تشديد الرقابة المالية يعيق نشاط الشركات الصغيرة في تونس
تونس- أدى تصاعد الرقابة المالية في تونس إلى إفراز مناخ من التوجّس لدى العديد من أصحاب الشركات الصغيرة، مما دفع البعض منهم إلى تقليص حجم نشاطه أو حتى الخروج من السوق النظامية تفاديًا للإجراءات المعقدة والمكلفة.
وترى أوساط القطاع أن حصول مثل هذا الانكماش لا يخدم الاقتصاد الذي يبحث عن فرص التعافي بشق الأنفس، بل يُفقده جزءًا مهمًا من الحيوية والإبداع التي تأتي عادة من روح المبادرة لدى رواد الأعمال الصغار.
وفي محاولة للفت انتباه صناع القرار النقدي دعت الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة محافظ البنك المركزي فتحي زهير النوري إلى التدخّل العاجل من أجل تيسير الإجراءات المصرفية الخاصة بقبول التحويلات بالعملة الصعبة.
كما حثت على تمكين الشباب والشركات من استلام مستحقاتهم دون عراقيل بيروقراطية تعيق النشاط الاقتصادي وتُضعف مناخ الثقة مع الموردين والمتعاملين سواء في السوق المحلية أو الأسواق الخارجية.
وأفادت الجمعية في بيان أصدرته الأربعاء أوردته وكالة الأنباء التونسية الرسمية بأنها “تتابع بقلق كبير التعطيلات التي يواجهها عدد من الشباب وأصحاب المؤسسات الناشئة والصغيرة في ما يتعلق بإيراداتهم بالعملة الصعبة المتأتية من أنشطتهم في مجالات متعددة، خاصة في قطاع الخدمات الرقمية والتصدير.”
وفي ظل المساعي التي تبذلها الحكومة والبنك المركزي لمكافحة التهرب الضريبي وتعزيز الشفافية المالية تصاعدت وتيرة الإجراءات الرقابية المفروضة على مختلف الفاعلين الاقتصاديين، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ورغم أهمية هذه الخطوات لضبط الاقتصاد وتحسين موارد الدولة، لكن تشديد الرقابة المالية بدأ يُثير قلق العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يرون فيها عبئًا إضافيًا يهدد استقرار أعمالهم ويحدّ من قدرتهم على النمو.
ولذلك لفتت الجمعية الانتباه إلى الحاجة الملحّة لمراجعة مجلة الصرف الحالية، وتحديثها بما يتماشى مع التطورات الاقتصادية والرقمية، وذلك لتمكين كل من يُصدّر خدمات أو سلعا من إدخال العملة الصعبة بسهولة وشفافية.
وفي مارس 2024 أقرت الحكومة مشروع قانون جديد لتطوير منظومة الصرف الأجنبي، مؤكدة أنه سيسهل التعاملات المالية والتجارية الدولية، وذلك في إصلاح طالبت به الشركات التونسية.
ويهدف القانون إلى تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات لإزالة العقبات التي تواجه الشركات المحلية، وذلك في علاقاتها المالية والتجارية مع الخارج.
وعلى الرغم من هذه الخطوة المهمة، إلا أن المتابعين يلاحظون بطأ شديد في تسريع إصدار قوانين حديثة لمنظومة الصرف الأجنبي.
وأكدت الجمعية في بيانها أن آفاق التشغيل الحقيقية في تونس اليوم تكمن في تصدير الخدمات والمهن المستجدة، التي تعتمد بشكل أساسي على العمل الحرّ كشكل من أشكال التشغيل الحديث والمعتمد في أغلب دول العالم.
39
في المئة نسبة حالات إفلاس هذه الفئة من الشركات سنويا، وفق تقديرات الجمعية
وأشارت إلى أن هذا النموذج الجديد يُمثل فرصة إستراتيجية لتوليد الثروة، واستيعاب الكفاءات الشابة وجذب المزيد العملة الصعبة بطرق مبتكرة ومباشرة.
ولاحظت أن كل تأخير في هذا المسار يُفقد تونس فرصا حقيقية للحصول على العملة الصعبة، ويُضعف قدرتها التنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية.
وأكدت أن تبسيط الإجراءات ورقمنة المعاملات وإلغاء البيروقراطية المفرطة هي مفاتيح أساسية لزيادة موارد البلاد من العملة الصعبة ودفع عجلة الاقتصاد التونسي.
ومنذ فترة تحذر أوساط الأعمال التونسية من دخول الشركات في منعطف أكثر خطورة، مع تتالي حالات الإفلاس، ولاسيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع استحالة إنقاذ عدد منها أو الحيلولة دون إغلاق في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.
وفي يناير الماضي صرح المتحدث باسم الجمعية عبدالرزاق حواص بأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشهد حالات إفلاس سنوية بنسبة 39 في المئة، مشيرا إلى وجود قرابة 870 ألف شركة تعمل في القطاع.
وأكد أن الأسباب وراء إفلاس الشركات وخروجها من السوق يتمثل بالأساس في الحاجة إلى تشريعات تدفع نحو مفهوم الحرية الاقتصادية. وقال إن “العديد من القوانين تعود إلى فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والم تعد تتماشى مع الوضع الحالي.”
وتعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة من مشاكل تتصل بالقدرة التنافسية، والتي تعود إلى تعدد كراسات الشروط وصعوبة الحصول على الوثائق اللازمة.