بوادر تباطؤ في موجة قروض القطاع المصرفي السعودي
الرياض- تشهد السوق المصرفية السعودية مؤشرات أولية على تباطؤ في وتيرة نمو القروض بعد فترة من التوسع الكبير الذي دعم تمويل المشاريع الحكومية والخاصة ضمن مستهدفات رؤية 2030.
وبعد أعوام من النمو المزدوج في الإقراض، تظهر بيانات البنوك السعودية تراجعًا طفيفًا في معدلات التمويل الموجهة للأفراد والشركات، في ظل تشديد السياسات النقدية وارتفاع تكاليف الاقتراض.
ويرى محللون أن هذا التباطؤ يمثل مرحلة طبيعية في دورة الائتمان، تعكس توازن القطاع المصرفي بين متطلبات التوسع الاقتصادي وضبط المخاطر المالية، لاسيما مع توجه البنوك نحو تعزيز السيولة والالتزام بمعايير كفاية رأس المال.
ومع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ نمو الطلب على القروض الاستهلاكية والعقارية، يترقب المراقبون ما إذا كان هذا التراجع مؤقتًا أم مؤشرًا على تحول هيكلي في ديناميكية الإقراض داخل الاقتصاد السعودي.
أشرف مدني: البنوك أصبحت أكثر انتقائية في منح التسهيلات الائتمانية
وحسب ما رصدته وكالة بلومبيرغ ستبدأ البنوك بإظهار إشارات على التراجع في الإقراض للمرة الأولى منذ سنوات، حيث يجعل شح السيولة واللوائح المصرفية الجديدة من الصعب بشكل أكبر مواكبة الطلب على الائتمان.
وانخفضت القروض متوسطة الأجل من البنوك المحلية بنسبة 5 في المئة بنهاية الربع الثالث من 2025، وهو أول انخفاض فصلي منذ عام 2022.
ويعتقد المتابعون للاقتصاد السعودي أن هذا الانخفاض يمثل ذلك إشارة أولية على تباطؤ بعد سنوات من النمو المتسارع الذي دفع أحجام الإقراض إلى مستوى قياسي في يونيو الماضي.
ويلوح الآن حدوث تراجع أكبر، إذ تواجه البنوك في أكبر اقتصاد عربي زخماً أقوى، ونمواً أبطأ في الودائع، ومتطلبات تنظيمية ستلزمها قريباً بالاحتفاظ برأس مال أكبر في ميزانياتها العمومية، بحسب وكالة موديز ريتينغز.
وقال أشرف مدني، نائب الرئيس وكبير مسؤولي الائتمان في موديز، إن “البنوك أصبحت أكثر انتقائية، في منح التسهيلات الائتمانية، مضيفا “الآن عندما تتلقى البنوك عشر طلبات، تمنح 7 قروض فقط”.
وتوقع مدني مزيداً من الحذر في الفترة المقبلة، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض توليد القروض، وتراجع نسب القروض إلى الودائع من 115 في المئة المسجلة هذا العام.
وتواجه البنوك تحديات متزايدة في وقت يتطلع فيه الفاعلون الاقتصاديون من الكيانات الحكومية إلى الشركات إلى تنفيذ أجندة رؤية السعودية 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتهدف أجندة التحول الاقتصادي إلى بناء صناعات جديدة تمتد من القطاع المالي إلى الذكاء الاصطناعي، بهدف تقليص اعتماد الاقتصاد على النفط، وتحويل الرياض إلى مركز عالمي للاستثمار.
ومع استمرار عجز الميزانية الحكومية، ودراسة صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) لأولويات جديدة للإنفاق، وبقاء أسواق الدين المحلية قيد التطوير، أصبحت البنوك المصدر الرئيسي للتمويل لتلك الخطط.
ولتلبية شهية الإقراض، زادت البنوك من اقتراضها هي الأخرى من خلال إصدارات دين على المستويين الأول والثاني.
جنيد أنصاري: تأثير لوائح البنك المركزي لرأس المال سيكون قابلا للإدارة
وتزيد من التحديات اللوائح الجديدة للبنك المركزي السعودي، التي سترفع متطلبات رأس المال بنسبة واحد في المئة خلال منتصف عام 2026.
وقال جنيد أنصاري، مدير إستراتيجية الاستثمار والأبحاث في شركة كامكو للاستثمار، إن التأثير “سيكون قابلاً للإدارة”، بينما ترى موديز أن هذه المتطلبات ستضغط على الميزانيات العمومية للبنوك وتسرّع من تباطؤ الإقراض.
وحققت البنوك أرباحاً ناهزت نحو 6.4 مليار دولار خلال الربع الثالث، مسجلةً أعلى أرباح فصلية منذ عام 2003، بحسب البيانات المتاحة.
واستناداً إلى بيانات البورصة السعودية تداول وبلومبيرغ، نما إجمالي أرباح بنوك بنسبة 15 في المئة على أساس سنوي، ليتجاوز متوسط توقعات المحللين البالغ نحو 6 مليارات دولار.
ومع ذلك فإن وتيرة النمو تباطأت مقارنةً بالفصول السابقة، حيث بلغت 18 في المئة خلال الربع الثاني، و19 في المئة خلال الربع الأول، و21 في المئة بنهاية الربع الأخير من 2024.
وقال إدموند كريستو، كبير محللي القطاع لدى بلومبرغ إنتليجنس إن “متوسط توقعاته لنمو قروض البنوك السعودية بنسبة 13 في المئة لعام 2025 تواجه خطر عدم التحقق.
وأضاف لبلومبيرغ “بينما قد يساعد خفض أسعار الفائدة في هذا الشأن، فإن فوائده قد تُقابلها القيود المستمرة على السيولة.”
ورغم هذا، لا تزال هناك علامات واضحة على متانة النمو، إذ واصلت التسهيلات الائتمانية قصيرة وطويلة الأجل التوسع خلال الربع الثالث.
وفي حين يتوقع مصرف الراجحي توسعاً معتدلاً في الجزء الأخير من العام رغم التحديات، أشار البنك الأهلي السعودي وبنك الرياض إلى أنهما بدآ في منح القروض بشكل أكثر انتقائية.