث بعد ذلك، مع حوارات غامضة بين الشخصيات، ويستغني المخرج عن تقنية الفلاش باك، معتمدًا على سرد مباشر يكشف أسرار الماضي، ليسبب إحباطاً في الدقائق الأولى للمشاهدين.

ويستعرض الفيلم علاقة أربعة أصدقاء من النشطاء السياسيين والكتاب المتمردين خلال فترة الصراعات السياسية في المغرب، مع إبراز الغموض والصراعات بين الماضي والواقع، خصوصاً في مواجهة الأسرار والتناقضات بين القيم القديمة والحقائق الجديدة، ما يولّد لدى المشاهدين نوعاً من الحيرة حول الصداقة والعمل وحب الوطن.

تبرز الشخصيات الرئيسية بأسلوب متباين؛ فالشاعر رشيد، الذي أدى دوره مسعود بوحسين، يظهر غامضًا وصامتًا لكنه مؤمن بأفكاره، بينما شخصية سعاد التي جسدتها ثريا العلوي تبدو متقلبة لكنها متمسكة بمبادئها، خاصة في رفضها بيع الأرض التي ورثتها رغم مغريات الربح. أما شخصية عبدالسلام/نعيمة، التي أدى دورها عادل أبا تراب، فتشكل محور التحولات الدرامية، حيث يعكس التحول الجنسي في الشخصية التحديات والأيديولوجيات السياسية المتشابكة في القصة.

ويعتمد الفيلم على أسلوب تصوير متطور، مع لقطات قريبة وبعيدة تبرز تفاصيل المشهد وتسمح بالتركيز على الحوارات الداخلية والصراعات النفسية. ويتميز المخرج نوفل بيراوي باستخدام الصوت والمونتاج بطريقة دقيقة، مع تكوينات بصرية جذابة للطبيعة والبحر، وهذا يضيف على العمل بعدًا سينمائيًا فنيًا رغم ثغرات السيناريو. ونجح “كأس المحبة” في تقديم تجربة سينمائية جديرة بالاهتمام، ويظهر تطور أسلوب المخرج مقارنة بأعماله السابقة، مقدماً للجمهور رؤية فنية تجمع بين الطابع السياسي والاجتماعي والبعد الإنساني العميق.

15