جدي: علّمني كيف أحب دون إيموجي

الجدّ عبدالقادر.. رمز لجيل يبحث عن معنى وسط فوضى وضجيج رقمي لا يهدأ.
الجمعة 2025/09/12
السبعيني الذي هزم الواي فاي… وصار نجم تيك توك

الجدّ “عبدالقادر”، سبعيني من حيّ شعبي، قرر أن يعلن الحرب على الشعور بالإهمال وكسر جدران العزلة الافتراضية التي تُبعد بينه وبين أحفاده.. لم يعد يطيق نظرات تقول “يا جدي، أنت من عصر ما قبل الواي فاي وكوبايلت والشاحن السريع.” نهض من كرسيه الهزاز، ارتدى جلبابه المكوي بعناية شديدة، وفتح حسابًا على تيك توك تحت اسم: @جدّي_قبل_الواي_فاي.

في أول فيديو، جلس أمام كاميرا هاتفه القديم، وبدأ يتحدث بنبرة الواثق “في زماننا، كنا ننتظر أسبوعًا ليصلنا الرد على رسالة حب، واليوم أنتم تحذفون القلوب من المحادثة قبل أن تنضج!” وكانت المفاجأة التي لم ينتظرها؛ الفيديو، الذي لم يتجاوز عشرين ثانية، حصد 3 ملايين مشاهدة في يومين، وانهالت عليه التعليقات من شباب يكتبون “جدي، علّمني كيف أحب دون إيموجي”.

بدأ الجدّ ينشر حلقات قصيرة بعنوان “كيف كانت الحياة قبل الواي فاي،” يتحدث فيها عن أشياء تبدو خرافية لجيل اليوم: الهاتف الأرضي، الرسائل الورقية، الانتظار أمام التلفاز حتى يبدأ البرنامج، والذهاب إلى المكتبة للبحث عن معلومة بدلًا من سؤال “تشات جي بي تي”.. “في زماننا كنا إذا أردنا إجراء مكالمة هاتفية نضطر للذهاب إلى مركز البريد، الوحيد في المدينة، والانتظار في طابور طويل قبل أن نلج غرفة صغيرة لإجراء مكالمة موجزة حتى لا نثير غضب عامل أو عاملة “السنترال”.

أصبح عبدالقادر نجمًا، لا بل ظاهرة. شركات بدأت تتواصل معه لإطلاق خط منتجات “نوستالجيا رقمية”: دفاتر ورقية، أقلام حبر، وحتى عطر برائحة الحبر الأزرق، الذي لم تصطبغ به أصابع أحفاده.

في أحد الفيديوهات، ظهر وهو يشرح كيف كانت “المعاكسات” تتم عبر الهاتف العمومي، وكيف كان الحب يحتاج إلى شجاعة، لا إلى “رد على الستوري”. قال “كنا نكتب الشعر على ورق، لا ننسخه من غوغل ولا نطلب مساعدة من سيري. وكنا ننتظر الرد أسبوعًا، لا نغضب بعد خمس دقائق من عدم التفاعل.” فجأة، تحوّل إلى خبير علاقات عاطفية، وبدأ يُستضاف في برامج شبابية كمستشار في “الحب الحقيقي”.

أحفاده، الذين كانوا يسخرون منه، بدأوا يطلبون منه أن يظهر معهم في فيديوهاتهم. أحدهم قال “جدي، علّمني كيف أكتب رسالة حب بخط اليد،” فرد عليه “ابدأ أولًا بتعلّم كيف تمسك القلم!” أصبح الجدّ رمزًا للحنين، وصوتًا مضادًا للسطحية. حتى أن إحدى شركات التكنولوجيا عرضت عليه أن يكون وجهًا لحملة “العودة إلى الأصل”، لكنه رفض، قائلاً “أنا لا أبيع الماضي، أنا أذكّر به”.

في أحد الفيديوهات المؤثرة، جلس أمام الكاميرا وقال “أنا لا أكره التكنولوجيا، لكنني أرفض أن تُلغينا. نحن الجيل الذي عاش الحب دون إشعارات، والانتظار دون توتر، واللقاء دون خرائط غوغل. نحن الذين عرفنا قيمة الوقت، لأننا لم نكن نملك زرًّا لتسريعه”.

الجدّ عبدالقادر لم يصبح نجمًا فقط، بل أصبح رمزا لجيل يبحث عن معنى وسط فوضى وضجيج رقمي لا يهدأ.. ربما، في زمنٍ أصبحت فيه المشاعر تُقاس بالـ”لايك”، كان علينا أن نسمع صوتًا يقول لنا “الحب لا يحتاج إلى واي فاي… كل ما يحتاجه قلب لا يعرف التشفير”.

18