رهان مصري على أموال المغتربين لتحفيز سوق الإسكان

7 مليارات دولار تستهدف الحكومة جمعها خلال أربع سنوات عبر بيع أكثر من 18 ألف قطعة أرض جديدة.
الاثنين 2025/10/27
التكاليف لا تزال مرتفعة جدا

تعكف مصر على استقطاب أموال المغتربين لتحفيز سوق الإسكان. ويعتبر هذا الاستثمار وسيلة لتعزيز السيولة في القطاع العقاري ودعم الاقتصاد، وهو رهان يأتي في ظل ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية وحرص الحكومة على توفير تسهيلات جذابة، وفي الوقت ذاته يعكس مدى الصعوبات المالية التي تواجهها الدولة.

القاهرة - تتجه أنظار الحكومة المصرية نحو تحفيز استثمارات المغتربين كأحد الرهانات الرئيسية لدعم الاقتصاد، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد واحتياجاتها المستمرة لتدبير العملة الصعبة.

ويبرز قطاع الإسكان والعقارات في مقدمة القطاعات المستهدفة، إذ تراهن الحكومة على جذب أموال المغتربين عبر تسهيلات خاصة في تملك الوحدات السكنية والعقارات، ومبادرات مصرفية تتيح التحويل المباشر بالعملة الأجنبية.

ويأتي هذا التوجّه في إطار سعي الدولة إلى تنشيط سوق العقارات، الذي يُعدّ أحد محركات النمو الاقتصادي وأحد أهم مصادر السيولة في السوق المحلية.

ومع استمرار ارتفاع الطلب على السكن والثقة النسبية للمغتربين في الاستثمار العقاري بوصفه “الملاذ الآمن”، يتجدد النقاش حول مدى واقعية هذا الرهان، وقدرته على تحقيق الأهداف المرجوة في ظل التحديات التمويلية وسوق العقار المتقلبة.

وكشف مسؤول حكومي الأحد أن الحكومة تستهدف، من خلال وزارة الإسكان، جمع ما يصل إلى 7 مليارات دولار خلال 4 سنوات عبر بيع أكثر من 18 ألف قطعة أرض جديدة للمصريين المقيمين في الخارج.

وقال المسؤول في تصريحات لبلومبيرغ الشرق، التي لم تذكر هويته، إن هذه العملية سوف تتم “ضمن المرحلتين العاشرة والتكميلية من مشروع بيت الوطن.”

وأوضح أن تحصيل الإيرادات سيتم على مراحل، بداية من الدفعات المقدمة الجاري استقبالها حالياً، وصولًا إلى الأقساط السنوية من إجمالي قيمة الأرض، مشيراً إلى أن “الأراضي الجديدة مطروحة في نحو 18 مدينة سكنية”.

ومن المزمع أن يبدأ تحصيل القسط الأول اعتباراً من العام المقبل، وينتهي آخر قسط في العام 2029، وفقاً لجداول السداد المحددة للمشترين.

العملية من المرجح أن تتم ضمن المرحلتين العاشرة والتكميلية من مشروع بيت الوطن
◙ العملية من المرجح أن تتم ضمن المرحلتين العاشرة والتكميلية من مشروع بيت الوطن

وجمعت القاهرة حوالي 10 مليارات دولار منذ إطلاق مشروع بيت الوطن في 2012، وحتى مطلع العام الحالي، من خلال بيع نحو 25 ألف قطعة، جرى طرحها عبر 9 مراحل رئيسية وتكميلية.

وتطرح الحكومة أراضي المشروع للمغتربين، وذلك بموجب مستندات تُثبت إقامتهم الدائمة خارج البلاد، شريطة سداد القيمة بالدولار الأميركي من الخارج، في محاولة لتوفير مصدر دولاري غير تقليدي.

ولمدة عامين عانت مصر من أزمة خانقة في توافر العملات الأجنبية، وهو ما أدى إلى تكدس البضائع في الموانئ لعدم توافر السيولة الدولارية اللازمة للإفراج عن الشحنات.

وقلّصت البنوك مدفوعاتها بالدولار للأفراد، وفرضت شروطاً مشددة للحصول عليه حتى لأغراض السفر أو العلاج، فيما توقفت غالبية البنوك عن الإقراض بالعملات الأجنبية. لكن تلك الأزمة انتهت منذ تحرير سعر الصرف في مارس 2024.

وتعول الحكومة على المغتربين لزيادة حصيلتها الدولارية، حيث سجلت تحويلاتهم مستوى قياسياً بلغ 36.5 مليار دولار خلال العام المالي 2024 – 2025 المنتهي يونيو الماضي، وهو الأعلى تاريخياً، وفق بيانات البنك المركزي.

وبحسب الإحصائيات الرسمية، زادت حصيلة التحويلات المالية للمغتربين بنسبة 66 في المئة مقارنة بالعامين الماليين السابقين، حيث سجل كل منهما حوالي 22 مليار دولار، لتعود بذلك للصعود مجدداً بعد هبوط ملحوظ خلال العامين الماضيين.

ويراقب خبراء مسار طفرة الاستثمارات العقارية في مصر التي باتت على مشارف قفزة أخرى، بفضل تنافس الشركات على التطوير في المدن الجديدة والمدفوعة أساسا بنهج حكومي لتنمية القطاع واستهداف المواطنين الأجانب والخليجيين بإستراتيجية البيع.

وتُبدي شركات خليجية استعدادا فوريا لشراء الأراضي والاستثمار بالقطاع، مدعومة من حكوماتها التي عززت علاقاتها الاقتصادية مع القاهرة.

وساهمت الطفرة العقارية في رفع متوسط أسعار الوحدات السكنية بنسبة 16.5 في المئة على أساس سنوي، بحسب تقرير نشرته شركة الاستشارات العقارية نايت فرانك في أغسطس الماضي.

وقدم تقرير الشركة، ومقرها لندن، صورة لحجم السوق العقاري، حيث تتجاوز قيمة المشاريع المستقبلية نحو 565.5 مليار دولار، ما يضع مصر في المرتبة الثالثة بين أكبر أسواق الإنشاءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

565.5

مليار دولار حجم المشاريع المستقبلية في القطاع، وفق تقديرات شركة الاستشارات العقارية فرانك نايت

ويوجه استمرار النشاط في سوق الإسكان المصري وعدم تعرضه لأزمات مؤثرة، رسالة مهمة للمستثمرين الأجانب تتعلق بمدى الثقة والثبات، وضمان تحقيق الأرباح، وعدم التعرض بشكل كبير للخسائر والظروف المحيطة.

ومن عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية أنها تتأثر بشكل طفيف بالأزمات العالمية سواء بركود محدود للغاية أو تباطؤ حركة المبيعات قليلا، لكن لا يحدث انهيار في أسعار الأراضي أو الشقق السكنية.

ولا تتعامل السوق المصرية بالمعايير المتعارف عليها في الرهن العقاري في الولايات المتحدة وأوروبا، كما أن التمويل العقاري لا يمثل سوى 10 في المئة من إجمالي مبيعات، وفق دراسات شركات التسويق في القطاع.

وتتبع الشركات سياسة بيع وحداتها لحسابها المباشر بشكل فوري أو بالتقسيط على سنوات قد تصل إلى 10 أعوام أو أكثر للتسهيل وجذب الزبائن.

كما تنتهج طريقة بيع ترمي إلى عدم بيع كل الوحدات دُفعة واحدة أو قصر بيع المحدود، ثم عرض الوحدات كل فترة كي تظهر للسوق أن مشاريعها مستمرة، وتحقق مكاسب أكبر من فروق الأسعار.

ويشير ذلك إلى أن الشركات يمكنها زيادة الطلب في أي وقت، لكنها تهتم أن يكون لديها مخزون يسمح لها بالتواجد والاستحواذ على حصة من كعكة العقارات في البلاد.

وعادة ما يكون الطلب على العقارات بالسوق المحلية مرتفعا، لطبيعة الأفراد الذين يحرصون على التملك وليس التأجير، ومن ثم تستطيع الشركات بيع غالبية ما تُنشئه من مشاريع، عكس الأسواق الأخرى التي يركز أغلب سكانها على تأجير المساكن.

وبحسب بيانات البورصة المصرية يبلغ عدد الشركات العقارية المُدرجة نحو 36 شركة، برأسمال يناهز 263 مليار جنيه (5.53 مليار دولار)، وفق بيانات البورصة.

ولدى الدولة صندوق للإسكان الاجتماعي يعتمد في تنفيذ مشروعاته بشكل كامل على شركات المقاولات من القطاع الخاص، ويبلغ عددها نحو ألفي شركة، وقد أدى ذلك إلى إتاحة أكثر من 4 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

4