دعوة أبو مازن وسقف حماس التفاوضي: نقد للمماطلة ودعم للشرعية
“منذ أيام، ينتظر الوسطاء رد حماس. المماطلة تكلف الشعب الفلسطيني عشرات الضحايا يوميًا، ولا يوجد سبب مقنع لتأخير الرد أو المطالبة بتعديلات غير جوهرية، ما دامت هناك 60 يومًا من المفاوضات دون ضحايا ودماء سيُبحث فيها كل التفاصيل. كفى مماطلة واستمرارًا للدم، ولنمضِ قدمًا في صفقة تتيح التفاوض بضمانات أميركية للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم.” هذا المنشور المهم للوسيط الفلسطيني الأميركي الدكتور بشارة بحبح، المنشور على منصات التواصل الاجتماعي، تناقلته وسائل إعلام عربية وغربية، لما فيه من نقد مباشر لحماس، محمّلًا إياها مسؤولية تأخير اتفاق ينهي الحرب في غزة.
لم يأتِ نقد الدكتور بحبح لحماس من فراغ. تحميلها مسؤولية تأخير توقيع اتفاق هدنة لمدة 60 يومًا لا يعفي إسرائيل من مسؤوليتها القانونية والإنسانية عن المجاعة، القتل المتعمد، وجرائم الحرب في قطاع غزة. لكن المشكلة تكمن في تعاطي قادة حماس مع المفاوضات بلامبالاة، رغم أنهم أبناء الشعب الفلسطيني ونكبته. تصريحاتهم المنفصلة عن الواقع، مثل استعداد بعضهم “لموت الشعب جوعًا مقابل الاحتفاظ بالسلاح،” تزيد الاحتقان الشعبي ضدهم. هذه التصريحات، التي يطلقها قادة يعيشون خارج المجاعة في دول مثل قطر وتركيا، تكشف عن فجوة بينهم وبين معاناة الشعب.
سلاح حماس، وهو في معظمه أسلحة فردية، لا يحقق نصرًا ولا يمنع خسارة. تمسكهم به يُستخدم كذريعة من إسرائيل لتبرير استمرار العدوان و”الإجهاز” على الشعب الفلسطيني المثخن بالجراح. نقاط الخلاف بين حماس وإسرائيل ليست جوهرية، وبسببها يفقد حوالي 100 مواطن حياتهم يوميًا. هذه النقاط، التي قد تنكث بها إسرائيل مستقبلًا، لا تستحق تعطيل اتفاق هدنة. حماس لا تملك القدرة العسكرية لإجبار إسرائيل على الالتزام، والوسطاء لا يستطيعون الضغط دبلوماسيًا بشكل كافٍ. هذا الواقع يجعل المماطلة قرارًا غير مبرر يفاقم معاناة الشعب.
يخشى قادة حماس أن يُسجل التاريخ عليهم التفريط بحكم القطاع، خوفًا من مقارنتهم بخلفاء بني أمية أو العباس أو أبي عبدالله الصغير في الأندلس. هذا التفكير يكشف تضخم الأنا لديهم، كما يظهر في تصريحات مثل حديث فتحي حماد عن “تصدير السلاح”، وكأن حماس قوة عظمى. لكن تحميلهم مسؤولية النكبات التي أصابت الشعب، نتيجة مبادرتهم بالهجوم في 7 أكتوبر 2023، أو انتقادهم لعدم شعورهم بمأساة الشعب، لا يبدو أنه يعنيهم. الشعب الفلسطيني، بين سيف القنص الإسرائيلي والتجويع، يواجه خيارًا مأساويًا: الموت جوعًا أو برصاص الآلة العسكرية الإسرائيلية.
◄ مماطلة حماس في المفاوضات تكلف الشعب الفلسطيني أرواحًا يوميًا، دون مبرر جوهري.. في المقابل، يمثل قرار الرئيس عباس خطوة ديمقراطية تعزز الشرعية وتواجه محاولات شطب حل الدولتين
حماس تأمل أن تحرك الصور المؤلمة من غزة الشارع العربي والعالمي لزيادة الضغط على إسرائيل، لتحقيق اتفاق يحفظ حكمها. لكن هذا التعاطف “غير النافع”، كما يصفه الكاتب، لم يوقف مدفعًا أو طائرة، ولم يدخل كوب ماء إلى القطاع. في المقابل، تستغل إسرائيل التجويع للقضاء على أمل بقاء الفلسطينيين في غزة، بهدف تهجيرهم. بين هذا وذاك، يصبح الفلسطيني ضحية حسابات سياسية صفرية.
من المفارقات أن تعتبر حماس قرار الرئيس محمود عباس بإجراء انتخابات المجلس الوطني قبل نهاية 2025 “تجاوزًا للإرادة الوطنية الجمعية.” هذا البيان يصدر من حركة تمارس حكمًا شموليًا في غزة منذ 2007، دون إجراء أيّ انتخابات محلية أو طلابية. قرارها بالهجوم في 7 أكتوبر لم يتشاور فيه مع أيّ فصيل فلسطيني، لكنها تلجأ إلى فصائل تدور في فلك إيران، مثل القيادة العامة وفتح الانتفاضة، لتوزيع مسؤولية الهزيمة، مستخدمةً إياهم كأدوات لخدمة مصالحها.
في المقابل، قرار الرئيس عباس بإجراء انتخابات المجلس الوطني يمثل خطوة ديمقراطية. المجلس، الذي سيتشكل ثلثاه من الفلسطينيين داخل الوطن والثلث من الشتات، يكرس الشرعية الفلسطينية داخليًا وخارجيًا. هذا القرار يندرج ضمن الإصلاحات المطلوبة دوليًا، ويواجه محاولات شطب حل الدولتين من قبل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف. يعكس القرار واقعية سياسية، تسعى لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، رغم نيران “الإخوة والأعداء”.
تتهم حماس منظمة التحرير الفلسطينية بالتفريط في 78 في المئة من فلسطين. لكن المنظمة فاوضت على القدس، المياه، عودة اللاجئين، ودولة مستقلة، بينما تتمسك حماس بحكمها في غزة، مفاوضةً على أكياس الطحين وعلب السردين، أو استمرار أرصدة قادتها في الخارج. أيّ اتفاق لا يضمن استمرار حكمها لن تقبله الحركة، ما يكشف عن أولوياتها السياسية على حساب الشعب.
مماطلة حماس في المفاوضات تكلف الشعب الفلسطيني أرواحًا يوميًا، دون مبرر جوهري. تمسكها بسلاح غير فاعل ورفضها التفاوض بحسن نية يفاقمان النكبة. في المقابل، يمثل قرار الرئيس عباس بإجراء انتخابات المجلس الوطني خطوة ديمقراطية تعزز الشرعية وتواجه محاولات شطب حل الدولتين. الفلسطينيون في حاجة إلى قيادة واقعية تضع مصلحة الشعب فوق حسابات الفصائل. هل ستتغلب القيادة الفلسطينية على هذه التحديات؟ الإجابة تعتمد على دعم الشعب لخيارات الشرعية والاستقلال.