تصعيد صيني - أميركي متبادل يبدد فرص تهدئة الحرب التجارية
تدخل العلاقة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم تصعيداً متبادلاً يُبدد ما تبقّى من آمال لتهدئة الحرب التجارية، فبدلاً من خطوات بناء الثقة يلجأ الطرفان إلى إجراءات مضادة، تعكس عمق الخلافات حول النفوذ التكنولوجي وسلاسل التوريد العالمية، ما ينذر بتداعيات واسعة على الاقتصاد العالمي الذي يعاني أصلاً من تباطؤ النمو وتفاقم التوترات الجيوسياسية.
بكين/ واشنطن - تُسارع أقوى دولتين في العالم إلى إنقاذ قمة لزعمائهما مُخطط لها، ولم يتبقَّ لموعد انعقادها سوى أسبوع واحد، بينما تتبادلان الاتهامات بالتسبب في تصاعد التوترات بعد شهر واحد فقط من إشادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”التقدم” في المحادثات مع الصين.
وحتى لو أمكنت إعادة المحادثات بين ترامب والرئيس شي جينبينغ إلى مسارها الصحيح، يقول الخبراء إن اعتقاد كل طرف بالتفوق، إلى جانب موقف الصين الأكثر تشددًا، يجعل التوصل إلى اتفاق محدود بشأن بعض القضايا هو النتيجة الأكثر ترجيحًا.
وقال وو شينبو، الخبير في العلاقات بين أكبر اقتصادين، “تعتقد الصين أن المفاوضات وحدها غير كافية، وأن اتخاذ إجراءات مضادة فعالة ضد الولايات المتحدة ضروري لمنعها من ممارسة الضغط.”
ومن بين المعرضين للخطر هدنة هشة تم التفاوض عليها على مدى أشهر، وأهم علاقة تجارية في العالم، بقيمة 660 مليار دولار سنويًا.
وأضاف شينبو، مدير مركز الدراسات الأميركية بجامعة فودان في شنغهاي، أن “الإجراءات الصينية الأخيرة تعكس في الواقع تحولًا في نهجها تجاه المفاوضات الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب الثانية.”
وانفجرت حرب تجارية كانت تشتعل منذ أشهر على مرأى ومسمع من الجميع في أوائل أكتوبر، بعد أن وسعت بكين بشكل كبير القيود المفروضة على صادرات المعادن النادرة، ردًا على زيادة أميركية في عدد الشركات الممنوعة من شراء تقنياتها.
ويرى الخبراء أن خطوة الصين لتشديد الرقابة على المعادن الأساسية، حتى خارج حدودها، تُمثل توسعًا هائلاً في أدواتها لمعالجة النزاعات التجارية، مما يؤكد نية بكين فرض هيمنتها على سلاسل التوريد الحيوية.
وقال كوري كومبس، الخبير في شركة تريفيوم تشاينا الاستشارية، “هذا توسع هائل خارج حدود الصين.” وأضاف “هناك صياغة صريحة بشكل مفاجئ في الضوابط المتعلقة بهذا الأمر، تستهدف تحديدًا عددًا من الرقائق.”
وصاغت الصين، التي تُنتج أكثر من 90 في المئة من المعادن النادرة المُعالجة في العالم، قيودها على غرار القواعد الأميركية التي تهدف إلى الحد من صادرات الدول الأخرى من المنتجات المتعلقة بأشباه الموصلات إلى الدولة الآسيوية.
وفي حين قال مصدران مطلعان على مداولاتها الداخلية لرويترز إن “إدارة ترامب فوجئت بالهجوم الصيني،” وقال مصدر آخر إن المسؤولين كانوا يستطلعون آراء الشركات الأميركية لمعرفة مدى تأثير إجراءات الصين عليها.
ويعتقد المتابعون أنه بينما سعت بكين لاحقًا إلى تصوير ضوابطها على أنها مُستهدفة، إلا أن الإطار أُعدّ منذ فترة طويلة، ومن شبه المؤكد أنه سيبقى.
ويتهم المسؤولون في واشنطن الصين بشن “حرب اقتصادية”، بينما حذّر ترامب من احتمال عدم انعقاد القمة، ويُلقي كل طرف باللوم على الآخر في التصعيد المفاجئ.
ويُعدّ هذا بعيدًا كل البعد عن تعليقات ترامب التي أشاد فيها بـ”التقدم” في قضايا تتراوح من التجارة وتطبيق تيك توك إلى تهريب الفنتانيل وحرب أوكرانيا، والتي صدرت بعد الجولة الأخيرة من المحادثات في مدريد ومكالمة هاتفية في سبتمبر مع شي.
وصرّح ترامب بأنه لا يزال يخطط للقاء شي في كوريا الجنوبية نهاية أكتوبر على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، ويتوقع التوصل إلى اتفاق، لكنه كرّر تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة في حال عدم نجاح اللقاء.
وفي محاولة لإيجاد مخرج في اللحظة الأخيرة، سيلتقي وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ونائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ في ماليزيا قبل أيام قليلة.
وتأتي هذه الاجتماعات في أعقاب مفاوضات شاقة في العواصم الأوروبية من جنيف إلى ستوكهولم حول التجارة والفنتانيل والوصول إلى الأسواق وجوانب أخرى من العلاقات، تبادل خلالها الجانبان الاتهامات بعدم التزام كل منهما بوعوده.
وقال مصدر مطلع على تفكير الإدارة الأميركية إن “وزراء حكومة ترامب يعتبرون خطوة الصين بشأن المعادن النادرة “حربًا اقتصادية شاملة.” وأضاف “احتمال التصعيد خطير. لا يوجد حل سهل، مثل هدنة أخرى لمدة 90 يومًا.”
وصرح مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأميركية في الصين، بأن جزءًا من التحدي يكمن في اعتقاد كل طرف بأنه صاحب اليد العليا.
وأضاف “في مناقشاتنا مع المسؤولين الصينيين، أعربوا عن ثقتهم باقتصادهم، ويعتقدون أن الاقتصاد والنظام السياسي الأميركي في حالة اضطراب. ونتيجة لذلك، يشعرون بأنهم في موقف تفاوضي قوي.”
وأوضح أن المفاوضات صعبة، لأن المسؤولين الأميركيين بدورهم يشعرون بالثقة في اقتصادهم، ويعتقدون أن الاقتصاد الصيني ضعيف.
ويرى أشخاص مطلعون على تفكير الإدارة الأميركية أن افتقار واشنطن لسياسة موحدة تجاه الصين يُعقّد الأمور، مشيرين إلى مزيج من الإجراءات العقابية، بالإضافة إلى تخفيف بعض مبيعات الرقائق، والصفقة المتعلقة بتطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك.
وقال هارت “أوضح الأشخاص الذين التقيتهم في واشنطن أن سياسات إدارة ترامب تجاه الصين متشددة إلى حد ما. ومع ذلك أقرّوا أيضًا بأن الرئيس نفسه قد يكون أكثر مرونةً وواقعيةً في بعض الأحيان.”
وبينما يستعد الجانبان للمحادثات، يعملان أيضًا على تنويع اقتصاداتهما ووضع تدابير جديدة، بما يساعد في بناء جدار من الحمائية لأي ضرر أكبر محتمل.
ووقّع ترامب اتفاقية معادن بالغة الأهمية مع أستراليا يوم الاثنين تهدف إلى موازنة دور بكين، بينما أفادت رويترز الأربعاء بأن الولايات المتحدة تدرس استهداف الصادرات المعتمدة على البرمجيات.
ويقول المسؤولون إنه يجري أيضًا وضع تعريفات جمركية قطاعية واسعة النطاق على أشباه الموصلات والأدوية وغيرها من الصناعات الرئيسية.
من جانبها، قد تلجأ الصين إلى تطبيق صارم لضوابطها الجديدة على المعادن النادرة، أو إطلاق تحقيقات جديدة لمكافحة الاحتكار مع الشركات الأميركية، أو تشديد التعريفات الجمركية، كما فعلت في أبريل.
وفي ظل انعدام الثقة يُتوقع أن يكون السيناريو الأكثر تفاؤلاً هو استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق لعام 2020، وفقًا لمصدر مطلع على تفكير الإدارة، مع أن صفقات شراء فول الصويا أو المنتجات الزراعية الأخرى قد تكون في المتناول.
وقال بيتر هاريل، مسؤول الاقتصاد الدولي في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، “أفضل سيناريو هو اتخاذ تدابير لبناء الثقة وإصدار المزيد من التوجيهات للتفاوض على اتفاق يمكن إطلاقه في النصف الأول من العام المقبل.”