تغريدة إيلون ماسك أثقل وزنا من ميزانية دولة

إذا كانت الدول تقيس قوتها بعدد الدبابات أو براميل النفط، فإن ماسك يقيسها بعدد الأحلام التي يبيعها، وعدد المرات التي يجعل فيها العالم يصدّق أن المستقبل يبدأ بتغريدة.
الجمعة 2025/10/03
الثروة "الذكية"

إلى وقت قريب، كان الحديث عن “المليونير” يثير الدهشة، وكأننا أمام كائن أسطوري نادر الوجود. ثم جاء عصر “الملياردير”، فصاروا يتكاثرون مثل الفطر بعد المطر، حتى فقدت الكلمة بريقها. واليوم، يطلّ علينا إيلون ماسك ليعلن افتتاح “عصر الترليونير”، حيث يصبح الفرد الواحد أثقل من دول كاملة، وأكثر نفوذا من وزارات مالية مجتمعة.

الدول، بكل ما لديها من نفط وغاز وزراعة وسياحة، تبدو أمامه كأنها باعة خضار على قارعة الطريق. بينما هو، بجرّة قلم أو تغريدة على إكس، يرفع قيمة عملة مشفّرة أو يهبط بها، فيرتجف الاقتصاد العالمي كما لو أصابته نوبة برد.

في الماضي، كانت الدول تفاخر بامتلاكها أساطيل بحرية أو جيوشا جرارة. اليوم، يكفي أن يقرر ماسك إطلاق صاروخ جديد أو سيارة كهربائية بمقابض أبواب “ذكية” حتى تهتز أسواق البورصة أكثر مما تهتز عند إعلان حرب.

المفارقة أن بعض الدول ما زالت تبيع شعوبها وهم “الاكتفاء الذاتي” من القمح أو الطماطم، بينما ماسك يبيع العالم حلم استعمار المريخ. أيهما أكثر إقناعا؟ أن تزرع البطاطا في أرضك، أو أن تزرع مستعمرة بشرية على كوكب آخر؟

والغريب في الأمر أن وزراء المالية في دول العالم الثالث يتباهون بزيادة احتياطي النقد الأجنبي بمليار أو اثنين، بينما ماسك قد يخسر هذا المبلغ في ساعة واحدة وهو يجرّب لعبة جديدة على إكس.

لقد تحوّلنا من زمن “الرأسمالية الوطنية” إلى زمن “الرأسمالية الكونية”، حيث لم يعد السؤال: كم تملك دولتك من النفط؟ بل: كم يملك ماسك من الأسهم؟

وفي النهاية، يبدو أن الدول ستضطر قريبا إلى التفاوض مع الأفراد لا مع الحكومات. وربما نرى يوما ما الأمم المتحدة تستضيف جلسة طارئة ليس لمناقشة حرب أو أزمة، بل لمناقشة تغريدة كتبها إيلون ماسك في الثالثة صباحا.

إيلون ماسك لا يكتفي بأن يكون رجل أعمال، بل يقدّم نفسه كـ”مؤلف ملحمة” يكتبها على مسرح الكوكب. فبينما تنشغل الحكومات بإصلاح عجز الميزانية أو البحث عن قروض عاجلة من صندوق النقد، ينشغل هو بكتابة فصل جديد من رواية “الإنسان الكوني”. إن إطلاق آلاف الأقمار الاصطناعية تحت اسم “ستارلينك” ليس مجرد مشروع اتصالات، بل لوحة تذكّرنا بأننا نعيش في زمن لم يعد فيه الفرق واضحا بين السماء والتكنولوجيا.

والمفارقة أن ماسك، رغم ثروته الفلكية، يتقن فن “الحكواتي الشعبي”. حين يكرر الرقم 42 أو يطلق أسماء غريبة على أبنائه ومشاريعه، فهو لا يعبث فقط، بل يرسل إشارات مشفّرة لجمهور يتعامل معه كما لو كان بطلا خارقا. إن قدرته على تحويل كل تفصيل في حياته إلى رمز، من اسم سيارة إلى تغريدة عابرة، تجعل منه أشبه بشاعر يكتب بلغة الأرقام والآلات.

هكذا يصبح ماسك أكثر من مجرد ترليونير: إنه “مخرج سينمائي” لعصر كامل، يوزّع الأدوار بين الدول والشركات والجماهير، بينما يحتفظ لنفسه بدور البطل والراوي معا. وإذا كانت الدول تقيس قوتها بعدد الدبابات أو براميل النفط، فإن ماسك يقيسها بعدد الأحلام التي يبيعها، وعدد المرات التي يجعل فيها العالم يصدّق أن المستقبل يبدأ بتغريدة.

12